الوقت -علی الرغم من وجود خلافات إیدولوجیة وسیاسیة بین أفغانستان ودول آسیا الوسطی الخمس، إلا أن المشارکة العملیة لکابل في عملیات إدارة المیاه تشکل شرطا ضروریا للإدارة المستدامة لحوض المنطقة بالکامل.
لدی سکان آسیا الوسطی مثل یقول: " لا تسأل کم ارضک بل اسأل کم لدیك ثروة مائیة"
یوضح هذا المثل مدی أهمیة المیاه لکونها أثمن مادة أو سلعة لدی هذه الشعوب والمیاه ولا تقتصر اهمیتها علی شعب دون شعب وإنما تتعدی إلی کل شعوب العالم ولذلک نری أن اکثر الحروب التأریخیة القدیمة منشأها وأساسها هو المیاه ولحد الآن.
لا شك أن للمیاه أهمیة کبیرة وخاصة ومهمة جدا وضروریة في الوقت نفسه لذلک نری أن التاریخ الحضاري لآسیا الوسطی یرتبط ارتباطا وثیقا بتأثیر تغیر المناخ، حیث إن التغییر في اتجاه جریان میاه الأنهار الکبیرة هو السبب الرئیسي للزلازل وایضا یعتبره علماء الأرض عاملا رئیسیا للتغیرات الدیموغرافیة.
وللمیاه تأثیر اقتصادي کبیر جدا علی موارد الدول الاقتصادیة وهناك دراسات تشیر إلی أنه إذا ما فشلت بعض البلدان في حل ومعالجة مشکلة المیاه في اراضیها فقد یکون هناک انخفاض کبیر في الناتج المحلي الإجمالي في حدود سبع إلی اثني عشر بالمئة.
ولذلک فإن استمرار هذه العملیة سیکون کارثیا، وقد خلق بالفعل توترات سیاسیة وجیوسیاسیة بین دول المنبع ودول المنطقة.
ومن حیث توزیع المواد الطبیعیة، تنقسم بلدان المنطقة إلی مجموعتین: بلدان المنبع وهي فقیرة بالنسبة إلی الطاقة الاقتصادیة و غيرها ولکنها غنیة بمواردها المائیة مثل " قیرغیزستان وطاجکستان" والمجموعة الثانیة : هي بلدان المصب وهي "غنیة بالطاقة ولکن المیاه فیها شحیحة" کـ " کازاخستان وترکمانستان وأوزیبکستان".
وعلی هذا فالمجموعة الأولی تحتاج إلی المیاه بشکل عاجل لتوفیر الطاقة، وتحتاج دول المصب إلی المیاه لأغراض الزراعة، ونتیجة لهذا فإن الموارد الطبیعیة لم تظهر کأداة لتسهیل التعاون الإقلیمي بل کمصدر للصراع المستمر.
ویشکل النزاع حول مشروع روجون للطاقة الکهرومائیة في طاجکستان المحرومة من الطاقة وأوزبکستان المحرومة من المیاه تصبح المیاه مصدرا للصراع، ما یشکل تهدیدا کبیرا بالنسبة لاستقرار المنطقة.
وترغب دول المنبع وعلی وجه التحدید قیرغیرستان وطاجکستان، باعتبارهما منطقتین جبلیتین تنبع منهما الأنهار الرئیسیة في المنطقة- في بناء محطات ضخمة لتولید الطاقة الکهرومائیة ویتطلب ذلك بناء السدود العالیة والخزانات الکبیرة.
بالإضافة إلی ذلک یرید السیاسیون والخبراء في هذه البلدان اعتبار میاه الأنهار العابرة للحدود سلعة کباقي السلع التجاریة، وهذا یتطلب فرض تکالیف علی استهلاک المیاه من قبل دول المصب، وهي أوربکستان وترکمانستان وکازاخستان والتي تملک في المقابل مواد طبیعیة أخری مثل النفط والغاز والیورانیوم.
وقد أدی هذا المأزق إلی عقود ونزاعات ومفاوضات غیر المثمرة في کثیر من الأحیان ومع ذلک وفي الأشهر الأخیرة وبرغبة من دولة أفغانستان في بناء سد علی مورد مائي آخر لدول آسیا الوسطی نشأ تحد جدید بین دول هذه المناطق.
