الوقت_ عقب مرور بضعة أعوام على اتفاقات الخيانة أو ما تعرف بـ "ابراهام" والتطبيع بين كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي سلب عدّة أراض عربيّة وكلا من الامارات والبحرين والسودان والمغرب، بدأت نسبة مؤيدي التطبيع تنحسر بشكل كبير عن معدلاتها المنخفضة أساساً لما كانت عليه قبل عامين، حيث ظهر مؤشر الرأي العام العربي لعام 2022، حجم الرفض الكبير للتطبيع مع عدو العرب والمسلمين والأحرار الأول في العالم، ما يفسد احتفاء الكيان الصهيونيّ المستمر بتوقيع اتفاق التطبيع وهي ليست المرة الأولى التي تعكس فيها استطلاعات الرأي حالة الإرباك الشديد في حكومة الاحتلال من "ثمار" اتفاقيات التطبيع وخاصة على المستوى الشعبيّ العربيّ، ويظهر هذا الأمر جليّاً في التقييمات التي تُنشَر إسرائيليّاً وغربيّاً وأمريكيّاً، في ظل تفاخر الكيان –أقل من ذي قبل عقب المونديال- بخيانة بعض الدول العربيّة التي وقّعت اتفاقية للاستسلام مع العدو العنصريّ.
معارضة عربيّة كبيرة للتطبيع
"الغالبية العظمى من المواطنين في عدّة دول عربية يعارضون التطبيع"، هذا ما يمكن قوله عن العرب تجاه اتفاقية التطبيع بين أنظمتهم والصهاينة، حيث بيّن مؤشر الرأي العام العربي لعام 2022 وهو مسح ضخم للرأي العام، أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في دولة قطر، وشمل 33.300 مشاركاً من 14 دولة عربية، أن 67 بالمئة من المغاربة الذين شاركوا في الاستطلاع، يرفضون تطبيع علاقات بلادهم مع تل أبيب، وعلى الرغم من رفض ما يزيد على ثلثي المشاركين للتطبيع المغربي مع الصهاينة، فإن المستجوَبين المغاربة كانوا الأكثر تسامحا مع التطبيع بين جميع الدول العربية، فقد قال 20 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع بالمغرب، إنهم يوافقون على اعتراف الرباط بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وقد كان الشعب الجزائريّ هو الأكثر رفضا للتطبيع بين المشاركين العرب، وأعرب ما يزيد على 99 بالمئة منهم، عن رفضهم الاعتراف بكيان الاحتلال.
وبالتزامن خيانة فلسطين والشعوب العربيّة عبر اتفاقات –حكوميّة من بعض الأنظمة- أدخلت الخنجر في خاصرة هذه الأمة التي تعاني من مشكلات جمة، ازدادت بكثرة بعد أن تحالف حكام بعض الدول العربيّة مع أشدّ الكيانات إجراماً واحتلالاً تحت ذرائع واهية اصطدمت مع كل القيم الإنسانيّة والأخلاقيّة والدينيّة، برعايةٍ أمريكيّة، تشير المعلومات إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي هو الأكثر تهديدا لأمن واستقرار المنطقة العربية، ووضع الاحتلال الصهيونيّ من قِبل المشاركين في الاستطلاع، في مقدّمة الكيانات التي تهدّد سياساتها أمن واستقرار منطقتهم، فقد أكد 84 بالمئة من المشاركين أن "إسرائيل" تهدّد أمن المنطقة واستقرارها، مقابل 9 بالمئة أجابوا بالنفي.
ومن الجدير بالذكر أنّ 78 بالمئة من المجيبين، قالوا إن الولايات المتحدة تؤثر سلبا على الوضع في بلدانهم بعد الاحتلال الإسرائيلي، وذلك في إجابة على سؤال حول تأثير السياسات الراهنة لبعض القوى الدولية الإقليمية على أمن المنطقة العربية، وبالنسبة لـ 53 بالمئة من المُستجوَبين، فإن فرنسا ودول أُخرى أيضاً من بين الدول التي تتسبّب في تهديد الأمن على المستوى العربيّ، وقد وضعت نسبة من المشاركين في الاستطلاع كلاً من تركيا والصين واليابان، في ترتيب أقل ضمن القائمة، وذلك في إطار مسح ضخم للرأي العام تحت مسمى “المؤشر العربي 2022″، في 14 دولة عربية هي: الجزائر، موريتانيا، المغرب، تونس، ليبيا، مصر، السودان، فلسطين، لبنان، الأردن، العراق، السعودية، الكويت، وقطر، ويهدف “المؤشر العربي 2022” إلى “الوقوف على اتجاهات الرأي العام العربي، نحو مجموعة من الموضوعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويجرى المسح بشكل دوري منذ العام 2011، من قبل المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات الذي يتخذ من العاصمة القطرية مقراً له.
مجتمعات عربيّة غير مُخترقة
كثيراً، كانت تعوّل تل أبيب على أنّ تكون فوائد التطبيع مع بعض العواصم العربية وذكرت مراراً أنّها "كبيرة للغاية"، إلا أنّها بالفعل كانت منخفضةً بالمقارنة مع التوقعات التي كانت لديها، حيث علقت جميع الأطراف كثيراً من الآمال على هذه الاتفاقيات التطبيعيّة، لكنّها وكما تقول المعلومات انحصرت بين حكومات لا أكثر ولم تخترق أبداً المجتمعات العربيّة التي تنظر للعدو الإسرائيليّ ببغضة واشمئزاز، وقد أظهر الاستطلاع أمريكي سابق، أن 25% فقط من الإماراتيين يدعمون التطبيع، فيما عارضه أكثر من 71%، بينما أيده في مملكة البحرين 20٪ وعارضه 76٪ من الشعب البحرينيّ.
