الوقت - تسود الجزائر حالة ترقب بعد الكشف على ما يبدو أنه عرض رئاسي “للتوافق” و”فتح صفحة جديدة” مع المعارضة، عقب نشر وكالة الأنباء الرسمية، مقالا حول مبادرة في الأفق بشأن الأمر.
ونشرت وكالة الأنباء الجزائرية، الثلاثاء الماضي، مقالا بعنوان: “عبد المجيد تبون.. رئيس جامع للشمل”.
وبعد أن ذكر المقال بمسيرة رئيس الجمهورية منذ انتخابه في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2019، أفاد بأنه “يجب أن يعرف أولئك الذين لم ينخرطوا في المسعى أو الذين يشعرون بالتهميش، أن الجزائر الجديدة تفتح لهم ذراعيها من أجل صفحة جديدة”.
وأضاف: “فكلمة إقصاء لا وجود لها في قاموس رئيس الجمهورية الذي يسخر كل حكمته للم شمل الأشخاص والأطراف التي لم تكن تتفق في الماضي”.
وجاء في المقال أيضا، أن تبون “رئيس لطالما اهتم بالنقاش السائد في المجتمع، ويده ممدودة للجميع بشكل دائم، ما عدا للذين تجاوزوا الخطوط الحمراء وأولئك الذين أداروا ظهرهم لوطنهم”، دون تسمية أي جهة.
ويمكن تصنيف المعارضة الجزائرية إلى ثلاثة أقطاب، أولها معارضة داخلية لسياسات الحكومة، ومن داخل المؤسسات الدستورية حيث تشارك بالانتخابات النيابية والمحلية وتمارس نشاطها من داخل المؤسسات وتضم أحزابا إسلامية ومحافظة ويسارية.
أما القطب الثاني فهو معارضة داخلية أيضا لكن من خارج المؤسسات وقاطعت أغلب الاستحقاقات الانتخابية وتطالب في كل مرة بدستور جديد توافقي وإعادة النظر في كيفية تنظيم الانتخابات بحيث تشرف عليها لجنة مستقلة عن النظام، تختارها الطبقة السياسية بالتوافق، وتضم أحزاباً أغلبها علمانية وتدعمها منظمات حقوقية ومدنية أخرى.
أما الصنف الثالث فهو ما يسمى “معارضة الخارج” وهي مشكلة من تنظيمات سياسية ونشطاء مقيمين بالخارج أغلبهم بفرنسا وبريطانيا، مع امتدادات محدودة لهم في الداخل، وهؤلاء لا يعترفون بالنظام القائم ويرفضون كل ما يصدر عنه ويطالبون بمجلس تأسيسي يعيد النظر في كل مؤسسات الدولة، حيث تدرج السلطات هذه التنظيمات وأغلب أعضائها في لائحة حكومية “للمنظمات الإرهابية”.
وعنونت صحيفة “الخبر” المحلية عددها الصادر الأربعاء، بـ”الرئيس تبون يقترح صفحة جديدة”، وكتبت قائلة: “المسعى الرئاسي يعني من لم ينخرط في مسار الجزائر الجديدة والذين يحسون بالتهميش”.
فيما كتبت صحيفة “الشروق” تعليقا على المبادرة: “معالم الجزائر الجديدة تترسّخ بعد 30 شهرا من انتخابه، يد الرئيس تبون ممدودة لجميع الجزائريين بلا إقصاء”.
ويسود غموض حول طبيعة هذه “المبادرة الجديدة”، بحكم أن الرئاسة لم تصدر أي بيان حولها، لكن معلوم أن الوكالة الرسمية لا تنشر مثل هذه المقالات دون “إذن رسمي” حول توقيتها ومحتواها.
كما أن توقيت المبادرة يسوده الغموض كون البلاد لا تعيش أزمة مؤسساتية أو سياسية حادة، وتبون أنهى لتوه مشروع تجديد المؤسسات الدستورية المنتخبة، وما يسميه في خطاباته “بناء جزائر جديدة”.
وكانت البداية بانتخابات نيابية مبكرة في يونيو/ حزيران 2021، تلتها انتخابات محلية (بلديات ومجالس ولائية) في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني، وبعدها انتخابات تجديد نصف أعضاء مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) في فبراير/ شباط 2022.
وهذه الاستحقاقات الانتخابية بدأ التحضير لها مباشرة بعد تولي الحكم عام 2019 باعتبارها كما قال “تعهدات انتخابية بالقطيعة مع عهد سلفه الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة” الذي أطاحت به انتفاضة شعبية اندلعت في 22 فبراير/ شباط 2019.
وتواصلت هذه الانتفاضة في شكل مسيرات خلال الأشهر الأولى لحكم الرئيس تبون، رفضا للانتخابات التي أوصلت تبون إلى سدة الحكم، بدعوى أنه لم يحدث توافق حولها، فضلا عن المطالبة بتغيير جذري لنظام الحكم.
وألقت الاحتجاجات الشعبية بظلالها على الاستحقاقات الانتخابية التي نظمت في عهد تبون، والتي رغم أنها شهدت مشاركة أغلب الأحزاب السياسية في البلاد، لكن أخرى معارضة ونشطاء في الحراك الشعبي قاطعوها.
