الوقت- استمرارا لتحركاته العدوانية، نصب الكيان الصهيوني الأسلاك الشائكة في قرية الغجر الحدودية جنوب لبنان، واحتل بشكل كامل الجزء الشمالي من هذه القرية وأزالها عن سيادة لبنان، القضية التي أدت إلى رد فعل حاسم وغاضب من اللبنانيين.
وبهذا فقد تصاعدت حدة التوترات بين لبنان وكيان الاحتلال بعد زحف هذا الكيان على قرية الغجر الحدودية وجعل قضية هذه القرية وتقسيمها الحدودي في بؤرة الاهتمام مرة أخرى.
أعلن الصحفي الصهيوني أليكس فيشمان في عام 2008 وبعد حرب تموز (يوليو): من الأماكن الوحيدة في المنطقة التي يمكن أن يؤدي فيها أي تحرك عسكري وإطلاق نار إلى تدهور المنطقة بأكملها هي قرية الغجر التي تم ضمها لإسرائيل (فلسطين المحتلة) بالخطأ.
اعتداءات الصهاينة الجديدة على قرية لبنان الحدودية
وبما أن السياج الجديد للصهاينة بالأسلاك الشائكة في قرية الغجر الحدودية شمالاً يفصلها عن لبنان، أدان اللبنانيون عمل كيان الاحتلال هذا، كما حذرت المقاومة اللبنانية هذا الكيان من تجاوزاته على نقاط الحدود اللبنانية. تعتبر قرية الغجر الحدودية من المناطق السياحية الجذابة في لبنان، ويتلقى اللبنانيون دخلاً من تلك القرية التي ينوي كيان الاحتلال احتلالها بالكامل.
وردا على هذه الاجتياحات من قبل الغزاة عند نقطة الحدود اللبنانية، أنشأ حزب الله موقعا عسكريا يتكون من عدة خيام داخل حقول شبعا، وهو ما يعترض عليه الكيان الصهيوني، لكنه لا يجرؤ على اتخاذ إجراءات عملية لتفكيك خيام حزب الله. وعليه، ناشد الصهاينة الأمم المتحدة وطالبوا الأطراف الدولية بالتحرك لإقناع حزب الله بالانسحاب من المنافذ الحدودية. هذا فيما أكد مسؤولو حزب الله أنه لا يمكن لأحد أن يفرض شيئًا على هذا الحزب، وإذا قام كيان الاحتلال بأي تحرك ضد خيام حزب الله فسيواجه ردًا حاسمًا من المقاومة.
موقع قرية "الغجر" وأهميتها الاستراتيجية
شهدت قرية الغجر الحدودية ظروفًا مختلفة منذ عام 1967، نظرًا لموقعها المهم والاستراتيجي، والتي شملت تقسيم القرية واحتلالها وتهجير أهلها إلى مقاومة اللبنانيين لمنع احتلال الصهاينة لهذه المنطقة. تقع هذه القرية على حدود لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة، ومن وجهة النظر هذه فإن لها أهمية أمنية عالية، وهذا هو سبب إصرار الإسرائيليين على احتلالها.
تقع قرية الغجر عند نقطة الحدود بين لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة وتبلغ مساحتها حوالي 500 دونم ويبلغ عدد سكانها 3000 نسمة. المنطقة الجنوبية من هذه القرية، والتي تضم 100 دونم من مساحتها، تقع في المنطقة الحدودية مع سوريا، لكن منطقتها الشمالية، أي 400 دونم، تقع شمال "الخط الأزرق" على الحدود مع لبنان وفلسطين المحتلة، ويتواجد معظم سكان القرية في هذه المنطقة، وقد ازداد عددهم في السنوات الأخيرة.
تقع هذه القرية على الجهة الشرقية لنهر الحاصباني والمنحدرات الغربية لجبل "حرمون" في هضبة الجولان المحتلة. المكان ذو أهمية استراتيجية للصهاينة وحتى جيش الكيان المحتل أنشأ وحدة خاصة ومتخصصة تتمركز في جبل حرمون، الذي يتمتع بمناخ بارد شبيه بجبال الألب السويسرية.