وما يبرهن ذلك، أنّ كل السياسيين والمحللين والخبراء والمختّصين في الكيان الصهيونيّ وحتى في دول التطبيع يتجاهلون بشكل كامل ومقصود في تحليلاتهم مواقف الشعوب العربيّة الرافِضة للتطبيع مع الصهاينة، وخير مثال على أنّ هذه الشعوب لا يمكن أن تغير عقيدتها تجاه قاتل الأطفال ومشرد الملايين أنّ الشعب العربيّ في مصر ورغم مرور أكثر من 40 عاماً على توقيع اتفاقية "السلام" مع العدو ما زال يرفضه بشكل مُطلق، ويُطالِب بإلغاء أي ارتباط مع سالبي الأرض وقاتلي الأبرياء.
وما ينبغي ذكره أنه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، أجري استطلاع ممائل للرأي أظهر أن غالبيّة السعودين معارضين للتطبيع مع الصهاينة، فيما أظهر الاستطلاع الأمريكي الجديد انخفاضًا حادًا في نسبة المؤيدين في السعودية بنسبة 19٪ فقط مقابل 75٪ من المعارضين، وبالفعل، تدرك تل أبيب أنّ علاقاتها مع أنظمة التطبيع لا ترتبط أبدا مع شعوب تلك الدول، فهم غير معنيون بخيانة حكامهم الخانعين، وجميعنا شاهدنا أنّ السودانيين يرفضون بالمطلق التطبيع مع الكيان الصهيونيّ المُحتل، ويرونه عدواً كبيراً للمسلمين والعرب والفلسطينيين لأنّه من أكثر الكيانات إجراماً في العالم، ويؤمنون بأنّ خيانة حكومتهم محض صفقة مذلة معزولة تمت في الظلام، وتم استدراج بلادهم إليها رغم أنفهم، في خيانة حكوميّة تحقق نصراً معنوياً وسياسياً لكيان محتل ظالم، وخذلاناً قاسياً لشعب مظلوم.
وبما يخص المغرب، يدرك الشعب المغربيّ جيداً حجم التكالب على فلسطين وداعميها من خلال الانجرار نحو اتفاقات العار لتمرير أهداف لتصفيّة قضيّة الشعب الفلسطينيّ والعربيّ، والغوص في مشاريع التفتيت والتقسيم في المنطقة، ويرفض الشارع المغربيّ أيضا إقامة علاقات مع الكيان الغاصب وقد شاهدنا ردود أفعالهم في المونديال، ناهيك عن مناهضة عشرات الأحزاب من تيارات مختلفة للتطبيع مع تل أبيب تأكيدهم على أن أيّ تطبيع مع الكيان الصهيونيّ هو "اعتداء على مشاعر الشعب المغربيّ، وإهانة لا يمكن تغطيتها بأيّ حديث عن المصلحة الوطنيّة".
ويشار إلى أنّ "اتفاقيات السلام" التي وقّعها العدو الغاصب مع مصر عام 1979، ومع المملكة الأردنيّة عام 1994، فإنّ الاتفاقيات لم تنفذ بعد على أرض الواقع، ما يبرهن من جديد أنّ الرفض الشعبيّ العربيّ للإساءات التي قامت بها بعض الحكومات كان ولا يزال وسيبقى قائماً، ليمنع تحقيق المخططات الصهيونيّة العدوانيّة، ويقف في وجهها على الدوام، ولا ننسى أن قضيّة فلسطين هي قضية العرب جميعاً، وبالأخص بعد أن خضعت الدول المُطبعة الخانعة لإرادة الإدارة الأمريكيّة التي تُمثل "وتين" الكيان الصهيونيّ الذي خُلق ليفصل العرب عن بعضهم ويمثل مصالح واشنطن والدول الغربيّة في دولنا.
خلاصة القول، لا داعي للتأكد من صحة أي استطلاع للرأي العربي تجاه الصهاينة، وقد شاهد العالم كيف أفسدت فرحة الكيان الصهيونيّ الغاصب للأراضي العربيّة بما تسميها الشعوب العربية "اتفاقات العار" أيّ التطبيع، بسبب ما فعله اللاعبون والمُشجعون العرب الذين توافدوا لمونديال قطر قبل مدّة، وأثبتوا للعالم بأسره أنّهم كانوا وما زالوا متمسّكين بقضية فلسطين الأشهر عالميّاً نتيجة الظلم الذي يحل بهذا الشعب، ومثلت ردود أفعالهم حينها صفعة قوّية للخيانات الحكوميّة في العالم العربيّ، الشيء الذي دفع الإسرائيليين المصدومين من نظرة العرب –كل العرب- لاحتلالهم الجاثم على قلوب عدّة شعوب عربيّة وبالأخص الفلسطينيين، لأن يفكروا بطرق لمحاولة الترويج للرواية الصهيونيّة عبر وسائل إعلام عبريّة ناطقة بالعربيّة لمحاولة تغيير الرأي العام العربي.