الوقت - بعد الإنقلاب الفاشل الذي وقع في تركيا قبل نحو عشرة أيام والذي أدانته إيران وروسيا، وظهور مؤشرات على وقوف الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا خلف هذه المحاولة، وما أعقبها من توتر بين واشنطن وأنقرة حول مصير المعارض التركي فتح الله غولن، يرى الكثير من المحللين بأن السياسة التركية ستشهد تغييرات بإتجاه تعزيز العلاقات مع إيران وروسيا، والإبتعاد عن الغرب لاسيّما أمريكا.
في هذا السياق أعرب الموقع الروسي "آر تي بي أتش" والموقع الأمريكي " ألمانيتور" عن إعتقادهما بأن المحاولة الإنقلابية الفاشلة في تركيا قد عمّقت الفجوة بين أنقرة وحلف الناتو لاسيّما مع واشنطن، خصوصاً بعد الإنتقادات التي وجهتها العديد من العواصم الغربية للسلطات التركية على خلفية الإعتقالات الواسعة التي شنتها في صفوف المعارضة بعد فشل الإنقلاب.
وأشار موقع "آر تي بي أتش" إلى أن إدانة إيران وروسيا للإنقلاب التركي الفاشل ودعمهما للحكومة القانونية برئاسة رجب طيب أردوغان من شأنه أن يشكل نقطة تحوّل جوهرية في سياسة أنقرة تجاه طهران وموسكو رغم الخلاف بين القيادة التركية ونظيراتها الإيرانية والروسية حيال الأزمة السورية.
واعتبر الموقع الروسي إتهام تركيا للمعارض فتح الله غولن الذي يقيم في أمريكا بالوقوف وراء المحاولة الإنقلابية والمطالبة بتسليمه بأنه يشير الى وجود أزمة حقيقية بين أنقرة وواشنطن بهذا الخصوص، رغم محاولة الأخيرة نفي علاقتها بغولن وتحذيرها من أن إتهامها بالوقوف وراء الإنقلاب من شأنه أن يسيء للعلاقات بين البلدين إلى حد كبير.
يأتي هذا في وقت ذكرت فيه العديد من المصادر الخبرية بأن أنقرة إتهمت واشنطن بالسماح للمقاتلات التركية التي شاركت في المحاولة الإنقلابية بالتزود بالوقود من قاعدة "إنجرليك" التي تديرها القوات الأمريكية في الأراضي التركية.
من ناحية أخرى، تسببت الإنتقادات اللاذعة التي وجهتها الكثير من وسائل الإعلام الغربية لحكومة أردوغان على خلفية الإجراءات المشددة التي إتخذتها بعد فشل المحاولة الإنقلابية بإيجاد شرخ كبير بين أنقرة والغرب، خصوصاً بعد أن تحدثت هذه الوسائل عن إمكانية حصول عمليات إعدام واسعة النطاق في صفوف الإنقلابيين، ودعوتها لقطع العلاقات مع تركيا وإخراجها من حلف شمال الأطلسي"الناتو".
في ذات السياق يرى المراقبون إن الإعتذار الرسمي الذي قدّمه أردوغان مؤخراً لنظيره الروسي فلاديمير بوتين عن إسقاط طائرة السوخوي خلال تحليقها لضرب مواقع إرهابية في سوريا قبل ثمانية أشهر من شأنه أن يعيد المياه إلى مجاريها بين موسكو وأنقرة من جهة، ويعمّق الخلاف بين الأخيرة والغرب من جهة أخرى.
من جانبه ذكر موقع "ألمانيتور" إن الإئتلاف الدولي الذي تقوده واشنطن لمحاربة الإرهاب يتهم تركيا بعدم التعاون معه في هذا المجال وقد بدأ منذ فترة يضغط بهذا الإتجاه، الأمر الذي قد يحفّز أنقرة للتوجه لتشكيل تحالف جديد مع طهران وموسكو لمواجهة هذا الضغط من جهة، ومواجهة خطر الإرهاب الذي يداهمها من جهة أخرى، خصوصاً بعد التفجير الذي إستهدف مؤخراً مطار أتاتورك الدولي في إسطنبول وراح ضحيته الكثير من الأشخاص.
وأضاف الموقع: "يبدو من خلال هذه القرائن والشواهد إن أردوغان بصدد إعادة النظر في علاقات بلاده مع الدول الأخرى تبعاً لمواقفها من المحاولة الإنقلابية الفاشلة التي إستهدفت نظامه، ويُرجح أن تكون إيران وروسيا في طليعة الدول التي ستحظى بإهتمام الرئيس التركي نظراً لمواقفهما الرافضة لهذه المحاولة، خلافاً للدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا التي إنتقدت الحكومة التركية على خلفية الإجراءات التي إتخذتها لإجهاض الإنقلاب".
وأشار الموقع أيضاً إلى أن المسؤولين الإيرانيين سيّما رئيس الجمهورية حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف قد اتصلوا هاتفياً بنظرائهم الأتراك ونددوا بالمحاولة الإنقلابية أثناء وقوعها، في حين إكتفى الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز الحليف لأردوغان في موقفه من الأزمة السورية بتقديم التعازي لأسر الضحايا الذين سقطوا في المحاولة الإنقلابية وذلك بعد مرور يومين من وقوعها والتأكد من فشلها، في وقت يعتقد فيه الكثير من المتابعين بأن السعودية ضالعة بالتخطيط ودعم هذه المحاولة.
وخلص موقع "ألمانيتور" إلى أن أردوغان بات اليوم أمام خيارين؛ إمّا الإستمرار في موقفه السابق من الأزمة السورية أو إتخاذ خطوات لتعزيز التعاون مع طهران وموسكو لتسوية هذه الأزمة بعيداً عن التدخل الأمريكي، مرجحاً أن يفضّل الرئيس التركي الخيار الثاني بعد أن تكشفت له مواقف الدول من المحاولة الإنقلابية التي إستهدفته، سواء الرافضة لها أو الداعمة لها.