الوقت- اتخذت الإمارات العربية المتحدة منذ بداية الأحداث السورية في منتصف آذار 2011، موقفا مبهما إلى حد ما إزاء الأحداث في سوريا، حيث دعمت المعارضة السورية بشكل رسمي، كما حافظت في الوقت نفسه على صلتها بالحكومة السورية في دمشق. ثم بدأت في العام 2015 تنسحب من الصراع السوري، لتركز اهتمامها ومواردها أكثر فأكثر على الحرب في اليمن، إلى أن سعت بحلول العام 2018 إلى التقارب مع الحكومة السورية، فأعادت فتح سفارتها في دمشق في كانون الأول من ذلك العام. لكن الهدف الظاهري من هذه الخطوة، والمتمثل في مواجهة النفوذ المتنامي لتركيا وإيران في سوريا، ليس ما هو عليه فعليا من نواح عدة.
تبرز على المستوى الاقتصادي فرص محتملة للاستثمار الإماراتي في شتى القطاعات في سوريا، مثل العقارات والنقل والتجارة، وهي قطاعات كانت كلها تستفيد من الاستثمار الإماراتي ما قبل العام 2011. بيد أن العودة المحتملة للاستثمار الإماراتي إلى سوريا محفوف بالتعقيدات والعوائق على المديين القصير والمتوسط، ولا سيما في ضوء العقوبات الأميركية، والصعوبات الاقتصادية التي تعانيها دبي.
والواقع أن إمكانية أن يؤدي رجال الأعمال السوريون المقيمون في الإمارات دور الوسطاء للمستثمرين الإماراتيين، تبقى محدودة نوعا ما. فاحتمال عودة الغالبية العظمى من هؤلاء إلى سوريا ضئيل، أقله على المدى القصير، نظرا إلى ما قد يواجهونه من صعوبات أو عقبات متمثلة في بعض شبكات الفساد التجارية التي أحكمت قبضتها على الاقتصاد السوري. وعوضا عن ذلك، تبدو الشبكات التجارية المقربة من الحكومة السورية في الموقع الأفضل حاليا للعب دور الوسيط في الاستثمار الإماراتي.
فتح السفارة ونقطة التحول
أعادت الإمارات العربية المتحدة فتح سفارتها في العاصمة السورية دمشق، في أواخر كانون الأول 2018، بعد سبعة أعوام على إقفالها. وأعلن وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد لاحقا أن هذه الخطوة من شأنها أن تساهم في ضمان استعادة سوريا مكانتها في العالم العربي. بيد أن إعادة فتح السفارة، التي أعقبتها زيارات ثنائية عدة لرجال أعمال ومسؤولين إماراتيين إلى سوريا، ولوفد سوري إلى الإمارات في كانون الثاني 2019، أثارت العديد من التساؤلات في الإعلام والأوساط الدبلوماسية الأوروبية حول معنى وتأثير ما قدم على أنه تغيير في السياسة الإماراتية. فأبو ظبي التي تشكل الإمارة الأقوى من بين الإمارات السبع التي تتألف منها دولة الإمارات العربية المتحدة، تعد المحرك الرئيسي لسياسة البلاد الخارجية، في حين أن دبي التي ينبع نفوذها في المقام الأول من الدور الذي تضطلع به بوصفها مركزا اقتصاديا وتجاريا للقطاعات غير النفطية، شهدت تراجعا في نفوذها السياسي منذ الأزمة المالية في العامين 2008 و2009.
وقد رأى العديد من المحللين أن إعادة فتح السفارة قد تكون لها آثار كبيرة على مسألة إعادة إضفاء الشرعية على الحكومة السورية ضمن العالم العربي، والمجتمع الدولي الأوسع. فضلا عن ذلك، شكلت العودة المحتملة للاستثمار الاقتصادي الإماراتي إلى سوريا، موضع الكثير من التكهنات. فإعادة الإعمار في سوريا تمثل اليوم واحدة من أكثر القضايا الخاضعة للنقاش في الأوساط الأكاديمية وأوساط صنع السياسات، ولا تزال المصادر المحتملة للتمويل الأجنبي لها غير مؤكدة إلى حد كبير. ولا بد إذا في هذا السياق من فهم الدور المحتمل الذي قد تضطلع به الإمارات في سوريا.