تعتبر حرمون منطقة جبلية استراتيجية لها موقع جغرافي مهم للغاية، لأنها تقع على الحدود بين سوريا ولبنان وفلسطين، ومن هناك يمكنك التمتع بإطلالة كاملة على المناطق المحيطة. ترتفع قرية الغجر حوالي 310 أمتار عن مستوى سطح البحر، تحدها من الشرق أراضي قرية النخية وجبل حرمون من الشرق ونهر الحصباني من الغرب.
الغجر في المثلث الحدودي بين لبنان وسوريا وفلسطين
من حيث التطور العمراني، تعتبر قرية الغجر قرية مميزة للغاية ومختلفة عن القرى الأخرى في لبنان. بعد هزيمة الكيان الصهيوني عام 2000 وانسحاب هذا الكيان من جنوب لبنان، تم تقسيم هذه القرية إلى قسمين حسب اقتراح الأمم المتحدة.
في ذلك الوقت، تم الاتفاق على أنه وفقًا لبحث تاريخي وميداني حول هوية قرية الغجر، فإن هذه القرية هي الخط الحدودي بين لبنان وسوريا. كما تم التوصل إلى اتفاق لبناني دولي، بأنه لم يعد لإسرائيل بموجبه حق التعدي على الأراضي اللبنانية، وستكون المناطق المحررة من احتلال هذا الكيان تحت الحكم اللبناني بالكامل.
لكن جشع الصهاينة استمر، ولم يستطيعوا تجاهل الموقع الاستراتيجي لقرية الغجر المطلة على لبنان وسوريا، ومحاولة الكيان الصهيوني احتلال هذه القرية مستمرة حتى يومنا هذا. منذ إقامة الخط الأزرق بين لبنان وفلسطين المحتلة وحتى غزو كيان الاحتلال للبنان في تموز / يوليو 2006، اتخذ حزب الله على الدوام الإجراءات الأمنية اللازمة لحماية قرية الغجر رداً على التحركات العدوانية للصهاينة.
إجراءات حزب الله لحماية قرية الغجر الحدودية
لأجل ذلك، أنشأ حزب الله موقعًا عسكريًا وأمنيًا على النقطة الحدودية لقرية الغجر مع فلسطين المحتلة، والذي كان أساس العملية واسعة النطاق للمقاومة اللبنانية في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005، والتي أصبحت تعرف باسم " عملية كمين الغجر". في هذه العملية التي كانت أكبر عملية ضد كيان الاحتلال منذ انسحاب هذا الكيان من جنوب لبنان، استطاعت المقاومة أن تلحق خسائر فادحة بالعدو. وأصيب ما لا يقل عن 19 جنديًا صهيونيًا، كما تم إحراق 6 مدرعات تابعة لهذا الكيان وتدميرها في عملية كمين في قرية الغجر.
وتأتي هذه العملية في إطار الرد على عدوان الغزاة في قرية الغجر الحدودية بلبنان بعد عدوان الكيان الصهيوني المتكرر على هذه القرية. حيث تعمد الصهاينة استهداف قرى وبلدات لبنانية في منطقة حقول شبعا.
تحركات الكيان الصهيوني لاحتلال قرية الغجر
في عام 2006 وبعد بداية حرب تموز، حاول جيش الاحتلال إعادة احتلال الجزء الشمالي من قرية الغجر، ولهذا الغرض أقام الجنود الصهاينة سياجًا بين الأجزاء الشمالية والجنوبية من هذه القرية؛ قضية تسببت في مشاكل كثيرة لسكان هذه القرية ودائما ما اعترض اللبنانيون عليها.
بعد ذلك، في عام 2010، زعمت حكومة الكيان الصهيوني آنذاك، برئاسة بنيامين نتنياهو، أنها قررت الانسحاب من الجزء الشمالي من قرية الغجر من أجل تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701. لكن رغم ذلك، وبينما بذل لبنان جهودًا دبلوماسية عديدة لاستعادة سيادته الكاملة على قرية الغجر، استمر الصهاينة في احتلال هذه القرية.
في أحدث حالة تعدٍ من كيان الاحتلال على قرية الغجر الحدودية، أصدرت سلطات هذا الكيان أمرا ببناء سياج حديدي يفصل بشكل كامل الجزء الشمالي من قرية الغجر عن جزئها الجنوبي وضمها للأراضي الفلسطينية المحتلة. كما أنشأ الصهاينة عدة أبراج حديدية، وتم تركيب كاميرات يصل مداها إلى 5 كيلومترات في كل منها.
