الوقت- بينما تحذر السلطات الروسية الغرب كل يوم من تأجيج الحرب في أوكرانيا وتعتبر إرسال الأسلحة عقبة أمام السلام، فإن الولايات المتحدة لا تولي اهتماما لهذه التحذيرات وتواصل تأجيج الحرب. وبعد إرسال جميع أنواع الصواريخ والدبابات إلى أوكرانيا، وضعت أمريكا خيارات جديدة على جدول الأعمال.
قال مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان يوم الجمعة إن الحكومة الأمريكية ستزود أوكرانيا بآلاف الذخائر العنقودية وتعهد بأن الولايات المتحدة لن تترك أوكرانيا بلا حماية. وادعى سوليفان أن كييف وعدت باستخدام الذخيرة المثيرة للجدل بحذر.
قال الرئيس الأمريكي جو بايدن أيضًا إن إرسال القنابل العنقودية إلى أوكرانيا كان قرارًا صعبًا، لكن الأوكرانيين كانوا بحاجة إلى هذه الذخائر بسبب نفاد الذخيرة. وفي تبرير لهذا الإجراء، زعمت الحكومة الأمريكية أن القلق من إرسال القنابل العنقودية يزيد من خطر وقوع إصابات بين المدنيين صحيح، ولكن إذا سمح لروسيا باحتلال أراضي أوكرانيا، فإن حياة المزيد من المدنيين معرضة للخطر أيضاً، وتمت مقارنة هذا الإجراء بالهجوم النووي على هيروشيما وناجازاكي، الذي حال دون وقوع المزيد من عمليات القتل.
أحد الأسباب التي دفعت أمريكا إلى الموافقة على إرسال هذه القنابل إلى أوكرانيا هو أن الظروف في ساحة المعركة ليست في مصلحة أوكرانيا على الإطلاق، يأتي هذا العمل في الوقت الذي تفتقر فيه القوات الأوكرانية بشدة إلى قذائف المدفعية، لأنها تستهلك الذخائر بسرعة عالية، ولا يمكن لحلفاء أوكرانيا الغربيين استبدالها على المدى القصير، لذلك لجؤوا إلى القنابل العنقودية، ربما كجزء من التعويض عن ذلك النقص.
تعتبر الذخائر العنقودية أكثر فعالية من قذائف المدفعية التقليدية لأنها تلحق الضرر بمنطقة أوسع، وهو أمر مهم بالنسبة لأوكرانيا لأنها تحاول تحرير الأراضي المحتلة من الروس. وفقًا للخبراء العسكريين، فإن استخدام مخزونات الذخيرة العنقودية يمكن أن يحل النقص في الذخيرة في أوكرانيا ويقلل الضغط على مخزونات القنابل من عيار 155 ملم في الولايات المتحدة وأوروبا.
في بداية الحرب، كان الغربيون يأملون في أن يتمكنوا من خلال إرسال الأسلحة الحديثة من وقف تقدم الروس، لكن مع نجاحات روسيا في المناطق الشرقية والجنوبية من أوكرانيا، اتخذوا قرارات جديدة تدريجياً. تم اتخاذ الإجراء الأمريكي الجديد بعد الهجوم المضاد الأوكراني، الذي كان من المفترض أن يعيد جزءًا من الأراضي المفقودة، ولم يحقق أي نجاح في الأسابيع الثلاثة الماضية، وإضافة إلى تدمير المعدات العسكرية، قتل آلاف الأوكرانيين في هذه الهجمات المضادة. لذلك تأمل واشنطن أن تتمكن بمساعدة القنبلة العنقودية من إعادة توازن الميدان لمصلحة الناتو، لكن هذا التكتيك سيفشل أيضًا مثل الخطط السابقة.
ما هي القنبلة العنقودية؟
الذخائر العنقودية هي تفريق عدد كبير من القنابل الصغيرة من صاروخ أو قذيفة مدفعية يتم تفجيرها في الهواء، وبذلك يتم نثر العديد من القنابل الصغيرة على مساحة كبيرة، ما يؤدي إلى خطر القتل العشوائي للمدنيين. صُممت الذخائر العنقودية، التي يطلق عليها اسم "القاتل الصامت"، لتدمير الدبابات والمعدات وكذلك القوات واستهداف أهداف متعددة في وقت واحد.
ولكن المشكلة هي أن بعض هذه القنابل الصغيرة قد لا تنفجر عندما تصطدم بأرض مبللة أو أسطح ناعمة، ما يعرض حياة المدنيين، وخاصة الأطفال، للخطر لفترة طويلة، وفي كثير من الحالات يؤدي إلى تشوهات.
وقعت حوالي 120 دولة، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا وألمانيا، اتفاقية الذخائر العنقودية، التي تجعل استخدام أو تخزين هذه الأسلحة غير قانوني وجريمة حرب بسبب تأثيرها الخطير على السكان المدنيين، لكن أمريكا لا تهتم بالالتزامات الدولية ومستعدة للتضحية بملايين البشر لتحقيق أهدافها الطموحة.
تأجيج نار الحرب
على الرغم من أن واشنطن تريد استخدام القنابل العنقودية لوقف تقدم الروس ورؤية انتصارات أوكرانيا، لكن إذا أراد الروس فعل الشيء نفسه، فستتصاعد التوترات. وصف السفير الروسي لدى الولايات المتحدة قرار البيت الأبيض تسليم ذخائر عنقودية إلى أوكرانيا بأنه إجراء لتصعيد الحرب، وقال إن الولايات المتحدة تدفع العالم نحو حرب عالمية من خلال الانخراط بشكل متزايد في الصراع في أوكرانيا.
