الوقت- بعد أن جمد الرئيس التونسي قيس سعيد الحياة السياسية في تونس "البرلمان والحكومة والقضاء" وانتزع كافة السلطات وجمعها بيد الرئيس، وجد أن هذا الأمر لا يكفي، لأنه في الحقيقة لم يقدم أي دليل إصلاحي لذلك بدأ يحرف الأنظار نحو شماعته "حركة النهضة" ليحملها مسؤوليات جديدة، وهذا ما يظهر سوء النية تجاه الثورة والتحول الديمقراطي، وأنه لا يمثل المصالح الوطنية للشعب التونسي، وكذلك موقفه بالغ الضعف، وإمكانية وقف الانقلاب سريعا، بل ومواجهته ومحاكمته.
لحرف الرأي العام عن مساره تصدَر من جديد ملف الاغتيالات السياسية المشهد التونسي من جديد، بعد أن أذنت وزيرة العدل ليلى جفال بفتح تحقيق قضائي لمتابعة المتورطين فيما بات يعرف بـ "الجهاز السري لحركة النهضة".
قررت وزارة العدل التونسية فتح تحقيق حول "الجهاز السري" المزعوم لحركة النهضة، لتعيد الجدل حول هذا الموضوع الشائك والذي تنفي حركة النهضة وجوده، فيما يتحدث خصومها عن "تورطه" في اغتيالات سياسية داخل البلاد.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصادر قضائية تأكيدها أن وزيرة العدل ليلى جفّال أوصت بفتح تحقيق حول "الجهاز السري" لحركة النهضة.
ويأتي هذا القرار على خلفية شكوى قضائية رفعتها مؤخرا هيئة الدفاع عن المعارضيْن السياسييْن اللذين اغتيلا شكري بلعيد (الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد ومؤسس تيار الجبهة الشعبية) ومحمد البراهمي (المنسق العام لحزب التيار الشعبي)، اتهمت فيها قيادات أمنية بالضلوع في تقديم شكاوى كاذبة حول ملف الجهاز السري لحركة النهضة.
وكان الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، شكري بلعيد، قد اغتيل بأربع رصاصات من قبل مجهولين أمام منزله في 06 شباط /فبراير عام 2013. وعقب ذلك بـ 5 أشهر تمت تصفية المنسق العام لحزب التيار الشعبي والأمين العام السابق لحركة الشعب محمد البراهمي بأربعة عشر طلقة نارية من أمام منزله في 25 حزيران/ يوليو 2013.
وبينما وُجّهت أسهم الاتهامات إلى حركة النهضة في التورط في اغتيال المعارضين السياسيين واستخدام جهازها السري لإخفاء معطيات تتعلق بجريمتيْ الاغتيال وقضايا إرهابية أخرى واختراق مؤسسات الدولة وملاحقة خصومها والتجسس عليهم، نفت هذه الأخيرة علاقتها بالأمر واعتبرت المسألة خدعة سياسية من معارضيها لضرب قاعدتها الشعبية.
وقبل أيام تم الإفراج عن مصطفى خذر الملقب بـ "رئيس الجهاز السري لحركة النهضة"، بعد قد قضّى عقوبة سجنية مدتها 8 أعوام بسبب تهم تعلقت بـ "الاستيلاء على وثائق مودعة بالخزينة"، كما وجه له قاضي التحقيق 22 تهمة أخرى منها القتل العمد في قضية اغتيال محمد البراهمي.
