الوقت - لا يزال ميناء كاليه مسألةً عجزت السلطات في باريس عن حلها، هذا الميناء الواقع شمال فرنسا في إقليم باد كاليه يعتبر مكان تجمع المهاجرين غير الشرعيين الذين يبحثون عن منفذ يصل بهم إلى بريطانيا، مسألة المهاجرين الذين يقصدون الميناء الفرنسي لقربه من بريطانيا ليست حديثة العهد إذ يقصد المهاجرون من إفريقيا والشرق الأوسط هذا الميناء منذ سنوات طويلة.
السلطات الفرنسية أعلنت مؤخرًا أن 200 مهاجر تمكنوا يوم السبت الفائت من الدخول إلى ميناء كاليه وذلك بعد انتهاء مظاهرة لدعم المهاجرين المقيمين في منطقة قريبة، وقال نائب حاكم منطقة كاليه، دينيس جودين، إن قرابة ألفي شخص تظاهروا دعمًا للمهاجرين، وبعد انتهاء المظاهرة تمكن قرابة 200 شخصًا منهم من اقتحام الميناء، وصعد 50 منهم إلى العبارة البريطانية (سبيريت أوف بريتين) التي كانت هناك والتابعة لشركة (O&P)، والتي تعمل بين طرفي النفق البريطاني، وأوضح جودين أن بعضًا منهم غادر العبارة طواعية، في حين تكفلت الشرطة الفرنسية بالباقي، واستطاعت إخراجهم، وتسببت هذه الحادثة بإغلاق ميناء كاليه مؤقتًا والذي يعد الأكبر لنقل الركاب حسبما أكدت المتحدثة باسم شركة العبارة البريطانية.
ويذكر أن العام الفائت شهد هروب آلاف المهاجرين من إفريقيا ودول الشرق أوسط من الفقر والموت وتجمعوا في منطقة مترامية الأطراف قرب كاليه يطلق عليها اسم "الغابة" والتي باتت تعتبر نقطة استراحة مؤقتة ينزل بها المهاجرون منتظرين طريقةً يستطيعون بها العبور إلى بريطانيا أملا بنيل حياةٍ أفضل. ويعمل الكثير من مهربي البشر على إدخال هؤلاء المهاجرين إلى بريطانيا عبر الشاحنات والسيارات الخاصة، ويدفع المهاجرون أموالا كثيرة مقابل تمريرهم إلى بريطانيا التي ترفض استقبالهم وتحاول منعهم من الوصول إليها بشتى الوسائل المتاحة.
الأوضاع التي يعيشها المهاجرون في كاليه مثيرة للقلق، فهم يعانون من قلة الموارد وانعدام الخدمات، فلا مأوىً يحميهم من برودة الشتاء ولا خدماتٍ صحية تقدم، رغم تأكيد الحكومة الفرنسية على عملها لتحسين أوضاع المهاجرين، وفي العام الماضي سجلت منظمات الصحة الفرنسية تفشي العديد من الأمراض بين المهاجرين وحذرت آنذاك من تفشي الأوبئة بينهم وذلك بسبب غياب المرافق الصحية، ما دفع السلطات الفرنسية إلى إخلاء المنطقة من المهاجرين بشكل مؤقت، ورغم افتتاح مركز نهاري للرعاية العام الفائت، إلا أن المنظمات الإنسانية تشدد على أن الطاقة الاستيعابية لهذا المركز لا تتجاوز الـ1500 شخص كحدٍ أقصى، في حين أن عدد المهاجرين في العام الحالي يزيد عن 5000 شخص.
وفي أواخر العام الماضي أعربت ميليسا فيلمينغ المتحدثة باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن "الأعداد المتزايدة للوفيات بين اللاجئين والمهاجرين الذين يحاولون عبور النفق البريطاني هو تطور مثير للقلق"، وشددت المفوضية على ضرورة حماية وتحسين ظروف اللاجئين الذين فروا من أعمال العنف الدائرة في الشرق الأوسط وإفريقيا، ودعت المفوضية السلطات الفرنسية إلى نقل المهاجرين من المستوطنات غير الرسمية التي يقطنونها إلى مراكز إيواء مجهزة كتلك التي في منطقة نور-با-دي-كاليه وغيرها من المواقع، وأكدت المفوضية أن "النساء والأطفال الذين يمثلون الآن مجموعة كبيرة في كاليه معرضون بشكل خاص للاستغلال والاتجار ويتطلبون اهتمامًا خاصًا"، داعيةً بريطانيا إلى العمل إلى جانب السلطات الفرنسية لإنهاء أزمة المهاجرين.
ورغم الوضع المأساوي الذي يعيشه المهاجرون، تصر بريطانيا على عدم السماح لهم بالدخول إلى أراضيها، ومن جهة ثانية فإن فرنسا تحاول الضغط على المهاجرين المتواجدين في أراضيها من خلال عدم رعايتهم وحرمانهم من الخدمات وفرض ظروف معيشية قاسية عليهم، ففرنسا لا ترغب في بقاء المهاجرين في أراضيها وتسعى لترسيخ قناعتهم بضرورة السفر إلى بريطانيا، وبين الضغط الفرنسي والرفض البريطاني يعيش الفارون من الموت حياة الأموات وكل ما اختلف أنها في كاليه!