الوقت - يجمع المراقبون أن الاجتماع الثلاثي في مدينة طهران الذي ضم وزراء دفاع كل من سوريا وإيران وروسيا، يوم 9 يونيو/حزيران، هو بمثابة اعلان انطلاق مرحلة جديدة من التعاطي العسكري مع الأزمة السورية. وبالرغم من أن القرارات التي تصدر عادة عن هكذا اجتماعات تبقى في معظمها سرية نظراً لطبيعتها العسكرية، إلا أن التوقعات تشير إلى أن معركة حلب قد استولت على حيز مهم من المشاورات بين الأطراف الثلاثة، مما ينذر بأن حلب ستكون على موعد مع عمليات كبرى جديدة.
ما يعزز هذا الفرض هو التصريحات شديدة اللهجة التي أدلى بها الرئيس السوري بشار الأسد قبل عدة أيام، أمام مجلس الشعب السوري في بداية دورته التشريعية، والتي وصف فيها النظام التركي بـ "الفاشي" متوعداً الرئيس التركي رجب طيب أرودغان بأن "حلب ستكون المقبرة التي ستدفن فيها آمال هذا السفاح بإذن الله". وكذلك التصريحات التي أدلى بها قبل أيام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التي أكد فيها بأن موسكو لن تسمح بسقوط حلب الاستراتيجية والمنطقة المحيطة بها في أيدي الإرهابيين، معلنا بأن روسيا ستدعم الحكومة السورية بكل الوسائل وبالدعم الجوي المباشر لمنع سقوط حلب وضواحيها.
فالهدنة المعلنة برعاية أمريكية ــ روسية، قد أعطت الجماعات المسلحة الفرصة لإعادة هيكلة قواتها وإعادة التسلح بأسلحة نوعية استعملت لخرق الهدنة في حلب، الأمر الذي انعكس على الميدان لصالح الجماعات المسلحة خاصة في ريف حلب الجنوبي الذي أصبح مسرحاً لاستنزاف قوات الجيش السوري والقوات الحليفة. ففي الوقت الذي التزمت روسيا بالهدنة وتوقفت طائراتها عن قصف مواقع المعارضة المسلحة في إدلب وريف حلب الجنوبي، لم تلتزم أمريكا بتعهداتها بافراغ مناطق داعش و النصرة من وجود "المعارضة المعتدلة"، وعزل الجماعات الارهابية عن تلك المصنفة "معتدلة"، الأمر الذي استغلته الجماعات المسلحة المتمثلة بجيش الفتح الذي يضم إلى جانب جبهة النصرة حركة احرار الشام وست فصائل معارضة، وشنت هجوماً موسعاً من خلال غرفة عمليات مشتركة في ظل تواصل الدعم اللوجستي والعسكري من قبل السعودية وحلفائها عبر الحدود التركية، وتمكنت من السيطرة على عدة بلدات بدأً بالعيس وخان طومان وصولاً إلى معراته وحميرة خلال الأيام القليلة الماضية، الأمر الذي بدأ يشكل تهديد على أماكن النظام السوري غرب مدينة حلب.
ومن ناحية أخرى تريد دمشق وحلفائها أن تضع حداً للحالة الدفاعية التي عاشتها في الفترة الماضية التزاماً بالهدنة التي أصبحت ساقطة بالمفهوم العسكري بفعل هجمات المسلحين، واستعادة زمام المبادرة وعدم الوقوف موقف المتفرج في الوقت الذي تتحرك فيه قوات سوريا الديمقراطية بمساندة أمريكية باتجاه الرقة، وقرب سيطرتها على مدينة منبج في ريف حلب الشرقي، وهذا ما يفسر توجه الجيش السوري نحو الرقة وتقدمه ضمن مناطق الرقة الإدارية.
من جهته حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الأردني ناصر جودة من التباطْؤ في استهداف الارهابيين بذريعة إعطاء مزيد من الوقت للمعارضة المسلّحة للتنصل من مواقع تنظيمي داعش والنصرة الارهابيين وأعلن بأنه على الجماعات التي لم تنضم إلى نظام الهدنة أو تلك التي تخرقها رغم انضمامها إليها، أن "تتحمل كامل المسؤولية عن قرارها"، في إشارة واضحة عن نية روسيا تغيير سياستها فيما يخص الميدان السوري خلال الأيام القادمة.
فروسيا التي شعرت بأن أمريكا قد استغلت الهدنة لفرض معادلتها على الميدان، وأنها لم تمارس الضغوط الكافية على حلفائها من أجل دفع عملية التفاوض ومباحثات جنيف، تريد أن تثبت من جديد للجانب الأمريكي قوتها وتأثيرها على الميدان السوري من خلال التدخل الفاعل في معركة حلب القادمة، بهدف الضغط على الدول الداعمة للجماعات المسلحة للعودة الى طاولة المفاوضات وتقديم تنازلات تحت ضغط النار، ومن المتوقع أن تصبح الحدود مع تركيا مسرحاً للتحركات العسكرية للطائرات الروسية لوقف قوافل السلاح والإمداد للمسلحين ومنع الجماعات المسلحة من استعادة قوتها، ووقف تقدمها على كافة المحاور، إضافة إلى إجبارها على الانكفاء، خاصة في حلب وريفها الجنوبي.
يبدو أن وزراء دفاع سوريا وإيران وروسيا خلال لقائهم التشاوري قد استكملوا تنسيقاتهم حول معركة حلب الكبرى، وأننا سنشهد خلال الأيام القليلة القادمة تحولاً كبيراً في الميدان السوري.