الوقت - ليس معهودًا في مسيرة المقاومة الظهور الإعلامي على الكاميرا للقادة الميدانيين. في العادة يتم إخفاء وجوه المقاومين الأحياء في مقاطع الفيديو والأفلام على أنواعها.
ومع أنّ حزب الله يقاتل في أهم معركة في تاريخه، حتى الساعة، في سوريا منذ سنوات؛ إلّا أن تعامله مع الكاميرا لم يختلف في هذا الإستحقاق عما ألفه الجمهور في معاركه طوال فترة الإحتلال الإسرائيلي جنوب لبنان او بعدها.
أدار حزب الله دوماً إعلامه الحربي بحرفية شهدت عليها مراراً مراكز الدراسات الإسرائيلية والغربية، لكنّ أسهم الإنتقاد في الأوساط الإعلامية والسياسية كانت تطال جوانب أخرى في مسيرته. هذا أمر طبيعي ومفهوم بالنسبة لجماعة اتسعت من إطار عسكري إلى أطر سياسية وإجتماعية وثقافية في ظروف غير طبيعية يحكمها دوماً الحذر، فضلاً عن أبعاد ثقافية تبرز عادةً على شكل رقابة ذاتية تمنع المقاومين من الإنسياق خلف "حبِّ الظهور" ليكونوا بدلًا من ذلك في موقعهم الطبيعي في قلب الحدث.
و مع أن فصولَ كتاب المقاومة تحفل بـأفكار و "خبطات" إعلامية تناوب على إبتكارها كل من القادة العسكريين منذ زمن سمير مطوط ولاحقاً عماد مغنية ومصطفى بدر الدين ورفاقهم انطلاقاً من العام ستة وثمانين عند أول عملية تصوير لإقتحام موقع "سُجُد" آنذاك، لكنّ هذه الأفكار ظلت على تماس وثيق بالميدان و لأجل خدمته.
وعلى الرغم من توافر الإمكانات والموارد البشرية والمادية لاحقاً لإطلاق أفكار ومشاريع إعلامية رائدة ونوعية، إلا أنه كان يؤخذ على إعلام محور المقاومة عموماً أنه دفاعي الطابع وليس استباقياً أو هجومياً.
ما حصل بظهور الحاج أبي مصطفى يتجاوز كل هذه الإشكالية "التاريخية" ويفتح الباب أمام صفحة جديدة، حتى وإن كان الهدف من ظهوره بالأصل سياسياً بإمتياز ويهدف لإيصال رسالة محددة تصيب أهدافاً عديدة.
سيتوقف المحللون كثيرا عند أهداف ودلالات تصريح أبي مصطفى، لكني سأسرد لكم ما حصل في قناة الميادين تحديداً لكونها "احتلت" بجدارة منازل ملايين الناس مساء السبت في التاسع من أيلول 2017.
كانت تحضيرات فريق نشرة الأخبار تسير بشكل طبيعي تلك الليلة تحضيراً للنشرة المسائية، وفي عناوينها مواضيع عديدة إقليمية ودولية.
قبل ساعتين من موعد النشرة المسائية، أبلغ رئيس مجلس إدارة القناة الأستاذ غسان بن جدو غرفة الأخبار أنّ هناك قراراً استثنائياً قد اتخذته المقاومة بإظهار قائدها الميداني في دير الزور على الهواء مباشرةً.
في العادة، تكون غرفة الأخبار في أي قناة فضائية بمثابة خليّة عمل متواصل وشاق، فما بالك بفضائية بحجم الميادين وكثافة الأخبار والمواضيع والأفكار التي تضطر لمعالجتها يومياً؟
على الفور، بدأ العمل على تغيير كامل النشرة المسائية، من الملف الرئيسي فيها إلى التقارير فأسماء الضيوف المقترحين.
أدار بن جدو العملية بشغفه المعهود، فأشار بدايةً إلى ضرورة تنويع الضيوف بين سوريا ولبنان والعراق وروسيا وفلسطين (كل فلسطين) بغرض تأمين أكبر شمولية في التغطية، ثم تلقفّ بحسّه الإعلامي السابقة غير المألوفة فأعطى توجيهاته لإبراز الحدث على أنه "أول ظهور لقيادي في المقاومة على الإعلام".
وظهر أبو مصطفى. الجد المقاوم. اختصر بأريحية تامة وكلمات سهلة كلّ الحدث، و شرح أبعاده بخطاب استراتيجي يختزل وعي 35 عاماً من المقاومة.
كان قلة من المعنيين بترتيب الظهور الإعلامي لأبي مصطفى، ومن بينهم بن جدو، يعلمون بأنّ من اتخذ القرار مباشرة هو السيد نصر الله.
فوجئ الجميع بعفوية القائد الميداني عندما سأله مراسل الميادين عن سبب ظهوره، لكن جواب أبي مصطفى بأن السيد هو من طلب ذلك ترك أثراً كبيراً في الأوساط السياسية والشعبية.
شهادةٌ أخرى تُضاف إلى سجلّ السيد نصر الله الذي يتابع الصغيرة والكبيرة، والذي فاجأ الحلفاء قبل الخصوم بقراره.
على مدى الأيام القليلة اللاحقة، تحصد وستحصد الميادين ثمرة نجاحها في تقديم الواقع كما هو: نصر نوعي لمحور المقاومة.
ما حصل ليل السبت في 9 أيلول 2017 قلب الصورة فتماهت المقاومة مع الكاميرا حتى بات يصعب التمييز بينهما، وقد اختار السيد نصر الله أن يكون أبا مصطفى المراسل الشاهد!
وبدءاً من ذلك التاريخ يحق لمذيع الميادين أن يُعلن قبل كل رسالة ميدانية ".. و ينضم إلينا من دير الزور موفدنا..أبو مصطفى !".
بقلم علي شهاب