الوقت- بعد تسلم رئيسة الوزراء الجديدة في بريطانيا "تيريزا ماي" مهام عملها رسمياً يوم الأربعاء الماضي خلفاً لـ "ديفيد كاميرون" بدأت التساؤلات تثار بشأن مواقفها وخصوصاً فيما يرتبط بالسياسة الخارجية، ومن بينها ما يتعلق بالحرب في أفغانستان.
وإكتسب هذا التساؤل أهمية خاصة بسبب تطابق مواقف "تيريزا ماي" في كثير من المواقف مع كل من المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" و "هيلاري كلينتون" مرشحة الحزب الديمقراطي لإنتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري.
في هذا المقال نسلط الضوء على مواقف كل من "تيريزا ماي" و "أنجيلا ميركل" و "هيلاري كلينتون" بشأن الحرب في أفغانستان التي بدأت منذ غزو أمريكا لهذا البلد عام 2001 ولا زالت تداعياتها السلبية مستمرة حتى الآن في مختلف المجالات الأمنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية.
تيريزا ماي
تعتبر "تيريزا ماري ماي" عضو حزب المحافظين البريطاني والتي تولت سابقاً منصب وزيرة الداخلية في بريطانيا للفترة ما بين (12 مايو 2010 إلى 13 يوليو 2016) وهي أطول فترة لمسؤول بريطاني في هذا المنصب ومن الموافقين على إنفصال بريطانيا عن الإتحاد الأوروبي من أبرز المدافعين عن الحرب في العراق وأفغانستان، وقد صرّحت بعد توليها رئاسة الحكومة البريطانية بأنها ستواصل سياسة سلفها "ديفيد كاميرون" في هذا المجال للمساعدة في تحسين الأوضاع هنالك، حسب تعبيرها.
أنجيلا ميركل
تعتبر المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" التي أختيرت لهذا المنصب في نوفمبر 2005 وتم إخيتارها بإعتبارها المرأة الأكثر نفوذاً في العالم لخمس سنوات متتالية (2011-2015) هي من المؤيدين أيضاً للحرب في أفغانستان وتربطها بأمريكا علاقات وثيقة في هذا المجال.
وقد زارت ميركل قوات بلادها في أفغانستان عدة مرّات في الأعوام 2007 و 2009 و2010 وأكدت بوضوح أن هذه القوات تخوض حرباً في هذا البلد، في وقت كان فيه السياسيون الألمان يشيرون إلى أن هذه القوات هي للمساعدة في بناء وإعادة إعمار أفغانستان فقط وليس للقتال.
ووافقت ميركل على إرسال قوات عسكرية إضافية إلى أفغانستان عام 2011 في إطار قوات حلف شمال الأطلسي" الناتو" التي تقودها أمريكا منذ غزوها لهذا البلد عام 2001.
كما وافقت ميركل على إبقاء قوات بلادها في أفغانستان إلى جانب القوات الأمريكية حتى نهاية عام 2017، ولكنها ترفض في الوقت نفسه إلزام نفسها بتاريخ إنسحاب محدد من هذا البلد وهو ما صرّحت به لصحيفة "ذي إندنبدنت" البريطانية قبل نحو عامين.
هيلاري كلينتون
تعتبر "هيلاري كلينتون" التي شغلت منصب وزير الخارجية الأمريكي بين عامي 2009 و2013 من المؤيدين أيضاً لسياسة بلادها فيما يتعلق بالحرب في أفغانستان والعراق ومن الداعمين بقوة لإرسال قوات إضافية لتعزيز وجودها في هذين البلدين. وعندما بدأت حرب العراق عام 2003 ذهبت كلينتون إلى هذا البلد ومن ثم إلى أفغانستان لزيارة الجنود الأمريكيين المتمركزين هناك.
وفي آذار/مارس 2009 فازت كلينتون على نائب الرئيس الأمريكي "جو بايدن" في مناقشة حول إرسال 21 ألف جندي إلى الحرب في أفغانستان، لكنها دعمت في الوقت ذاته خطة الرئيس "باراك أوباما" لوضع موعد نهائي للإنسحاب من هذا البلد.
