الوقت- بعد مرور حوالی خمسة أعوام للسياسات الامريكية في اضعاف الدولة السورية، بدءت الدول الأوروبية تدفع شیء من ثمن مشاركتها في زعزعة الأمن والاستقرار في سوريا، وذلك من خلال مواجهتها الاعداد الهائلة من المهاجرين السوريين الذين فروا من بلادهم بسبب المجازر التي ترتكبها المجموعات الإرهابية هناك. الكثير من الدول ومن عدادها إيران حذرت الدول الاوروبية من تداعيات دعمها للإرهاب في سوريا، لكن لم تكن هنالك آذان لتصغي لهذه التحذيرات، حتی بات الإرهاب يضرب في عقر البلاد الأوروبية، وبات یطرق عشرات الآلاف من المهاجرين السوريين أبواب الدول الأوروبية. إذن علی مايبدوا فان الدول الاوروبية باتت تدرك أنها الیوم تواجه أزمة المهاجرين السوريين، فما هو الحل الجذري لهذه الأزمة وكيف يمكن إعادة الهدوء الی سوريا لوقف تدفق المهاجرين باتجاه الدول الأوروبية، وکيف تعاملت أوروبا مع هؤلاء المهاجرين؟.
لا شك أنه في حال استمر دعم الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح من قبل الدول الداعمة لهذه المجموعات وهي معروفة للجميع وتاتي في مقدمتها قطر وتركيا والسعودية، فان الإرهاب سيعبث فسادا في سوريا كما هي الحال علیه الآن منذ ما يقارب خمسة أعوام. لذا الخطوة الأولی التي يجب القيام بها لانقاذ الدول الأوروبية من تداعيات الأزمة السورية، هي العمل علی تجفيف جذور الإرهاب في سوريا وذلك من خلال وقف الدعم المالي واللوجستي الذي تتلقاه حالیا الجماعات الإرهابية في سوريا.
وبالاضافة الی ذلك لابعد من العمل علی تعزيز قدرات الحكومة السورية الشرعية، ليكون بوسعها محاربة الإرهاب وإعادة الأمن والإستقرار الی البلاد التي مزقتها الحرب، حتی يشعر المواطن السوري بالأمن والأمان في بلاده، عند ذلك سوف يقتنع هذا المواطن بالبقاء في سوريا وعدم تعريض نفسه للمخاطر من خلال اتخاذ قرار الهجرة الی أوروبا الحفوفة بالمخاطر. حيث فقد ما يزيد علی ثلاثة آلاف مهاجر حياته بسبب الغرق في المتوسط، بسبب غرق قوارب الموت التي ركبوها بقصد نقلهم لدول كان من المفترض أن تمنحهم الحیاة وحق اللجوء بسبب المعاناة التي يلاقونها في بلادهم.
وإذا ما ارادت الدول الأوروبية الوصول لحل للأزمة السورية فعلیها العمل علی اقناع المعارضة السورية المعتدلة (ولا نقصد الجماعات الإرهابية مثل جبهة النصرة وغيرها) علی الجلوس مع الحكومة السورية، لإنهاء الأزمة في البلاد عبر الحلول السياسية، لا أن تكون الدول الأوروبية وأمريكا، عنصراً في افشال المفاوضات السياسية كما جری ذلك خلال إجتماعات جنيف، من خلال الإلحاح علی قضايا لا يمكن القبول بها من قبل سوريا وحلفائها مثل تنحية الرئيس السوري المنتخب، بشار الأسد عن السلطة.
وفي ما تزال الدول الأوربية تمتنع عن دعم اللاجئين السوريين والعراقيين، فان أعداد الضحايا ترتفع بين هؤلاء المهاجرين الذين تقطّعت بهم السبل بعد أن رفضت هذه الدول استضافتهم ولو حتی كان ذلك، لحين من الزمن. حيث أعلنت قبل أيام الشرطة النمساوية عثورها علی جثث ما يقارب خمسين لاجئا سوريا، فارقوا الحياة داخل أحد الشاحنات شرقي البلاد، وفق ما اعلنت الشرطة النمساوية؛ حيث اعتبرت وزيرة الداخلية النمساوية الحادث بالیوم الأسود، مؤكدة ان المتاجرون بالبشر "هم مجرمون". وفي هذه الأثناء ذكرت الشرطة المجرية أن حوالي ثلاثة آلاف لاجیء يدخل أراضيها يوميا من بينهم 700 طفل.
وللاسف فان الدول الأوروبية بدل أن تفكر بمعالجة أزمة المهاجرين السوريين، فانها أصبحت تضع المزيد من القيود والعراقيل، من بينها إغلاق الحدود أمام هؤلاء البشر الذين شردهم الإرهاب من بلادهم. حيث أعلنت أمس المجر أنها أغلقت الممر الرئيسي علی حدودها مع صربيا ألتي كان يستقلها المهاجرون للدخول الی المجر، فضلا عن اعتقالها أكثر من 7000 لاجیء خلال يوم واحد. وبالاضافة الی المجر، اعلنت كل من النمسا وسلوفاكيا وفنلندا وجمهورية التشك، أنها رفعت نسبة مراقبة حدودها لمنع تدفق اللاجئين.
الدول الأوربية التي كثيرا ما تدعی دعمها لحقوق الإنسان، والحريات العامة، أصبحت هذه الايام ترسم انطباع فاشل لدی الرأي العام من خلال معاملتها السيئة وغير اللائقة تجاه اللاجئين السوريين. حيث أن هؤلاء اللاجئين الذين وصلوا الی أوروبا، بعد أن نجوا بشكل يشبه المعجزة من أمواج البحار، هم الیوم بحاجة الی الدواء والمأوی والطعام والمعاملة الحسنة، خاصة أن الاطفال والنساء يشكل الآلاف من هؤلاء المهاجرين، لا أن يتم معاملتهم بالركل كما رأينا من قبل مراسلة تلفزيون "ان1 تي في" المجرية بترا لاسزو، وهي تركل المهاجرين، بمن فيهم اطفال. هذه المعاملة السيئة مع اللاجئين السوريين والعراقيين من قبل الدول ألاوروبية، تدل علی أن هذه الدول لا تعير اهتماما للقيم الإنسانية، وتبقی دعايتها في هذا السياق محض افتراء، لا وجود لها علی أرض الواقع.
وأخيرا يجب أن لا ننسی أن تلك الدول الأوروبية التي وافقت علی منح أعداد قليلة من اللاجئين حق اللجوء، لم تقوم بهذه الخطوة ايماناً بها بالقيم الإنسانية وتكريما للشأن الإنساني، بل كان ذلك للإستفادة من هؤلاء المهاجرين، لتوفير الید العاملة الرخيصة التي تحتاجها أوروبا، من أجل تعزيز قدراتها الإقتصادية بأقل الأجور، عبر منح هؤلاء المهاجرين شيء من الأمان ولقمة عيش لا تسمن ولا تغني من جوع. إذن نعود مرة اخری لنذكر أن اللاجئين السوريين لديهم بلاد لتأويهم وليسوا بحاجة الی شوارع أوروبا ليفترشوها للنوم، وستنتهي معاناتهم في حال أنهت الدول الأوروبية مثل فرنسا وبريطانيا دعمها للجماعات الإرهابية التي شردت السوريين من بلادهم. إذن اوقفوا دعم الإرهاب في سوريا وساعدوها علی حل أزمتها سياسياً، ليتوقف تدفق المهاجرين الی أوروبا.