وتحت عنوان "الجهاز السرِّي في رواية تيّار التعفّن الأيديولوجي"، كتب الوزير السابق خالد شوكات: “حديث البعض في تونس هذه الأيام عن الجهاز السري لحركة النهضة، يؤكد تلك الفكرة التي أشرت إليها باستمرار منذ انقلاب 25 يوليو، وهي هشاشة الفكر الديمقراطي إما عن جهل أو تجاهل يترجم حالة تعفّن أيديولوجي لم تفلح سنوات الانتقال الديمقراطي العشر في التخفيف من وطأتها ومعالجة آثارها السلبية، كما يعكس رغبة في تصفية حسابات سياسية بطرق مخالفة لمقتضيات الديمقراطية ومبادئها، كأن يحاسب تنظيم سياسي معارض على امتلاك جهاز سري أيام الاستبداد، فيما لم يكن الاستبداد يسمح ببناء التنظيمات العلنية وقد دفع طيلة عقود من الحكم الفردي التسلطي جميع التيارات السياسية والأيديولوجية المعارضة إلى ممارسة السرية وأقدار من العنف".
وأشار إلى أن الدساترة اليوسفيين والقوميين البعثيين واليسار والإسلاميبن، سبق أن قاموا بتأسيس تنظيمات سرية، مضيفا: "لقد فعلوا ذلك عندما لم تكن المعارضة المدنية السلمية الديمقراطية متاحة، فما بالك بحزب يساهم في قيادة حكم ديمقراطي ويفوز بالانتخابات وقادر على “التمكين” بأساليب سلمية ديمقراطية، فالتمكين في أنظمة الحكم الديمقراطي ليس بدعة، وهو ممارسة عادية في أعرق الأنظمة الديمقراطية"
وتابع بالقول: "هناك إسلاميون بلا شك يرفضون الديمقراطية، إما فكريا كحزب التحرير، أو عنفيا كداعش، وهؤلاء لا يخفون رفضهم هذا الفكري أو العنفي، كما نجد أيضا قوميين ويساريين وحتى دساترة فاشيين يعترضون على الديمقراطية ويعتقدون لدواعِ مختلفة أنها نظام حكم لا يناسبنا، ولعل بعضهم ممن يعمل على تغيير نظام الحكم بالقوة لن يتردد في بناء أجهزة سرية، أما بالنسبة لتيار إسلامي عريض لطالما طالب بالنشاط القانوني العلني وقدّم طلبا لنيل تأشيرة حزب سياسي في ظل الديكتاتورية لسنوات طويلة، فما حاجته يا ترى إلى جهاز سري وهو يحكم البلاد طوال عقد من الزمان كما يزعمون، أليس في الجمع بين القول بحكم الإسلاميين ثم القول بوجود جهاز سرّي تناقض جوهري؟".
وقال شوكات، الذي كان نائبا عن حزب نداء تونس: "لقد خضنا الانتخابات ضد الإسلاميين في مناسبات عديدة طيلة السنوات العشر الماضية، وانهزمنا ثم انتصرنا وانهزمنا وهكذا أمامهم. لقد حوّلهم الحكم إلى حالة إنسانية عادية قابلة للنقد والهزيمة، وربمّا الهزيمة الانتخابية الماحقة كما حصل لهم في المغرب مثلا، ولا أظن ديمقراطيا حقيقيا يؤمن بقواعد التنافس الانتخابي وبقيم الانتقال الديمقراطي وفي مقدمتها المصالحة الوطنية، قادر على أن يصدّق فرية “الجهاز السري”، الفرية التي لا تليق إلا بالأنظمة الاستبدادية وشعوب القطيع وكل عاجز عن هزيمة الإسلاميين الانتخابية من ذوي العفن الأيديولوجي والمكايدة السياسية. أما من هزمهم انتخابيا فلا حاجة له بالعودة إلى أساليب الاستبداد البائسة واللعينة".
والعام الماضي، اتهمت الحركة هيئة الدفاع في قضية اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي بالمتاجرة بدمهما عبر الترويج لـ"ادعاءات باطلة" تتعلق بتورط "الجهاز السري" المزعوم للحركة في الاغتيالات السياسية، فيما قررت عائلة القيادي السابق في “النهضة” منصف بن سالم مقاضاة الهيئة بعد اتهام الراحل بتجنيس طلبة من حركة حماس.