وفي نفس العام دعمت كلينتون إقتراح قائد القوات الأمريكية السابق في أفغانستان "ستانلي ماكريستال" بإرسال 40 ألف عسكري أمريكي إضافي إلى هذا البلد. وكانت كلينتون من المؤيدين أيضاً لفكرة دعم تنظيم "القاعدة" وجماعات مسلحة أخرى في مواجهة قوات الإتحاد السوفياتي السابق في أفغانستان قبل مغادرتها لهذا البلد عام 1989.
وفي إحدى المقابلات مع شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية إعترفت كلينتون بأن واشنطن هي من أوجدت تنظيم "القاعدة" لمواجهة القوات الروسية في أفغانستان، لكنها عادت لتتهم هذا التنظيم بمهاجمة برجي التجارة العالمية في نيويورك في 11 أيلول/سبتمبر عام 2001.
وقالت كلينتون في هذه المقابلة "عندما غزى الإتحاد السوفيتي أفغانستان في عام 1979، سرّبت أمريكا أسلحة كثيرة إلى عدد من الحركات الأفغانية المسلحة ومن بينها تنظيم "القاعدة" لمواجهة القوات السوفيتية في إطار خطة إستراتيجية إنتهجتها واشنطن تجاه أفغانستان في ذلك الوقت".
كما إعترفت كلينتون أيضاً بأن الإدارة الأمريكية هي من أوجدت تنظيم "داعش" الإرهابي لتنفيذ خطط أمريكا في المنطقة في إطار مشروعها المسمى "الشرق الأوسط الجديد أو الكبير" الرامي إلى تمزيق دول المنطقة والإستحواذ على مقدراتها والتحكم بمصير شعوبها.
ولا زالت كلينتون تدعم خطّة الرئيس باراك أوباما بإبقاء نحو 5500 عسكري أمريكي في أفغانستان، وتعتبر في الوقت نفسه بأن على أمريكا العمل مع المسؤولين المحليين الأفغان وليس فقط مع الرئيس الأفغاني وحكومة كابول من أجل تحديد إطار للعلاقات المستقبلية بين البلدين.
وألمحت كلينتون عندما كانت وزيرة للخارجية الأمريكية إلى إستعداد واشنطن للدخول في مفاوضات تسوية مع حركة "طالبان" الأفغانية، وأشارت في حينها إلى أن هذا الأمر قد يستغرق نصف قرن!!
من خلال هذه المعطيات يبدو أن أمريكا لا زالت بحاجة ماسّة إلى وقوف ألمانيا وبريطانيا إلى جانبها في المسرح العالمي، لاسيّما في منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا، خصوصاً فيما يتعلق بالحرب في أفغانستان والعراق بعد أن أصبحت لندن مثقلة بتداعيات هذه الحروب المستمرة منذ نحو عقد ونصف العقد من الزمان على جميع الأصعدة العسكرية والسياسية والأمنية.
فألمانيا وهي أكبر دولة في الإتحاد الأوروبي تمثل الآن الإقتصاد الأكثر إنتاجية وكفاءة ونجاحاً في أوروبا، وتُعدّ واحدة من أقوى البلدان وأكثرها تأثيراً على العالم، وتلعب دوراً محورياً في حسم الكثير من القضايا ذات الأهمية الدولية، فيما يبدو أنّ بريطانيا ورغم قرارها الأخير بالإنفصال عن الإتحاد الأوروبي ستبقى تلعب ذات الدور السابق بالوقوف إلى جانب أمريكا في مختلف القضايا، ومن بينها ما يتعلق بأفغانستان والعراق على الرغم من صدور تقرير لجنة "شيلكوت" الخاص بالتحقيق في حرب العراق والذي خلص إلى أن قرار مشاركة بريطانيا في هذه الحرب لم يبن على أسس قانونية أو معلومات إستخبارية قوية. كما أشار التقرير إلى مبالغة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق "توني بلير" في الحجج التي ساقها لتبرير تلك المشاركة.