الوقت_ معلومات كثيرة انتشرت مؤخراً، تتحدث عن أن إقامة علاقات مع سوريا هي من أولويات الحكومة التركية الجديدة، وهي مسألة في مصلحة روسيا أيضًا، حيث إن الدوائر المقربة من هاكان فيدان وزير خارجية تركيا الجديد -الشخص الذي اجتذب الآراء في الحكومة الجديدة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان- تقول إن القضية السورية تخصه وموظفيه، ومن بين الاحتياجات الملحة لتركيا تعطى الأولوية للاحتياجات التي تمت الموافقة عليها في الاجتماع الأمني والسياسي والدبلوماسي الخاص الذي عقد مؤخرًا برئاسة أردوغان نفسه، في ظل غضب كبير في أوساط المعارضة السوريّة، والود التركي غير مسبوق مع دمشق وأنباء المصالحة بين دمشق والمعارضة لتحقيق سلام دائم، وخاصة أن أنقرة أوضحت مراراً في الفترة الماضية أنها ستواصل المساهمة بقوة في الجهود الرامية لإيجاد حل دائم للحرب في سوريا بما يتماشى مع توقعات الشعب السوريّ وغيرها من التصريحات التي اعتبرت أنّها تمثل عودة المياه إلى مجاريها ولو سريّاً مع دمشق.
قرار المصالحة بين تركيا وسوريا
"قرار المصالحة بين تركيا وسوريا" قد اتخذ لكنه في مراحله النهائية على مايبدو، وهناك رغبة تركية - سورية وفقاً للتصريحات بذلك عقب عداوة طويلة بينهما، وهذا ما يعتبره البعض بمثابة تخل تركيّ عن المعارضة السوريّة بعد سنوات طويلة من الدعم لتحقيق المصالح الداخليّة والحزبيّة وخاصة أنّ الملف السوريّ يعد واحداً من أهم الملفات المؤثرة بشكل كبير على تركيا من أكثر من جانب، فمن ينسى عبارة "علينا أن نصالح النظام والمعارضة في سوريا، وإلا لن يكون هناك سلام دائم"، على لسان تشاوش أوغلو الذي كانت بلاده في بداية الحرب على سوريا عام 2011 من أبرز داعمي المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً، ناهيك عن عدوان الاحتلال التركيّ للأراضي السورية الذي يعتبره كثير من السوريين خرقاً كبيراً لمبادئ وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن التي تدعو للحفاظ على وحدة واستقلال سوريا، وخاصة القرار رقم (2254)، ناهيك عن أنّه تهديد مباشر للأمن في المنطقة وللأمن والسلم الدوليين.
وفي هذا الخصوص، تتحدث المعلومات عن تشاور هاكان مع بعض المسؤولين العرب لإعداد ما هو معروف في تركيا وبين أعضاء البرلمان وأعضاء الصحافة على أنه مشروع تقدم كبير وشيك على الجبهة السورية، وهو مشروع وإن كان ممكناً بسبب سلسلة من المبادئ المحددة، لن يؤدي إلى مصالحة بين النظامين كما تقول المعلومات، لكن ربما هذه المرة بإشراف مباشر من روسيا وتحديداً بإصرار الكرملين، ستؤدي إلى مفاوضات ثنائية، لكن الواقع يشير إلى اقتراب إعلان عودة العلاقات بين الطرفين وخاصة في ظل الانتصارات التي حققتها سوريا في الميدان العسكريّ بعد دحر الجيش السوريّ وحلفائه المجموعات الإرهابيّة المسلحة من أغلب المناطق السورية وسيطرته على معظم مساحة البلاد، ومع بدء عودة بعض الدول التي حاربت وقاطعت دمشق لمدّة طويلة عبر الطريق الدبلوماسيّ، ما يفرض تحولاً كبيراً في الموقف التركيّ، في الوقت الذي تستضيف فيه تركيا أكثر من 3,6 ملايين لاجئ سوري على أراضيها منذ بدء الحرب السوريّة الشيء الذي تسبّب بمقتل نحو نصف مليون شخص وألحق دماراً هائلاً بالبنى التحتية والقطاعات المنتجة وأدى إلى نزوح وتشريد ملايين السكان داخل البلاد وخارجها، حسب تقارير دوليّة.
وتشير المعلومات إلى تغيرات ربما تكون غير متوقعة مستقبلاً من الناحيّة السياسيّة، بعد مرور 11 عاماً على اندلاع الحرب السورية، حيث مات كثيرون وغادر عديدون بلدهم، ويجب أن يتمكن هؤلاء من العودة، بمن فيهم الموجودون على الأراضي التركيّة، لهذا، يتعيّن أن يكون هناك سلام دائم بين البلدين، وخاصة أن مسار أستانا موجود من أجل التوصل الى حلّ عبر الدبلوماسية والسياسة في سوريا، كما أنّ التقارب بين سوريا وتركيا يعد سابقة في مجريات الأحداث السوريّة، لأنّ الأخيرة كانت من أكثر الدول عدواناً على السوريين، كما مولت الجماعات الإرهابيّة هناك، وسعت بكل قوتها لإسقاط النظام الحاكم في البلاد، وبالطبع فشلت كل التحالفات السياسيّة والعسكريّة في مشاريعها التدميريّة، وهذا ما جعلهم اليوم يعودون إلى طريق الصواب.