وسجلت خلال الانتخابات (المحلية والتشريعية) نسب مشاركة ضئيلة مقارنة بسابقاتها، قال معارضون إنها نتاج “رفضها من قطاع كبير من الشارع”، فيما تؤكد السلطات في كل مرة إن “ظروف الجائحة ساهمت في ازدياد نسبة العزوف وإنها ظاهرة عالمية ولا تخص الجزائر فقط”.
وكانت أبزر مآخذ الفئات المعارضة لخارطة تبون السياسية بأنها “محاولة من النظام لفرض حل لأزمة البلاد”، وأنها “تم تهميشها في وضع خارطة ما بعد الحراك الشعبي”، وكذا “استمرار النظام في اعتقال النشطاء بسبب معارضتهم للوضع القائم”.
وكرر الرئيس الجزائري مرارا، أنه ينفذ وعودا انتخابية قدمها للجزائريين قبل انتخابه وبابه مفتوح للحوار مع الجميع، ونفى وجود معتقلي رأي، مشددا أن الأمر يتعلق بقضايا “سب وشتم وليس حرية تعبير”.
في الشق الآخر من الساحة السياسية، يوجد أتباع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي انهار نظامه بسرعة بعد الحراك الشعبي في فبراير 2019، وخاصة بعد إعلان قيادة الجيش آنذاك دعمها للانتفاضة الشعبية.
وأطلق القضاء الجزائري بعد استقالة بوتفليقة، حملة واسعة ضد الفساد، تم على إثرها الزج بعشرات المسؤولين وكبار رجال الأعمال المحسوبين على نظام بوتفليقة في سجون البلاد، بينهم شقيقه السعيد.
وتتواصل لحد الآن محاكمات المسؤولين في عهد بوتفليقة، فيما نفت السلطات عدة مرات معلومات متداولة حول نيتها إصدار عفو بحق مسؤولين ورجال أعمال بالسجن مقابل استرجاع الأموال المنهوبة.
و يبدو أن عبارة “الذين تجاوزوا الخطوط الحمراء وأولئك الذين أداروا ظهرهم لوطنهم” في المبادرة الجديدة تعني من تتهمهم السلطات بـ”الدعوة إلى العنف، واستهداف الرئاسة والجيش بخطاباتهم”.
وفبراير الماضي، أصدرت السلطات الجزائرية أول قائمة بأسماء الأشخاص والكيانات الجزائرية المصنفة “إرهابية”، والتي ضمت حركتي “استقلال القبائل”، وحركة “رشاد”، وهما تنظيمان ينشطان خارج الجزائر.
كما ضمت القائمة 16 شخصا أغلبهم أعضاء في التنظيمين، إلى جانب نشطاء في الخارج تتهمهم السلطات بـ”التحريض على العنف ومؤسسات الدولة” عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ويرى الخبراء أن حكومة التكنوقراط فشلت في تحقيق إنجازات خاصة في الملفات الاستراتيجية المهمة، وأن دعوة الرئيس للم الشمل تستهدف مشاركة الجميع في المرحلة القادمة.
وشدد الخبراء على أن مبادرة "لم الشمل" ليست معنية بالحركات الإرهابية الموجودة في الخارج، أو العناصر المتورطة في جرائم إرهابية.
وقال الخبير الأمني الجزائري إدريس عطية، إن "المصالحة الوطنية أو ما أطلق عليه "لم الشمل"، يستثنى منه أعضاء "جبهة الإنقاذ"، أو حركة "الماك" وكذلك "حركة رشاد"، وأن عودة أي من عناصر هذه المجموعات يجب أن يخضع للإجراءات القانونية أولا وأن يقول القانون كلمته بالبراءة أو الإدانة".
وأضاف"، إن "بعض العناصر تبحث عن أي مخرج لضمان "العودة الآمنة"، لكن السلطات في الجزائر لا توافق على أي اشتراطات أو حوار مع هذه الأطراف، وأنها تؤكد تفعيل القانون تجاه أي شخص من هذه الحركات".
فيما قال أستاذ العلوم السياسية، رمضان بوهيدل، إن "المصالحة الوطنية تتعلق بالأطراف السياسية الجزائرية والمعارضة، في إطار إطلاق مرحلة جديدة".
وأضاف إن خطوة "لم الشمل" التي دعا لها الرئيس "لا تشمل الحركات الإرهابية أو العناصر المتورطة في جرائم إرهاب، وأن الأمر يمكن أن يشمل بعض الشباب الذين لم ينخرطوا في أعمال إرهاب أو عنف، لكن بعضهم متعاطفون مع هذه الحركات".
ويرى بوهيدل أن "الرئيس يبحث عن لم شمل السياسيين وخاصة بعد أكثر من عامين على حكومة التكنوقراط التي لم تنجح بشكل كبير، وتواجه معارضة شعبية وسياسية".
ولفت إلى أن "الرئيس الجزائري قد يتجه لتشكيل حكومة ائتلافية بعد" فشل حكومة التكنوقراط"، في بعض القطاعات وخاصة الاستراتيجية، ما يعني مشاركة بعض الأحزاب في الحكومة الجديدة".
وحسب بوهيدل إن "جبهة الإنقاذ" حلّت من خلال القانون ولا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال، وخاصة أن بعض العناصر الذين لم يتورطوا في جرائم انخرطوا منذ سنوات في بعض الأحزاب الإسلامية المعتدلة.
واستبعد أي تفاوض مع "جبهة الإنقاذ" في إطار عودة عناصرها أو عودتها للمشهد السياسي مرة أخرى.