مشروع قناة غوش تیبي -زج حرکة طالبان في صراعات المیاه في المنطقة -
في سنة 2022 بدأت الحکومة التي تسیطر علیها حرکة طالبان في بناء مشروع ري مهم یسمی " قناة غوش تیبي" ویبلغ طول هذه القناة مئتين وخمسة وثمانين کم وتمتد من بلخ إلی ولایة فاریاب، وخلال رحلة وفد من طالبان إلی باکستان في أبریل/ نیسان من العام الجاري، تم الاتفاق علی تنفیذ هذا المشروع من قبل شرکات باکستانیة، ومن المتوقع الانتهاء من العمل فیه عام 2028.
وبعد اکتمال هذا المشروع سیکون لدی "غوش تیبی" القدرة علی تحویل مئة من میاه أموداریا البالغة عشرين ملیار متر مکعب سنویا، ومن شأن هذا التطور أن یزید التوتر بین کابل ودول آسیا الوسطی وخاصة (أوزبکستان وترکمانستان).
ومن خلال تکریس أکثر من أربعة الآف عامل وضخ رأس المال للمشروع فمن الواضح أن طالبان مهتمة بإکمال القناة في أسرع وقت ممکن، بغض النظر عن العواقب التي تتحملها دول المصب.
وإن تحویل المیاه من نهر أموداریا یهدد بشکل خطیر استقرار أوزبکستان والتي تعد أهم مصدر للتجارة الخارجیة لهذا البلد.
إن جفاف بحر الآرال قد تسبب في أضرار جسیمة للبلاد، حیث أدی هذا الوضع إلی زیادة معدل وفیات الرضع وانخفاض المستوی الصحي والاقتصادي للبلد، وقد أصبحت المناطق في أوزبکستان وعرة وخالیة من السکان نتیجة ندرة المیاه فیها.
ومن الواضح أن " طشقند" غیر قادة علی استیعاب وتحمل هذه الکارثة البیئیة الخطیرة.
ولا تختلف مخاوف ترکمانستان عن مخاوف جارتها الشمالیة ولا یمکن لـ"عشق آباد" باعتبارها دولة تحصل علی غالبیة عظمی من الموارد المائیة من أموداریا أن تتجاهل تهدید "غوش تیبي" عندما یتعلق الأمر بتخفیض مستوی مدخلات المیاه.
في العام الماضي فقط واستجابة لنقص المیاه الناجم عن حرارة الصیف المفرطة في العاصمة تم قطع میاه الصنبور في العاصمة بشکل منتظم، وکما یبدو أن هذه الحالات هي حالات طارئة ومؤقتة وتظهر التقاریر التي نشرتها الحکومة هذا العام أن قناة "قراقوم" هي المصدر الرئیسي للمیاه في ترکمانستان، هي الأخری تواجه نقصا حادا في المیاه وعلی هذا فإن ترکمانستان تواجه ایضا تهدیدا کبیرا، ولا سیما بعد ما لوحظ نقصان مناسیب المیاه في قناة "غوش تیبي".
أما الحلول المعروضة لهذه المشکلة بل الکارثة فهي إما أن تکون حلولا مکلفة جدا من الناحیة الاقتصادیة وتترتب علیها عواقب بیئیة خطیرة أو أنها تستغرق وقتا طویلا کما هو الحال في محطة او مضخة تحلیة المیاه في قزوین والتي تتطلب بالإضافة إلی تأثیرها البيئي خبرات أجنبیة وبنیة تحتیة جدیدة وتأخذ وقتا من الزمن ربما یستغرق إکمالها أکثر من خمس سنوات علی الأقل.
ولهذا فالعمل علی إبرام اتفاقیات مشترکة وشاملة اصبح افضل وسیلة لتفادي الکارثة البیئیة – المائیة علی الرغم من وجود اتفاقیات قدیمة بین هذه الدول حول هذه القضیة کاتفاقیة الاتحاد السوفیتي وأفغانستان بخصوص نهر "أموداریا" وبین الاتحاد السوفیتي ودول آسیا الوسطی المستقلة.
تتمتع طاجیکستان وترکمانستان وأوزبکستان بحریة کبیرة في العمل علی تنمیة قناة "قراقوم الضخمة، والتي ستأخذ ترکمانستان معظمها.
وأخیرا یمکن القول إنه علی الرغم من وجود خلافات أیدولوجیة وسیاسیة بین أفغانستان ودول آسیا الوسطی الخمس، إلا أن مشارکة کابل لعملیة إدارة المیاه شرط ضروري للإدارة المستدامة للحوض بأکمله في المنطقة.
ومن ناحیة أخری يعد تحسین إدارة الإنتاجیة حلا آخر یجب علی دول آسیا الوسطی السعي نحوه حثیثا.