الوقت- لم تتمكن السعودية بالرغم من كل التحشيد الذي قامت به قبل الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب وبعده من أن تصل إلى ما كانت تصبو إليه من قرارات معادية لمحور المقاومة، كانت قد عملت على إصدارها تحت مظلة إجماع عربي موحد بما يتناسب مع طموحات السعودية في المنطقة، والأفضل أن نقول طموحات "أمريكا واسرائيل" في المنطقة.
ومع ذلك ورغم كل التجييش السعودي لحشد العرب ضد "ايران وحزب الله وقوى المقاومة في المنطقة" لم تتمكن الرياض من رفع مستوى التصعيد، ليأتي البيان الختامي الذي تحفّظ عليه كلّ من العراق ولبنان عسير الولادة، ما جعل السعودية تمتعض من الخطابات الباهتة لبعض الدول مقارنة مع خطاب السعودية والبحرين الناريين في الجلسة الافتتاحية، حتى موقف مصر جاء خجولا على عكس أماني السعودية.
البيان الختامي
إذا أردنا التدقيق في البيان الختامي للجلسة الطارئة لجامعة الدول العربية، نجد أنه كُتب بريشة سعودية تشابه إلى حد كبير الريشة التي كتبت نص "استقالة الحريري"، لأن ما جاء في البيان الختامي يتماهى إلى حد كبير مع التصريحات السعودية التي دأبت على إعلانها خلال المرحلة الماضية والتي كانت تهاجم من خلالها كل من "ايران ولبنان" وتسعى وبشكل واضح لزعزعة الاستقرار في البلد الأخير عن طريق إجبار رئيس حكومة لبنان، سعد الحريري على تقديم استقالته ومحاربة "حزب الله" واعتباره منظمة ارهابية كما جاء في البيان الختامي لجامعة الدول العربية.
ومن خلال البيان الختامي نستشف أن السعودية فصلت فقرات البيان على مقاس طموحاتها وسياساتها القادمة في المنطقة بما يتناسب مع رؤية محمد بن سلمان لإدارة البلاد التي على ما يبدو ستكون مكلفة جدا ولا نستبشر بها خيرا، لما تحتويه من عدوانية مفرطة تجاه بعض الدول العربية أكثر منها تجاه الجمهورية الاسلامية الايرانية، ومن هنا نجد ان السعودية تريد أن تقود العرب على مازجها الخاص ضاربة بعرض الحائط كل الاعراف الدبلوماسية وسيادة الدول وحريتها في تقرير مصيرها واختيار من تريد التعاون معه في علاقاتها الاستراتيجية.
الموقف العربي
السعودية تتبع مبدأ "إن لم تكن معي فانت عدوي" وهذا لمسناه وشاهدناه من خلال تعامل السعودية مع قطر واليمن وسوريا ومجددا لبنان وفي بعض الأحيان مع مصر، ولكن هذه السياسة لا يمكن لها أن تستمر لأن الموقف العربي بدأ يأخذ منحى جديد اتجاه العلاقة مع السعودية وبدأ عدد الدول العربية التي تقف في وجه السياسة السعودية يزداد يوما بعد يوم، بينما نجد قسما آخر يلتزم الصمت أو الحياد وقسم ثالث يوافق السعودية بكل قراراتها ويوقع لها على ورقة بيضاء.
هذه الدول التي تشارك السعودية قرارتها المجحفة بحق بعض الدول العربية والتي ساهمت بشكل أو بآخر بتأجيج الصراع في سوريا واليمن وليبيا والعراق لن يرحمها التاريخ ولن ترحمها شعوبها، لان الجامعة العربية بمثل هذه المواقف والقرارات، توفر مظلة وشرعية لتأجيج الفتن والصراعات الطائفية والمذهبية في المنطقة، والتي لن تخدم سوى أعداء الأمة.
تجنب ذكر "اسرائيل"
أدان البيان الختامي للجلسة الطارئة لجامعة الدول العربية، الأحد الماضي، تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة و"دعم الميليشيات المسلحة في اليمن ولبنان"، مطالبا إيران بالتوقف عن الأعمال العدائية.
كان لافتا جدا أن البيان الختامي للجلسة الطارئة لوزراء الخارجية العرب في القاهرة لم يأتي على ذكر "اسرائيل" بالمطلق ولا حتى ادانتها للجرائم التي يرتكبها الكيان الاسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وعوضا عن ذلك اتهمت "الجامعة السعودية" حزب الله بالارهابي، كيف يمكن لعاقل أن يقتنع بأن هذا البيان صاغته أيادي عربية تبرء القاتل وتدين من دافع عن أرضه وعرضه رافعا رأس العرب كاسرا شوكة من اتدعى أنه "لا يهزم".
تجنب ذكر اعتداءات "اسرائيل" واتهام "حزب الله" بالارهابي أغضب جميع فصائل المقاومة، حيث أدانت حركة الجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اتهام الحزب بالارهابي، ورأت حركة الجهاد "أن اتهام حزب الله بالإرهابي يخدم إسرائيل وعربوناً من أجل تطوير علاقات بعض الأنظمة العربية بالكيان الصهيوني. بدوره تحالف قوى المقاومة الفلسطينية يدين توصيف وزراء الخارجية العرب حزب الله بالإرهابي، ويرى أنه يخدم إسرائيل وأميركا ويرضي السعودية".
أما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فقالت " الهجوم على محور المقاومة قرار أميركي صهيوني بأدوات عربية" وأضافت " وصف حزب الله بـ"الإرهاب" هو قرار عدواني على الأمة العربية جمعاء"، وفي لبنان علق رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري على قرار الجامعة العربية بالقول: "شكراً وعذراً أننا في لبنان قاتلنا إسرائيل"، أما العراق فصرح عن طريق وزارة الخارجية تعليقا على البيان الختامي : " الوفد العراقي في جامعة الدول العربية تحفّظ على الفقرتين المتعلقتين بإيران وحزب الله"، وأضاف " اتهام إيران وحزب الله لا ينسجم مع موقف العراق الواضح والمنطلق من التعريف الواقعي للإرهاب".
الصاروخ الباليستي
حولت السعودية موضوع الصاروخ الباليستي الذي أطلقته المقاومة اليمنية على مطار الملك خالد شمال الرياض إلى شماعة، لتبرر من خلاله اعتداءاتها الحالية على لبنان وايران، متناسية أن هذا الصاروخ جاء ردا على آلاف الصواريخ وآلاف الاعتداءات على الشعب اليمني الذي تطبق على أنفاسه السعودية مغلقة جميع منافذ الحياة عليه ليشهد هذا البلد الفقير أسوء كارثة انسانية على وجه الأرض.
اليمن ليس البلد الوحيد الذي تتدخل السعودية في شؤونه الداخلية، كذلك هو الحال بالنسبة لقطر والعراق وقد اشتكت هذه الدول من تدخل السعودية في شؤونها الداخلية.
ختاماً؛ هذه السياسة التي تنتهجها الرياض تأتي بالتزامن مع زمن التطبيع السعودي مع اسرائيل، ولهذا نجد أن السعودية تعمل جاهدة لتغيير مفهوم الصراع العربي- الاسرائيلي وتحويله إلى عربي – ايراني وهذا الأمر صعب المنال بالنسبة للسعودية لأن هناك شعوب حية تدرك عدوها جيدا ولن ترضى بالإملاءات السعودية عليها، وما تفعله السعودية اليوم لن يزيد المقاومة سوى عزما واصرارا وايمانا بقضايا الامة ومستقبلها.