الوقت- منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، تغيّرت موازين القوى بشكل متسارع، وأصبحت السعودية – التي بدأت الصراع بخطة هجومية واسعة – تتبنى سياسة دفاعية مترددة، تحت ضغط الخسائر العسكرية وتكاليف الحرب وتبدّل المواقف الإقليمية والدولية، في المقابل، فشل المحور الأمريكي الذي قاد التحالف الدولي ضد أنصار الله في تحقيق أهدافه الاستراتيجية، ما ساهم في بروز الحركة كقوة إقليمية وازنة تهدد التوازنات في البحر الأحمر والخليج الفارسي، هذا التحوّل يعكس فشلًا أوسع في إدارة الأزمة اليمنية، ويكشف عن حاجة مُلحّة لإعادة تقييم شاملة لسياسات الرياض وواشنطن على حد سواء.
تحوّل سعودي وتراجع أمريكي
وفقًا لتقرير معهد "أمريكان إنتربرايز" الأمريكي (25 يوليو 2025) والذي نشر عبر قناة "راوي عربستان" على تلغرام، كانت السعودية منذ بداية الأزمة اليمنية الحليف الرئيس لواشنطن في مواجهة أنصار الله، غير أن سنوات من العمليات العسكرية المكثفة لم تحقق أي نصر حاسم، بل أدت إلى استنزاف قدرات المملكة، وإلى تحوّلها تدريجيًا نحو سياسة دفاعية تركز على حماية الحدود الجنوبية والبنية التحتية الحيوية.
من أبرز مظاهر هذا التحول، تكثيف الرياض لمنظومات الدفاع الجوي لاعتراض هجمات أنصار الله التي استهدفت مطارات ومنشآت نفطية حساسة، مثل هجمات "أرامكو" المتكررة التي أدت إلى تعطّل الإنتاج مؤقتًا وأثرت على الأسواق العالمية.
أما على الصعيد الأمريكي، فقد فشلت واشنطن في تحقيق أهدافها، رغم استمرارها في تقديم الدعم العسكري والاستخباراتي للتحالف، صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلت عن مسؤولين أمريكيين (27 يوليو 2025) أن "واشنطن تجد صعوبة في كبح قدرات أنصار الله البحرية"، وخصوصًا بعد سلسلة الهجمات التي نفذتها الحركة ضد سفن الشحن المرتبطة بـ"إسرائيل" في البحر الأحمر.
قناة "الجزيرة" أشارت في 28 يوليو 2025 إلى أن المتحدث العسكري باسم أنصار الله أكد أن عملياتهم في البحر الأحمر تأتي "ردًا على العدوان المستمر على اليمن ودعمًا للشعب الفلسطيني"، ما جعل المواجهة ذات بُعد إقليمي يتجاوز اليمن ليشمل الصراع العربي – الإسرائيلي.
تناقضات التحالف وصعود أنصار الله
إن التحوّل في الموقف السعودي يعكس واقعًا استراتيجيًا جديدًا، فبعد أكثر من ثماني سنوات من التدخل العسكري، بات واضحًا أن النهج الهجومي أثبت فشله، فالمملكة، رغم امتلاكها قدرات مالية وعسكرية ضخمة، لم تستطع إضعاف أنصار الله، بل على العكس، عززت الحركة نفوذها السياسي والعسكري وأصبحت لاعبًا رئيسيًا في المعادلة الإقليمية.
إضافةً إلى ذلك، فإن التنافس بين السعودية والإمارات في الساحة اليمنية ساهم في تفتيت الجبهة المناهضة لأنصار الله، فبينما ركزت أبوظبي على دعم المجلس الانتقالي الجنوبي، احتفظت الرياض بعلاقات مع قوى تابعة لحزب الإصلاح (الإخوان المسلمين)، ما أضعف وحدة التحالف وأفقده القدرة على إدارة معركة منسقة، هذا الانقسام أتاح لإيران توسيع دعمها السياسي والعسكري لأنصار الله، ما أضاف بُعدًا إقليميًا يزيد من تعقيد الصراع.
أما بالنسبة لواشنطن، فإن سياسة "الضغط دون حسم" جعلت تأثيرها يتضاءل تدريجيًا، فمع تراجع أولويات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتركيزها على ملفات مثل التنافس مع الصين وروسيا، لم يعد اليمن ملفًا استراتيجيًا عاجلًا، وهو ما سمح لأنصار الله بفرض قواعد جديدة للاشتباك في البحر الأحمر والحدود السعودية.
اخفاق التحالف الأمريكي – السعودي
إن نتائج السنوات الماضية تُظهر بوضوح أن التحالف الأمريكي – السعودي أخفق في تحقيق أهدافه الأساسية، بل إن السياسة الدفاعية الجديدة للرياض ما هي إلا انعكاس لحقيقة ميدانية مفادها بأن أنصار الله باتوا قوة لا يمكن تجاوزها في أي ترتيبات أمنية أو سياسية تخص اليمن والمنطقة.
بالنسبة للمملكة، فإن الاستمرار في نهج "الدفاع السلبي" دون مبادرات سياسية جادة لن يؤدي إلا إلى استمرار الاستنزاف، فيما سيبقى البحر الأحمر مسرحًا لعمليات متصاعدة تهدد أمن الطاقة والملاحة الدولية، أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن تجاهلها لإعادة النظر في أدواتها السياسية والدبلوماسية سيترك فراغًا تستفيد منه قوى منافسة مثل إيران والصين، اللتين تقدمان نفسيهما كبدائل أكثر مرونة في التعامل مع أزمات المنطقة.
إن الأزمة اليمنية اليوم ليست مجرد نزاع محلي، بل هي انعكاس لفشل السياسات التقليدية في مواجهة صراعات معقدة ذات أبعاد إقليمية ودولية متشابكة، لذلك، فإن أي حل مستقبلي يجب أن يتضمن مسارًا سياسيًا شاملاً يشارك فيه جميع الفاعلين المحليين والإقليميين، مع الاعتراف بقوة أنصار الله ودورهم في أي ترتيبات قادمة.