الوقت- بعيداً عن نظرية المؤامرة التي يتحدث عنها عدد من النخب وأنّ مؤامرات تُحاك ضدّ الأمة العربية والإسلامية، وحتى ضد الدول الرافضة للمشروع الغربي، وذلك بهدف تطويعها وإخضاعها بهدف السيطرة عليها وعلى مقدراتها، يمكن النظر إلى السلوك الغربي تجاه بعض دول المنطقة، ولا سيما تركيا وإيران اللتان تُحاربان كل أشكال الهيمنة الغربية، من خلال محاولاتهما الحثيثة بناء بلديهما بعيداً عن التبعية لأي قوّةٍ غربية، إلّا أنّ هذا الخروج تمّت مواجهته بصلابة من قبل أمريكا والدول الأوروبية، غير أنّهما لا تزالان مُصرتان على موقفهما في الخروج من صندوق الهيمنة الغربي.
وما يؤهل الدولتين للمزيد من المقاومة والتحدي ربما الموقع الاستراتيجي المهم (اقتصادياً وسياسياً) للدولتين اللتين تُشكلان البوابة الأوربية الآسيوية، حيث مكّن هذا الموقع الدولتين من توسيع نفوذهما الاقتصادي والعسكري بين دول المنطقة، كما سمح الموقع الاستراتيجي للدولتين بأن تكونا حجر عثرة أمام المشاريع الغربية تجاه عشرات الدول، لذلك عمل الغرب وما يزال على إضعاف أنقرة وطهران، وبنظر الساسة الغربيين لا بدّ أن تبقى الدولتان بحالة ضعف لتسهل السيطرة عليهما، ومن ناحيةٍ أخرى إمكانية الولوج إلى باقي دول المنطقة.
شبه إجماع شرقي وغربي على أن الصراع العالمي اليوم لم يعد صراعاً عسكرياً أو إيديولوجياً، بل بات صراعاً اقتصادياً بامتياز، هو صراعٌ دائر بين الدول المنتجة و الدول المستهلكة، غير أنّ صراعهم هذا يتحول إلى اتفاق في حال حاولت إحدى الدول النامية دخول سوق الإنتاج والتصدير الدولي، وذلك نظراً للتبعات الاقتصادية التي قد تتركها على اقتصاديات الدول المُنتجة.
ويعود العداء الرئيسي للدولتين الإسلاميتين (تركيا وإيران) من قبل الغرب لتمكّنهما من بناء نموذج إسلامي اقتصادي فعال أثبت نجاعته، فإيران وعلى سبيل المثال تمكنت من بناء صناعات أساسية ولاسيما في مجال الطيران والفضاء، الأمر الذي قلّل من اعتمادها على الغرب، بل يجعلها مرجعاً للعديد من الدول التي تعتمد حالياً على الغرب، أما تركيا فقد تمكنت من بناء مصانع الصناعات العسكرية وقد بدأت بتصدير منتجاتها إلى الكثير من الدول، وعلى هذا الأساس فإنّ نجاح الدولتين الجارتين في هذا المجال سبب حالة إرباك لدى الدول الغربية حيث ما انفكت عن محاربة طهران وأنقرة بشتى السبل والوسائل.
الإسلام ربما يُعتبر العامل الأبرز الذي لا يرغب الغرب بأن يمتلك أيّ قوى تؤهله للنهوض مجدداً، وما الضغوطات الغربية على إيران وتركيا إلا لكونهما تُمثلان نموذجاً ناجحاً للاقتصاد الإسلامي الناجح الذي تمكّن من بناء نفسه بنفسه، كما أنّ صعوبة تطويع وتمييع هذه الأنظمة نظراً لكون مرجعيتها الإسلامية ترفض هذا الأمر.
أكثر من ذلك؛ فإنّ الروابط العرقية والدينيّة وحتى التاريخية التي تربط بين الدول الإسلامية من الممكن أنّ تسهّل هذا الأمر بالإضافة إلى وجود نموذج اقتصادي إسلامي يستطيع مجاراة وربما التغلب على النماذج الغربية والشرقية.
وبالإضافة إلى ما سبق؛ فإنّ الأنظمة الغربية لو وجدت أنّ من يسعى للخروج من هيمنتها لا يُمثل نموذجاً إسلامياً، كأنّ يكون نظاماً شرقياً رأسمالياً بامتياز؛ ربما كانت أكثر تهاوناً وليناً معه، ولنا في النمور الآسيوية النموذج البارز، حيث استطاعت تلك الدول الخروج من العباءة الغربية وتشكيل نموذجها الخاص بها.
هل من حلول؟
يذهب خبراء إلى أنّ التعاون والتآزر بين الدول النامية، -وهنا الحديث يدور عن الدول العربية والإسلامية فقط- من شأنه أن يجعل أسواق المنطقة مُخصصة للبضائع التي تُنتج هنا، فالمنطقة العربية والإسلامية تزخر بكل أنواع الثروات، الأمر الذي يؤهلها لتكون منطقة اقتصادية مستقلة.
ومن ناحيةٍ أخرى يؤكد الخبراء على أنّه يتوجب على الدول العربية أن تنهج نهج كل من إيران وتركيا، اللتين استطاعتا الوقوف في وجه الهيمنة الغربية، فالسعودية مثلاً وبشراكة مع عدد من الدول كالإمارات ومصر والسودان وغيرها من الدول، يمكن لها أن تُشكّل قوة اقتصادية كبرى، وهي في النهاية دول عربية وإسلامية وذات إمكانيات كبيرة، ومن المرجو أنّ تكون إحدى أعمدة النهضة الإسلامية، لا أن تكون خاصرة رخوة للمنطقة العربية والإسلامية كي تتسلل من خلالها الدول الغربية ببرامجها التي لن تخدم إلا مصالحها.
عوداً على بدء؛ فإنّ أكثر ما يُرهب الأنظمة الغربية هو تمكن الدول الواقعة تحت الوصاية من الخروج وبناء اقتصادها الخاص، الأمر الذي سيشكل تهديداً كبيراً لاقتصاديات تلك الدول بعد خروج الدول الصغيرة من دائرة الدول المُستهلكة إلى دائرة الدول المنتجة الباحثة عن أسواق لتصريف منتجاتها.