وأدت هذه التصرفات العدوانية للكيان الصهيوني إلى غضب اللبنانيين وأهالي قرية الغجر الرافضين بشكل كامل لتقسيم هذه القرية إلى قسمين. كما وصف حزب الله هذا العدوان الجديد لكيان الاحتلال بأنه خطير وأعلن أن هذه الحركة الصهيونية تدخل في إطار الاعتداءات التي يشنها جنود كيان الاحتلال عادة في المناطق الحدودية.
مخاوف المستوطنين الصهاينة من رد حزب الله على عدوان المحتلين
تأتي هذه التحركات العدوانية لكيان الاحتلال في وضع يخشى فيه الصهاينة بشدة، وخاصة بعد المناورات العسكرية الأخيرة لحزب الله، والتي أظهرت جزءًا فقط من قدرات المقاومة، وفي الوقت نفسه يحذرون من وقوع حرب متعددة الجبهات ضد إسرائيل.
هذا في حين أن الجبهة الداخلية لفلسطين المحتلة مشتعلة للغاية، وظهرت بوادر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية المسلحة الثانية من الضفة الغربية أكثر من أي وقت مضى.
كما أن المستوطنين الصهاينة في المستوطنات الشمالية لفلسطين المحتلة قلقون من رد فعل حزب الله على عدوان كيان الاحتلال على قرية الغجر والتحدث عن حرب محتملة مع حزب الله ويؤكدون أن "حزب الله سيفعل ما يشاء".
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية عن "موشيه دافيد ووتيش"، رئيس المجلس البلدي للتنظيم المعروف بـ "ماته إيشر": الوضع الذي فُرض علينا العام الماضي كان شيئًا لم نشهده من قبل، حيث شهدنا خلال هذه الفترة إطلاق الصواريخ وإقامة الخيام العسكرية، ويوم الأربعاء، حاولت قوات حزب الله منع تحركات الجيش الإسرائيلي.
وأضاف: "قضية دعم المستوطنين في المنطقة الشمالية إشكالية للغاية في الوقت الحاضر، ونعلم جميعًا أن حزب الله هو المنظمة الأكثر تهديدًا لإسرائيل". سكان مطله وكريات شمون وماتا إيشر ليسوا محميين وهذه مشكلة تحتاج إلى معالجة.
وتابع هذا المسؤول الصهيوني: "أهم شيء يجب أن نفهمه في الوقت الحاضر هو أن أراضي إسرائيل (فلسطين المحتلة) قد انتهكت في الحدود الشمالية، وفي هذا الوضع فقدنا أمن سكان المستوطنات الشمالية. وليس لدينا ملاجئ مناسبة لهم ". السؤال الآن ليس ما إذا كانت الحرب ستقع أم لا، ولكن متى ستحدث هذه الحرب.
كما أعلن "دافيد أزولاي"، رئيس المجلس المحلي في بلدة "المطله"، أننا نشهد هذه الأيام نهاية قصة الاتفاقات والتفاهمات المتعلقة بالقرار 1701. نرى قوات حزب الله على السياج الحدودي ونعرف ماذا يفعلون بالسلاح. نراهم كل يوم وإسرائيل غير مستعدة لمواجهة حزب الله في ظل أزمات داخلية متتالية، وهذا أمر تبرزه وسائل الإعلام الإسرائيلية بشكل كبير.
بهذه التفسيرات، فإن جهود الكيان الصهيوني لاحتلال قرية الغجر في لبنان وضمها ليست بالأمر الجديد. بل هو مخطط قديم هدفه تطويق هذه القرية الاستراتيجية وفصلها عن لبنان لاستخدام الموقع الاستراتيجي لهذه المنطقة في المثلث الحدودي بين لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة.
لكن على الرغم من كل مؤامرات الكيان المحتل وحلفائه، فإن شعب لبنان، وكذلك مقاومة هذا البلد التي أنقذت لبنان من الاحتلال الصهيوني عدة مرات، لا تزال مصرة على سيادة لبنان الكاملة على قرية الغجر وكل أراضي هذا البلد. وبناءً على ذلك، إذا لم يتراجع الكيان الصهيوني عن عدوانه، فسيواجه رد فعل أكثر شدة من عملية كمين الغجر عام 2005، ومن الواضح أن مخاوف المستوطنين الصهاينة في هذا الصدد ليست قليلة.