بالنظر إلى أن روسيا، مثل الولايات المتحدة، لم توقع على معاهدة حظر استخدام القنابل العنقودية، فإذا أرادت أوكرانيا استخدام هذه الأسلحة ضد الروس، فستتخذ موسكو حتماً إجراءات مضادة ويمكن لهذه القضية أن تنهي الحرب، كما سيرتفع عدد الضحايا المدنيين الذين هم ضحايا أطماع البيت الأبيض.
حذر الروس مرارًا وتكرارًا من أنهم سيردون على أي أسلحة يتم إرسالها إلى أوكرانيا، وأن هذه الأسلحة لن تنجح في ساحة المعركة. ويمكن أن يكون للاعتماد على الذخائر العنقودية لهزيمة روسيا أيضًا عواقب وخيمة، لأن مسؤولي الكرملين قالوا إنه إذا أصر الغرب على إضعاف روسيا، فإن هذا البلد سيستخدم حتمًا الأسلحة النووية للدفاع عن نفسه.
يأتي إرسال القنابل العنقودية بهدف هزيمة روسيا وتعزيز الإمكانات الدفاعية الأوكرانية، بينما كانت سلطات كييف تتوسل أعضاء الناتو منذ شهور لتوفير شروط عضويتها في هذا التحالف العسكري، لكن بعض الدول عارضت هذه القضية. وعلى الرغم من موافقة العديد من الدول، بما في ذلك تركيا، على هذا الطلب، تعتقد الولايات المتحدة وعدد من شركائها الأوروبيين أنه إذا انضمت أوكرانيا إلى الناتو، وبناءً على التزامات هذا التحالف، فيجب أن تصطف هذه الدول بشكل مباشر ضد روسيا، الأمر الذي سيزيد خطر نشوب حرب عالمية. ومع ذلك، ومن خلال إرسال القنابل العنقودية، تدفع أمريكا في الواقع الحرب نحو أزمة كبيرة.
معارضة عالمية
وحسب الحظر المفروض على استخدام القنابل العنقودية، فإن تصرفات الولايات المتحدة ستسبب انقسامًا بين الحلفاء الغربيين، حيث أعلنت ألمانيا والنمسا معارضتهما لإرسال هذه القنابل إلى أوكرانيا.
إضافة إلى ذلك، أثيرت انتقادات داخل الولايات المتحدة بشأن قرار بايدن الجديد. وقد أعرب المشرعون الديمقراطيون عن معارضتهم للخطة، قائلين إن توفير هذه الأسلحة يدمر الظروف الأخلاقية ويؤدي في النهاية إلى القتل العشوائي للمدنيين. شدد هؤلاء المشرعون على أن الولايات المتحدة يجب أن تزيل مثل هذه الأسلحة من ترسانتها، بدلاً من تزويد أوكرانيا بها.
بينما ترسل أمريكا القنابل العنقودية إلى حليفها، أصمت أصوات المطالبة بحقوق الإنسان في هذا البلد آذان العالم. في الأشهر الأولى من حرب أوكرانيا، زعمت أمريكا أن روسيا استهدفت المدنيين الأوكرانيين في مدينة بوتشا وحاولت تحريض المجتمع الدولي ضد موسكو، لكنهم الآن، بخلاف جرائم روسيا المزعومة، يجرون المدنيين إلى الموت. دائمًا ما يضع قادة البيت الأبيض الحكومات المعادية في أسفل القائمة في مجال حقوق الإنسان، لكنهم هم أنفسهم لديهم تاريخ طويل في انتهاك حقوق الإنسان.
سبق للولايات المتحدة أن استخدمت القنابل العنقودية في العراق وأفغانستان، ولا تزال شعوب هذه الدول تعاني من آثار هذه الأسلحة. في حرب اليمن، سلمت الولايات المتحدة أيضًا عددًا كبيرًا من هذه الأسلحة إلى السعودية لقتل اليمنيين، وهذه المرة أصبحت أوكرانيا مسرحاً أيضاً للقتل الجماعي. حيث قتل الآلاف من المدنيين الأوكرانيين على حساب تحقيق أهداف سياسية وهي جريمة حرب مروعة سيتم تسجيلها في السجل الأسود لأمريكا، جريمة جعلت المنظمات الدولية ترفع صوتها بمعارضتها.
انتقد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قرار البيت الأبيض تسليم ذخائر عنقودية إلى أوكرانيا وقال إنه يعارض أي استخدام لمثل هذه الذخائر على جبهات الحرب. كما أعلنت منظمة هيومان رايتس ووتش أن "نقل هذه الأسلحة إلى أوكرانيا سيؤدي حتما إلى معاناة المدنيين لفترة طويلة".
كما شددت منظمة العفو الدولية: أنه "على إدارة بايدن أن تدرك أن أي قرار بالسماح باستخدام القنابل العنقودية على نطاق واسع في هذه الحرب سيؤدي إلى النتيجة المتوقعة، وهي مقتل المزيد من المدنيين". كما قال الصليب الأحمر الدولي إن القنابل العنقودية يمكن أن تسبب خسائر كبيرة في صفوف المدنيين وهذا شيء يمكن منعه".