الزيارة الأخيرة تثير الجدل
شكلت زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق مفصلا مهما في العلاقات العربية، والخليجية خصوصا، تجاه سوريا، وأثارت جدلا بدأ منذ لحظة الإعلان عنها، ويبدو أن هذه الزيارة تشكل أحد مؤشرات التغييرات التدريجية التي بدأت مؤخرا للانتقال إلى مرحلة جديدة من الانفتاح على دمشق، وعودة سوريا إلى دورها الإقليمي والعربي والدولي.
كما أن تلك الزيارة سبقتها عدة مؤشرات على تطور العلاقة بين البلدين، فقبل نحو شهر كان هناك اتصال بين ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد والرئيس بشار الأسد.
الموقف الإماراتي من سوريا خلال السنوات الماضية تطور منذ لحظة إعادة فتح السفارة في أواخر 2018 ثم توالت الاتصالات بين البلدين بشكل مستمر، إضافة إلى مشاركة سوريا في معرض إكسبو في دبي، واللقاء بين وزيري نفط البلدين في روسيا. كما أن الإمارات بذلت جهودا لكسر الحصار الاقتصادي الذي تنفذه الولايات المتحدة على سوريا عبر قانون قيصر.
ومن خلال البيان الرئاسي السوري فقد جرى التطرق إلى الواقع العربي والإقليمي، آخذين بالاعتبار أن الوزير الإماراتي غادر دمشق إلى عمان، وسبق لملك الأردن أن اتخذ خطوات أخرى ضمن إطار تطوير العلاقة الثنائية والطلب من الرئيس الأمريكي جو بايدن كسر قانون قيصر فيما يتعلق بخط الغاز العربي.
و يمكن القول بشكل عام إن هناك إعادة تقييم شامل على الصعيد العربي لواقع العلاقة مع سوريا، خاصة بعد انكشاف كثير من الأرواق حول طبيعة الحرب عليها وانكشاف واقع الإرهاب، وتغلغل النظام التركي ومحاولة احتلاله أراض سورية تحت عناوين مختلقة على حساب الأمن القومي العربي.
سوريا ضرورة لا بد منها لمنظومة الأمن العربي
إن ما تعرضت له سوريا خلال السنوات العشر الماضية أثبت لجميع الدول العربية أن إخراجها أو عزلها أو اسقاطها أصبح من الماضي، وأن وجود سوريا كجزء من منظومة الأمن القومي العربي أو الجامعة العربية هو أكثر من ضرورة.
كما أن الجميع بدأ يشعر بذلك، خاصة بعد انكشاف أوراق مثل وجود تنظيمات الإخوان المسلمين، ودعم الإرهاب الذي تقوم به دول إقليمية ودول عربية.
تكهنات حول ما حملته الزيارة
وحول المعلومات عن زيارة الرئيس الأسد إلى الإمارات، هناك أحاديث عن دعوة الأسد إلى أبو ظبي، أو زيارة محمد بن زايد إلى دمشق، وهذا متوقع ولا نستطيع البت به ، لكن الأساس أن هناك تحضيرات لمشاركة سوريا في القمة العربية التي ستستضيفها الجزائر في مارس القادم.
خاصة أن الرئيس عبد المجيد تبون سبق وتحدث عن أن القمة لن تعقد دون مشاركة سوريا، وهو ما يعني بداية مرحلة جديدة ستبدأ معالمها تظهر خلال الأشهر القادمة، آخذين بالاعتبار أن وزير الخارجية السوري خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الماضي التقى عددا من وزراء الخارجية العرب بمن فيهم مصر، وهذا مؤشر على بدء تغيرات تدريجية بدأنا نرى معالمها، وأحد مؤشراتها هو زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق.
