الوقت – الاشتباكات الحاصلة بين ميليشيات ما يسمى بالحزام الأمني المدعومة من الإمارات وجزء من المجلس الانتقالي في الجنوب مع قوات منصور هادي المدعومة من السعودية، أدخلت مدينة عدن الساحلية الاستراتيجية هذه الأيام في أجواء من الاضطرابات الدامية والانفلات الأمني.
وتفيد آخر الأنباء أن القوات المدعومة من الإمارات قد تمكّنت من السيطرة على المدينة والاستيلاء على قصر المعاشيق.
المعركة بين القوات المدعومة من السعودية وتلك المدعومة من الإمارات في عدن ليست حدثاً غير مسبوق، فقد حصلت الصراعات مراراً وتكراراً على مرّ السنين التي أصبحت فيها المدينة المركز الرئيس للحكومة اليمنية المستقيلة وكذلك القاعدة الرئيسة للانفصاليين في الجنوب.
من ناحية أخرى، فإن الفجوة بين الرياض وأبو ظبي حول مستقبل ومصير اليمن ليست خافيةً على أحد، وعلى الرغم من أن البلدين متفقان على عدائهما لأنصار الله، إلا أن هذا العدو المشترك لم يوحدهما تماماً في حل جميع خلافاتهما.
ورغم هذه الخلفية، لكن الجولة الجديدة من الاشتباكات في الأجواء المتوترة في المنطقة هذه الأيام، وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على بدء غزو التحالف الذي تقوده السعودية لليمن، ترجع إلى اتساع الهوة بين السعودية والإمارات.
فيما يلي سنحاول دراسة بعض أسباب النزاع الأخير في عدن.
جماعة الإخوان المسلمين اليمنية؛ نعم أم لا؟
واحدة من عجائب الأزمة اليمنية هي تعاون حزب الإصلاح الإخواني مع السعوديين.
يعتقد حكام الرياض، المعارضون بشدة لحركة الإخوان المسلمين بجميع فروعها، أن منصور هادي وحليفه، أي حزب الإصلاح، يتمتعان بالكفاءة والقدرة على إدارة الحكومة اليمنية، ويتصورون أن الهيكل القبلي اليمني سوف يجعل من التعصب العرقي لحزب الإصلاح ذا أولوية أمام أفكارهم الدينية الإخوانية، ولا يتصرفون مثل فروع الإخوان الأخرى.
في الوقت نفسه، لا يريد السعوديون أن يسيطر الإخوانيون على الحكومة اليمنية، ولكنهم يحاولون إضعاف أنصار الله من خلال دعم جماعة الإخوان المسلمين اليمنية كقوة أيديولوجية.
لكن لدى الإمارات فكرة مختلفة عن السعوديين تماماً، حيث ترى أبو ظبي بأن الثقة في أحزاب وجماعات الإخوان المسلمين، ودعمهم سياسياً وعسكرياً، ليست بالفكرة السديدة حتى للمنافسة أو العداء لأنصار الله، وليس لها نهاية سعيدة.
ذلك أن جماعة الإخوان المسلمين لديها الحافز والقدرة على خلق تهديدات خطيرة على الاستقرار السياسي في الإمارات إذا ما استولوا على السلطة في المستقبل.
فليس من المستغرب إذن أن تسعى الإمارات إلى تقويض قوة حزب الإصلاح ومنصور هادي من خلال استغلال ميليشياتها المرتزقة، بما فيها بعض الجماعات ذات النزعات السلفية.
انسحاب الإمارات من اليمن والقلق بشأن المستقبل
منذ عدة أسابيع والانسحاب الإماراتي التدريجي من اليمن قد بدأ، حيث تحاول أبو ظبي الخروج من حرب اليمن الاستنزافية بطريقة مشرفة وبأقل قدر من الأضرار، وتقليل التوترات بينها وبين إيران.
وفي مثل هذه الظروف، فإن امتلاك اليد العليا في معادلات اليمن والمحادثات المستقبلية يتطلب الحفاظ على ورقة لعب قيمة، وليس هناك ورقة أفضل من السيطرة على واحدة من أكثر المناطق الاستراتيجية في اليمن، أي مدينة عدن.
وجود القوات المدعومة من الإمارات في عدن بالإضافة إلى الحفاظ على التفوق الجيوسياسي، سيمنح حكام أبو ظبي السيطرة على الوضع وإدارته بعد المغادرة، ويعتبر ورقةً رابحةً مهمةً، خاصةً بالنظر إلى الطموحات الإقليمية للإمارات وأطماعها في احتياطيات الطاقة اليمنية.
يبدو في الوقت الحالي أن ميزان القوى قد تغير لمصلحة المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات الحزام الأمني التي تدعمها الإمارات، لكن هذا لا يعني انتصارهم الكامل والسيطرة على جنوب اليمن.
الأوضاع في المنطقة غير مستقرة ولأن جزءاً كبيراً من القوات على كلا الجانبين هم مرتزقة ويقاتلون بالوكالة، فلا توجد ثقة كبيرة في ولائهم.
في الوقت نفسه، لا ينبغي تصوّر الخلاف السعودي الإماراتي حول السيطرة على عدن عميقاً أكثر من اللازم، فلعلّ أحد أهداف هذه الاشتباكات هو تمهيد الطريق لفصل جنوب اليمن، بحيث تسعى الرياض وأبو ظبي للقول بأن هذا الانفصال هو النتيجة الطبيعية للنزاعات الطائفية والقبلية في اليمن، ونفي مسؤوليتهما عن ذلك.
كما لا ينبغي تجاهل تأثير الاشتباكات في عدن على توسع دائرة الحرب في أماكن أخرى جنوب اليمن، فبالنظر إلى الموقع الاستراتيجي لميناء عدن قد تمتد الأزمة إلی أجزاء أخرى من جنوب اليمن.
ولا ينبغي أن ننسى أيضاً أن هذه المرة، كما هو الحال دائماً، المتضرر الرئيس من الحرب هو المواطن اليمني العادي، إذ يعدّ ميناء عدن من أهم نقاط استيراد السلع الأساسية إلى اليمن، وأي صراع وعدم استقرار فيه سيكون له تأثير مباشر على أسعار المواد الغذائية والوقود والدواء والمواد الأساسية الأخرى التي يحتاجها اليمنيون، ويجعل حياتهم اليومية أكثر صعوبةً.