رغبة روسية ومساع تركيّة
تدور محادثات متكررة حول رغبة روسيا في مصالحة الطرفين، وهي رغبة لا تنتهي بعقد لقاء بين أردوغان ونظيره السوري بشار الأسد، وتم الاتفاق في موسكو على عقده بعد الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التركية، وتم تأجيله والخيار لا يزال مطروحاً على الطاولة، وموسكو تريد من سوريا وتركيا إقامة علاقات سريعة وتكتيكية واستراتيجية، ومن الواضح أن الروس يعولون على تفهم وخبرة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، وهو أبرز ممثل لنخب البلاد بشأن القضية السورية، وعلى تسريع عملية المفاوضات الجوهرية، التي قد تنتهي بدرجة من الانفتاح والتقارب، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تحول إقليمي كامل، وتجاوز المستوى الأمني واستعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بل أكثر من ذلك، يمكن أن يؤدي إلى اتفاق استراتيجي بين أنقرة ودمشق حول القضايا العالقة، مثل فتح المعابر، وأمن الحدود، وموقف سوريا من الأكراد، وما وصفه وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بأنه جهد دولي للمؤسسة من صندوق التمويل لإعادة إعمار المناطق المدمرة في سوريا بهدف إعادة اللاجئين السوريين إلى هذه المناطق.
من ناحية أُخرى، لا يريد الروس ولا الأتراك أن يكون اللقاء المقبل بين الأسد وأردوغان مجرد لقاء بروتوكول، لكن مصادر ومعلومات روسية مقربة من هاكان فيدان تقول إنها تريد أن يكون هذا الاجتماع أكثر من مجرد مصافحة أمام وسائل الإعلام، ويبدو أن حماس هاكان يتماشى مع إصرار روسيا هنا، وقد قرر مجلس الأمن القومي التركي مؤخرًا تعيين إبراهيم كالين، رئيس جهاز المخابرات الوطنية، وهاكان وكيلًا مفوضًا للعلاقات مع سوريا في أقرب وقت ممكن، وعلى الرغم من أن تفويض الصلاحيات هذا إجراء شكلي، لكنه قانوني وسياسي وعميق، والهدف من هذين الوزيرين حل المشاكل القابلة للحل مع سوريا بشكل أسرع.
وفيما يتعلق بالسياسة التدريجية التي تمت مناقشتها بعد عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، يقدم هاكان فلسفة دبلوماسية جديدة في إدارة ملف العلاقات مع سوريا ويتحدث عن حقيقة أنه بعد إرساء الخطوة الأولى، فإن الخطوة التالية هي: إزالة القضية التي تتطلب فترة من المفاوضات، والتي على الرغم من إحراز تقدم كبير تحت إشراف روسيا، لم تنته بعد، ومع ذلك، لا تريد تركيا تزويد روسيا بكل التفاصيل حول علاقاتها مع سوريا، لكنها تحاول الحفاظ على العلاقات الثنائية والمعقدة الخاصة بهاتين الجارتين وحدودهما الملتهبة ومشاكلهما.
في النهاية، دخلت الجمهورية العربية السورية في مرحلة "لئم الجراح"، وهذا يتطلب سياسيّاً إصلاح العلاقات مع كل الأطراف التي ربما كانت يوماً منجنيقاً يضرب دمشق، وبالفعل هذه مرحلة مفصليّة من الانتصارات السياسيّة ولو مبدئيّاً، والتي تلت مرحلة الانتصارات العسكريّة الميدانيّة بدعم من حلفائها وبالأخص محور المقاومة، وإنّ الدول التي طالبت بإسقاط الحكومة السوريّة من خلال الحرب العسكريّة المباشرة، توصلت إلى استنتاج مفاده بأنّ عليها تغيير وجهة نظرها من حكومة دمشق والانخراط معها في تفاهمات عدة، وإنّ تلك الانتصارات هي نتيجة طبيعية لصمود وتضحيات الشعب السوريّ الذي ذاق الأمرّين، بعد أن ساهمت تلك الدول بشكل مباشر في افتعال وتدويل الأزمة لتدمير بلاده ومؤسساته وتحقيق مصالحها في المنطقة، لكن اليوم ما من طريق أنجح من الدبلوماسيّة للتوصل إلى تحقيق المصالح بين كل الأطراف.