مرحلة الانفتاح على سوريا
كل هذه المؤشرات تشير إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة من الانفتاح على دمشق وعودة سوريا إلى دورها الإقليمي والدولي المهم جدا خاصة أن دمشق تعتبر نقطة توازن أساسية في المنطقة وفي العلاقات الدولية.
دولة الإمارات، تعد أهم الشركاء التجاريين لسوريا على المستوى العالمي وتحتل المرتبة الأولى عربياً والثالثة عالمياً، وتستحوذ على ما يتجاوز نسبته 14% من تجارة سوريا الخارجية، مشيرا إلى أن حجم التبادل التجاري غير النفطي خلال العام الماضي 2020 بلغ نحو 2.6 مليار درهم، فيما بلغ خلال النصف الأول من العام الجاري 2021 نحو مليار درهم، فيما تجاوزت قيمة الاستثمار السوري المباشر في دولة الإمارات 1.5 مليار درهم بنهاية 2019.
المحللين الإماراتيين والتبريرات
قال حسن إبراهيم النعيمي، المحلل السياسي الإماراتي إن "أثناء اندلاع ثورات الربيع العربي اتخذ العديد من الدول موقفًا من النظام السوري بسبب ردة فعله تجاه شعبه وبدأت تلك الدول تساند المليشيات والتنظيمات المناوئة للنظام وتدعمها بالمال والسلاح والدعم اللوجستي ودخلت في الصراع الدائر في سوريا الدول التي لها أطماع توسعية وساندت النظام فتدخلت في الصراع كثير من الدول بدوافع مختلفة مما أدى إلى عدم الاستقرار وتكبدت جميع الأطراف الخسائر الباهظة وكان التوتر هو سيد الموقف ولم تبد في المستقبل المنظور بوادر حسم تلك الصراعات.
وبحسب قوله: اليوم تبدلت المعطيات واختلفت الاستراتيجيات وأصبح الجميع يسعى إلى الاستقرار والسلام في المنطقة وتوفير المال المهدر وتوجيهه للتنمية لتجاوز الأزمات التي حلت بالعالم في الفترة الأخيرة، وتراجعت سياسات الدول بما فيها الولايات المتحدة وأصبح التركيز حاليا على الداخل وتقليص النشاطات الخارجية.
كما يرى النعيمي أن دولة الإمارات ودول الخليج تغيرت سياساتها أيضا فحل التعاون والتكامل الاقتصادي والأمني بين الدول محل الصراعات وأصبح إحلال الاستقرار والسلام في المنطقة هو الهدف الاستراتيجي للجميع.
التقارب الاماراتي السوري "بيضة القبان"
يبدو أن التعاون والتقارب الإماراتي السوري هو عامل مساعد ولكن ليس حاسماً في تطور العلاقات السورية مع باقي الدول الخليجية في نفس الاتجاه، لا سيما أن هناك ملامحا للاختلاف ضمن مجلس التعاون ما بين الإمارات والسعودية تجاه بعض القضايا بما فيها الحرب في اليمن.
ولكن بالمقابل فإن وجود اتجاهات إيجابية سابقة ومستمرة في العلاقات السورية مع كل من البحرين وعمان، وبدرجة أقل مع الكويت، قد يجعل من تطور العلاقات السورية - الإماراتية "بيضة القبان" التي تحتاجها المنظومة الخليجية، (وتالياً العربية)، لاستعادة العلاقات الطبيعية مع سوريا، وكلما تقدمت الإمارات خطوة في هذا الاتجاه، فذلك بلا شك يساهم في تسريع عودة العلاقات الطبيعية إن كان ضمن إطار الجامعة العربية، أو في إطار العلاقات الثنائية العربية - العربية، والعربية السورية بشكل خاص.