الوقت- تتجه الأنظار بوضوح إلى زيارة الرئيس الصيني "شي جين بينغ" للمنطقة والتي ستشمل ايران ومصر والسعودية، تأتي هذه الزيارة بعد الإعلان عن بدء تنفيذ بنود الإتفاق بين ايران والسداسية الدولية، كما وتأتي في اعقاب التطورات التي تشهدها المنطقة من انخفاض اسعار النفط إلى العدوان السعودي على اليمن والتدخل في الشأن السوري والعراقي وما أفرزه هذا التدخل كلها مجريات ترفع من أهمية الزيارة الصينية للمنطقة خاصة وأن للصين علاقات ومصالح اقتصادية كبيرة، وتشكل الدول الثلاث منطلق اساسي للصين، فمصر بوابة أفريقيا وايران مركز ثقل اقليمي ودولي على كافة الصعد وللبلدين علاقات مميزة سياسياً واقتصادياً، وتربط بين السعودية والصين علاقات اقتصادية مميزة. الزيارة التي استهلتها الصين للسعودية تطرح الكثير من الأسئلة التي تصب في خانة الأهداف التي تقف خلف هذه الزيارة.
أولاً: للصين علاقات اقتصادية قوية مع السعودية، فمنابع الطاقة بالنسبة لها تشكل محوراً أساسياً، على الجانب الآخر فإن الزيارة هذه للمنطقة تأتي بالدرجة الأولى بعد سريان مفعول الإتفاق الإيراني والسداسية الدولية، وحاجة الصين لتعزيز العلاقات الإقتصادية بينها وايران، وتفعيل برنامجها الإقتصادي في المنطقة والذي تشكل فيه ايران الدور الفاعل والمؤثر، والإستثمار في ايران وانفتاح شركاتها في هذا الإطار، ولعب دور فاعل في اعادة تصميم محطة آراك النووية، لكن مع الأخذ بعين الإعتبار العدوان السعودي على اليمن والذي وقفت فيه الصين موقف الغير مشجع من جهة وإعدام "الشيخ النمر" والتحرك السعودي الأخير اتجاه ايران كلها عوامل وضعت الصين موضع المحرج في زيارة ايران من دون أن تشمل الزيارة السعودية أيضاً.
ثانياً: تنظر الصين للمنطقة على أنها احد العوامل الحاسمة بالنسبة لها لتحقيق إنتعاشها الإقتصادي خاصة في ظل البيانات الإقتصادية الصينية الأخيرة التي تؤشر إلى تراجع واضح في اقتصادها الذي يعد ثاني اكبر اقتصاد عالمي، والتخوف من دخول الإقتصاد العالمي في أزمة جديدة، هذا التراجع ينظر إليه على أنه نتاج سياسة أمريكا في المنطقة والتي تمحورت على مخطط اشعالها وشرزمتها وهو ما أصبح يهدد الإقتصاد الصيني وأفقد الثقة الصينية بإدارة أمريكا لمجريات الشرق الأوسط، من جهة أخرى فإن الصين ترى في السياسة التي تتبعها السعودية حيال العديد من الملفات سواء في سوريا والعراق واليمن أو اتجاه العلاقات مع ايران وما خلفته وأفرزته هذه السياسة من مشكلات هددت استقرار المنطقة وبالتالي أرخت بثقلها على الواقع الإقتصادي الذي لا شك أن له تأثير كبير على الإقتصاد الصيني، وعليه ترى بكين أن الآوان قد آن للتحرك السياسي بما يخدم الحفاظ على واقعها ومصالحها الإقتصادية.
ثالثاً: تستشعر الصين كما روسيا تغييراً واضحاً في الأولويات الأمريكية حيال منطقة الشرق الأوسط والإتجاه نحو شرق أسيا والقارة الأفريقية، ولهذا ترى الصين أن لا مانع للدخول إلى المنطقة من بوابتها السياسية واللعب دوراً فاعلاً بالقدر الذي لا تدخل فيه بصدام مع أحد من الدول، وعليه فإن هذه الزيارة تعكس سياسة صينية لمحاولة إعادة تريتيب سياستها في الشرق الأوسط، خاصة وأن السياسة الأمريكية ظلت لعقود قائمة على الحيادية طالما أن الإدارة الأمريكية هي المؤثر الفاعل من دون أن تشعر الصين بأنها بحاجة لبذل جهود.
رابعاً: هبوط اسعار النفط وتباطؤ الإقتصاد العالمي، وترى الصين أن السعودية ومن خلفها أمريكا هي من يقف وراء مخطط خفض سعر النفط، ولهذا ترى الصين أن هناك ضرورة ملحة للتحرك في إطار التأثير والمعالجة، خاصة وأن الصين تحتاج للنفط لدعم التنمية الإقتصادية، كما أن للصين حاجة لتعزيز علاقتها مع السعودية لفتح أسواقها لمنتجاتها، فالسعودية تعتبر أكبر شريك تجاري للصين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
الأيام القادمة ستشهد مزيداً من التحليلات حول ما إذا كانت الصين ستخرج عن صمتها وتتحرك نحو فعالية أكبر وبالتالي التخلي عن حذرها السياسي الشديد، لكن ما هو واضح أن السياسة الصينية ورؤيتها لمنطقة الشرق الأوسط لا تتماشى مع السياسة الأمريكية وحلفاءها في المنطقة فهي وقفت إلى جانب الحكومة السورية ورئيسها "بشارالأسد" وخالفت أعمال العنف والإرهاب التي مورست على الدولة السورية، وهي مخالفة أيضاً لما يجري في العراق والسياسات الداعمة للإرهاب فيه، وهي وقفت موقف متباعداً عن العدوان على اليمن، فهي في الإطار السياسي العام بنت رؤيتها على احترام سيادة الدول.