الوقت- عمّت أرجاء المملكة الأردنية الهاشمية تظاهرات واسعة شملت أغلب محافظات البلاد على مدى الأسبوع الفائت في ظاهرة تعدّ الأولى من نوعها في التاريخ الحديث للمملكة، ولكن ومع توسّع طيف هذه المظاهرات تلوح في الأفق أيدٍ سياسية خفية تلعب دوراً محرّضاً في تلك البلاد.
استقالة حكومة الملقي وقدوم حكومة عمر الرزاز مكانها، لم تجدِ نفعاً في إيقاف الاحتجاجات والتظاهرات بل على العكس انضم إليها نقابيون ومحامون ومواطنون من مختلف شرائح المجتمع الأردني لتتسع معها رقعة الاحتجاجات وتعمّ أرجاء البلاد.
وقالت مصادر عدة إن السعودية والإمارات وأمريكا و"إسرائيل" وراء هذه الاحتجاجات بعد معارضة الأردن لصفقة القرن.
ويمكننا ربط ما يجري في الأردن حالياً بالخطة العربية التي تقودها كل من السعودية والإمارات في إطار خفض المساعدات الخارجية للأردن، وقطع الغاز المصري عنها، حيث سبّب هذا الانخفاض الحاد في حجم المساعدات من تأزيم الأوضاع في المملكة الأردنية، فقد استغلت الدول الآنفة الذكر النقطة الأكثر حساسية في الأردن، ألا وهي لقمة عيش المواطن، خاصة أن البلاد تعاني أساساً من أزمات اقتصادية متلاحقة وغلاء معيشة وفرض ضرائب مضطرد، زاد نسبة الفقر في البلاد إلى درجات غير متوقعة خلال الأشهر الماضية، ولهذا وصل الشعب الأردني إلى نقطة لم يعد فيه تحمّل المزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية فنزل ليعبّر عن غضبه في الشارع مستنزفاً جميع فرص الصبر والتحمل.
العوامل الخارجية أثّرت بشكل كبير في هذه التظاهرات، ولا سيما الإمارات والسعودية، وإن كان بشكل غير مباشر ولكنه فعّال، وتلا ذلك انخفاض كبير في المساعدات المالية، التي تلعب دوراً حيوياً في الاقتصاد الأردني.
وخلال الشهرين الماضيين شدّد الملك الأردني عبدالله الثاني في أكثر من مناسبة على أن البلاد تعاني من صعوبات اقتصادية بعد موقفها من تطورات القدس، ورفضها الانخراط في صفقة القرن، وخروجها عن الحضن السعودي في أكثر من مناسبة والمشاركة في مؤتمرات إسلامية لدعم القدس كتلك التي حدثت في تركيا، وهذا لم يرق للسعودية الذاهبة باتجاه تطبيع العلاقات مع "إسرائيل".
هناك بعض الأسباب التي تدل على أن الأردن ستعاقب بهذه الطريقة:
منذ عام 1948، أصبح الأردن مسؤولاً عن الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس، ولا تزال وزارة الأوقاف الأردنية حتى الآن تدير الأمور في المدينة والمسجد الأقصى.
ومع صدور قرار ترامب الأخير حول القدس أعلنت الأردن رفضها القاطع لهذا القرار واعتبرته انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني، والأهم من ذلك، أن الملك الأردني لم يستجب لطلبات ترامب في صفقة القرن التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وما أزعج الأمريكي والسعودي هو أنّ الأردن تتقرب من تركيا، وحضر ملك الأردن شخصياً اجتماعين أخيرين للقادة الإسلاميين في اسطنبول.
ونتيجة لهذه التطورات، كان الأردن بعيداً بعض الشيء عن المحور العربي التقليدي، ونتيجة لذلك، انخفضت المساعدات المالية للبلاد بشكل حاد.
مصر أيضاً قطعت غازها، وبالطبع كانت القاهرة منزعجة من عمان منذ مدة طويلة، لأن الرئيس المصري يعتقد بأنه كان على الملك الأردني أن يحذو حذوه فيما يخصّ التعاطي مع الاخوان المسلمين، ولكن هذا لم يحصل، لكون السياسة الأردنية تختلف عن الأنظمة العربية الأخرى فيما يتعلق بالحركات الإسلامية، سواء أكان السلفيون أم الإخوان.
وخلال الشهرين الماضيين، ردّ الأردن بعدة طرق على نهج السعودية الجديد في التعاطي معه، فقد حاول الملك عبدالله الثاني الاستفادة من ورقة الضغط القطرية والإيرانية واستخدامها في وجه التحديات الجديدة التي تمرّ بها البلاد لإجبار كل من السعودية والإمارات على الاستمرار في تقديم المساعدات الاقتصادية.
خلال الشهر الماضي وصلت رسالة مقلقة من الأردن للتحالف العربي، حيث دعا عدد من البرلمانيين الأردنيين إلى عودة العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة إلى مرحلة ما قبل بدء الأزمة الخليجية، حتى أن رئيس اتحاد غرب آسيا لكرة القدم، علي بن الحسين ذهب في زيارة إلى الدوحة.
وقبل عدة أيام، أعلن رئيس الوزراء الأردني السابق طاهر المصري أيضا عودة السفير الأردني إلى قطر في المستقبل القريب، وبين هذا وذاك يمكننا اعتبار اللقاء الأخير بين الملك عبد الله الثاني والرئيس الإيراني خلال الاجتماع الأخير للقادة الإسلاميين في اسطنبول رسالة أخرى من الأردن إلى السعودية، خاصةً أنّ الملك الأردني صافح الرئيس روحاني بحرارة.
إذا كان الملك عبد الله يريد من خلال فطنته استخدام إيران كورقة ضغط على السعودية، يمكننا أن نرى أن ذلك لم يجدِ نفعاً، فمن الواضح أن رسائل الأردن هذه لم تسر على ما يرام واستمرت الضغوط الاقتصادية، وزادت حدة الاحتجاجات، وذهبت إلى نقطة متقدمة أصبحت مقلقة بالنسبة للسعودية حتى.
علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كان الأردن سيخضع لرغبات السعودية والإمارات ويرضخ لمتطلباتهم، وماذا عن صفقة القرن؟.
ومن الممكن جداً أن تهدأ ألسنة اللهب في الأردن ولكن لن يتم إيقافها ويمكن أن تأتي من تحت الرماد.