الوقت- تستكمل العديد من وسائل الإعلام العربيّة هجماتها على إيران وحلفائها. ورغم ثبات إيديولوجية هذه الأدوات في عدائها لإيران، إلا أنها تحذو حذو السياسة الخارجية للدولة المؤسسة أو الداعمة لها.
مؤخراً، برز خط إعلامي بجناحين الأوّل يتعلّق بإيران فوبيا، والثاني يتعلّق بحلفاء إيران. ففي الشقّ الإيراني عمدت العديد من وسائل الإعلام، بعضها صحافة صفراء بامتياز، عمدت إلى وضع مهنيتها على الرّف بصورة مفضوحة عبر نسب الأكاذيب للباحث الإيراني في الشؤون الإسلامية وعضو المجلس الأعلى للثورة الثقافية "حسن رحيم بور أزغدي".
الكذبة التي روجتها القنوات والمواقع الأجنبية والتي لا أساس لها من الصحة جملةً وتفصيلاً، بدأت باتهام ازغدي بالقول إن إيران هي من أعدمت صدّام حسين، لتبدأ حملة مزايدة إعلامية غير مسبوقة لم تكتفِ باتهام أزغدي بالقول أوّلاً: إن بلاده تسيطر على خمس دول في المنطقة من ضمنها العراق، ثانياً: إن إيران ستعمد إلى إسقاط أنظمة الدول الحليفة لأمريكا في حال لم تخضع لها، ثالثاً: إن زمان إعلان الإمبراطورية الفارسيّة قد حان، بل وصل حدّ الافتراء عند بعض وسائل الإعلام إلى اتهام أزغدي بالقول إن رئيس الوزراء العراقي القادم سيكون من جنود قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني!
الأسباب
أولاً: وقبل الخوض في أسباب هذه الكلام، لا بدّ من الإشارة إلى أنّه إضافةً إلى أن الباحث أزغدي لم يتطرّق إلى بعض النقاط التي تمّ اتهامه بها، حيث إن ما ذكره أزغدي كان في معرض الإشارة إلى الاتهامات التي يسوقها الغرب تجاه إيران أمثال بريجينسكي وهنري كسينجر الذي ادّعى سعي إيران لإحياء الإمبراطورية الفارسيّة قائلاً: "إمبراطورية إيرانية إيديولوجية ربما تخلّف داعش". أزغدي، الباحث الأكثر تأثيراً في الأوساط الشبابية الإيرانيّة ولاسيّما الجامعية منها بسبب أسلوبه العلمي، رفض هذه الادعاءات بعد سردها، وهذا ما لم تذكره وسائل الإعلام هذه، أي إنّه كان في معرض نقد هذه الافتراءات لا تأييدها، إضافةً إلى أنّ هناك بعض التهم لم يتفوّه بها أزغدي أساساً.
لا يمكن مقاربة هذا الموضوع بكل جوانبه بعيداً عن الظروف المحيطة التي تُرخي بظلالها سلباً أو إيجاباً على الخطوط الإعلاميّة العريضة لوسائل الإعلام هذه. وعند التدقيق في الجهة المستهدفة، باعتبار أن التصويب تركّز على العراق، يتّضح وجود أهداف انتخابيّة محضة خلف هذه الاتهامات. في الحقيقة، إن الأهداف القريبة من هذا الكذب والافتراء الإعلامي تتعلّق بالانتخابات والتحالفات السياسية، فضلاً عن محاولة التأثير على القرار الانتخابي للشباب العراقي، في حين أنّ الأهداف البعيدة تتلخّص في إيجاد شرخ في العلاقات بين البلدين وشعبيهما.
الأهداف الانتخابيّة لم تقتصر على العراق، بل وصلت إلى لبنان من خلال حلقة نقاشيّة نظّمها قبل أيّام مركز الإمارات للسياسات، تحت عنوان "فكّ شيفرة حزب الله". بعيداً عن فحوى الجلسة النقاشيّة التي خلصت إلى ضرورة التركيز على البعد العروبي للشيعة بغية إبعادهم عن إيران وهل العروبة غير فلسطين التي يرفع حزب الله شعارها؟ وهنا نجيب إذا كان أهل اليمن، الذين هم أصل العرب، ليسوا بعرب عند هؤلاء، فلا نستغرب أن تتهجّم وسائل إعلامهم هذه على شريحة عربيّة وتنعتها بصفات هي أولى بها.
العروبة، على الطراز الأمريكي، لم تتوقّف عن حدود لبنان وانتخاباته النيابية، بل طارت مجدداً إلى العراق المحتدم انتخابياً حيث عمد رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري إلى رغبته بالانفتاح على الدول العربية، وكأن بقيّة الأطياف لا تريد هذا الأمر في حال كان مبنياً على أسس حسن الجوار والاحترام المتبادل. كلام الجبوري أيضاً يدخل في البازار الانتخابي، وبالتالي لا بدّ من التعامل مع هذا الكلام في سياقه الانتخابي لا أكثر ولا أقلّ.
الأهداف
عوداً على بدء، لا يمكن النظر إلى كل ما ذكر أعلاه بدءاً من الاتهامات الموجّهة إلى أزغدي، مروراً بـ"فكّ شيفرة حزب الله"، وليس انتهاءً بكلام الجبوري، بعيداً عن الظروف السياسيّة. هذه السياسية ليست بجديدة بل معتمدة منذ زمن بعيد، أبرزها عندما أعلن الملك عبد الله الثاني خلال زيارته إلى واشنطن عام 2004 عن خشيته من "الهلال الشيعي" الذي بات مصطلحاً رائجاً على ألسن العديد من قادة الأنظمة العربية والغربية والإسرائيلية.
وأمّا الهدف من هذه الأدبيات السياسيّة الفتنويّة يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط: في حين تتعلّق النقطة الأولى بإثارة الفتنة الدينية بين الإخوة المسلمين السنّة والشيعية من جهة، والعرقيّة بين الشباب العربي المقاوم والإيراني المقاومة من جهة أخرى، تهدف النقطة الثانية للتصويب على محور المقاومة وإهانة أتباع هذا المحور لمصلحة المحور الآخر، أمّا النقطة الثالثة تتعلّق بشكل رئيسي في تشويه صورة الصحوة الإسلاميّة والحركات المقاومة في غرب آسيا وشمال إفريقيا.