الوقت- بعد الإنغماس التركي الواضح في الوحول الداعشية واستحكام التهم التي وُجهت للرئيس التركي "رجب طيب اردوغان" وحكومته بشراء النفط من تنظيم داعش، أصبح التورط التركي شبه علني خصوصاً بعد بث وزارة الدفاع الروسية لمقاطع الفيديو التي توضح مرور قوافل النفط من مناطق نفوذ داعش إلى داخل الأراضي التركية.
تصريحات ومواقف تحدٍ تركية في محاولة لمواجهة التهم
سعى "أردوغان" والمسؤولون الأتراك إلى استراتيجية "الهجوم خير وسيلة للدفاع" عبر العديد من المواقف الغاضبة والتي تحمل معنى التحدي للروس بإثبات زعمهم بتورط الرئيس التركي وبعض أفراد عائلته بتهمة شراء النفط من داعش، ولم تتوقف المسألة عند هذا الحد بل تجاوزته إلى حد اتهام الروس أنفسهم والنظام السوري بالتعاون مع داعش وتسهيل أمورها على الأراضي السورية، وبرر المسؤولون الأتراك اتهامات روسيا بالإنتقام لحادثة اسقاط طائرة السوخوي الروسية !
القضاء على الإستراتيجية التركية بنيران صديقة
إلا أن الإخفاق التركي كان حليف "أردوغان" في هذه الجولة أيضاً وكل استراتيجياته لم تسعفه، اذ أن الاتهام هذه المرة أتى من نيران صديقة للأتراك، ففي تصريح لوكالة "سبوتنيك" الروسية اتهم العميد حسام العواك الذي يترأس جهاز استخبارات تابع لما يسمى بالجيش السوري الحر تركيا بشراء النفط من داعش وأكد أنه يمتلك صوراً لعقود وقعها الجانب التركي مع التنظيم الارهابي تؤكد صحة ادعائه، كما اتهم الأتراك بدعم الاسلاميين المتشددين بكافة أنواع الدعم منذ عام 2011 وذلك على حساب جماعات أخرى معتدلة على حد وصفه.
هذا وقد اعترف أحد أفراد تنظيم داعش الارهابي "محمود غازي تاتار" عبر وكالة " اسبوتنيك" بمشاركته بنقل النفط السوري المسروق من الأراضي السورية الى تركيا وصرح بأن التنظيم كان يعاني من مشاكل مادية كثيرة وببيع النفط السوري إلى الأتراك استطاع أن يتجاوز هذه الأزمة.
كما أن موجة الإتهامات لم تتوقف عند هذا الحد اذ أن النائب العراقي في ائتلاف دولة القانون ومستشار الأمن القومي السابق موفق الربيعي كشف عن معلومات تفيد ببيع داعش النفط في تركيا كأحد اشكال الدعم التركي لهذا التنظيم الرهابي.
أما السؤال الأهم الذي يطرح نفسه هو لماذا كل هذا التورط التركي ؟ ولماذا لا تستطيع تركيا رفع يدها عن داعش؟
الوحش الداعشي غير القابل للترويض:
من المؤكد أن الأتراك على دراية كاملة بوحشية تنظيم داعش الإرهابي وأن هذا التنظيم لا يتعاطى بطريقة برغماتية ومن منطلق تقاطع المصالح، لذا كان الشعار التركي منذ بدء الأزمة السورية هو حماية الشعب السوري من أهل السنّة والتعصب لهم أمام اضطهاد النظام العلوي والمصالح الصفوية على حد وصفهم، وذلك كان تلافيا ومداهنةً للمتشددين من الاسلاميين انذاك ولداعش لاحقاً. وتركيا تعلم علم اليقين أنها اذا ما قطعت التعامل مع داعش يمكن أن ينقلب ضدها فلا رفيق لهذا الوحش المفترس اذ انه وفي الكثير من المرات أباد العديد من حلفائه المفترضين لأجل منطقة نفوذ أو غنائم هنا وهناك. فلضمان عدم عض اليد التركية من داعش عليها أن تستمر بشراء نفطه المسروق.
قيمة برميل النفط مغرية جداً:
لم يكن يحلم العالم يوماً ما بأن تصل قيمة برميل النفط إلى ما هي عليه الآن! فكيف اذا ما عُرض عليك النفط بنصف قيمته في السوق العالمية !
إنها هدية على طبق من ذهب تلقاها الأتراك من تنظيم داعش فشراء هذا النفط الخام بعشرين دولاراً للبرميل الواحد وبيعه لاحقاً في السوق العالمية بسعره العالمي يدر مبالغ هائلة على الخزينة التركية وهذه منفعة لا يمكن أن تغفل عنها تركيا وهي بأمس الحاجة لزيادة وارداتها أمام تدفق اللاجئين وقطع روسيا التعاون التجاري والسياحي معها وهو ما يشكل نسبة كبيرة من التعاملات التركية الخارجية.
بقاء داعش ورقة يساوم عليها مقابل بقاء الرئيس الأسد أو رحيله لاحقاً:
من الملاحظ أننا وبعد قرار الأمم المتحدة واجتماع جنيف تسير العجلة نحو تليين العلاقة بين الغرب وواشنطن وبعض العرب وبين النظام السوري والرئيس الأسد والإقرار أنه لا حل بدون الرئيس الأسد وذلك بدا جلياً من التصريحات الكثيرة للمسؤولين ووزراء الخارجية الأجانب، ومع العناد السعودي والتصلب التركي لم يكن أمام الأتراك إلا التعلق ولو بشعرة، فمحاولة زيادة نفوذها من خلال اسقاط الطائرة الروسية والقول أنا موجود هنا أيضاً باءت بالفشل بل على العكس تدهور الوضع التركي أكثر بوقوفها امام العملاق الروسي وجهاً لوجه، وأيضاً محاولة القوات التركية التوغل بالعراق لكسب ورقة نفوذ تساوم عليها لاحقاً فشلت ايضاً وخصوصاً بعد الضغط العربي والعالمي عليهم لسحب قواتهم من شمال العراق واعتباره عدواناً غير مبرر، أمام هذه المعطيات لم يكن أمام تركيا إلا أن تلعب إحدى أوراقها الأخيرة وهي توطيد علاقتها بداعش للإستفادة منه كورقة للضغط على المجتمع الدولي لإزالة الأسد أو ربما الحصول على نفوذ في سوريا بعد المرحلة الانتقالية ويعلم الأتراك جيداً أنه لا يمكن بوجود الأسد أن يكون لتركيا نفوذ معتبر في سوريا لاحقاً.