الوقت_ عقب الخلاف الحاد الذي طفا إلى السطح بين السعودية وحليفتها التقليديّة الإمارات، حول تمديد اتفاق خفض الإنتاج النفطيّ وفشل المحادثات التي كانت تهدف إلى تجاوز الخلاف بين الدول المصدرة للنفط "أوبك بلس"، اعتبر مستشار مقرب من السلطات الإماراتية أن الرياض وجهت ما أسماها "ضربات تحت الحزام" إلى جارتها وحليفتها الخليجيّة أبو ظبي في ظل الخلاف النفطيّ العلنيّ الذي يشي بوجود حرب اقتصاديّة تنافسيّة، ليضيف هذا الملف أزمة أخرى للعلاقات بين البلدين، والتي من ضمنها التنافس المحموم على اليمن، والعلاقة مع قطر وتركيا، وسباق التطبيع مع الكيان الصهيونيّ المجرم.
"الأمور ستبقى تحت السيطرة" بحسب المستشار الإماراتيّ، لكن الأمور بين السعودية والإمارات لن تبق تحت السيطرة طويلاً، خاصة أنّ الإمارات ترغب بمنافسة السعودية في "تحد نادر" من جارة وحليف وثيق ضمن سوق النفط، ومملكة آل سعود كما يعلم الجميع هي أكبر مصدر للنفط الخام في العالم وصاحبة أكبر اقتصاد في العالم العربيّ، وإنّ تباين مواقف الدولتين حول مستقبل إنتاج النفط، ليس خلافاً عاديّاً بل حرباً اقتصاديّة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
وفي الوقت الذي كثرت فيه التساؤلات حول مستقبل العلاقة بين الرياض وأبو ظبي، أكّدت وكالة "فرانس برس" الفرنسيّة نقلاً عن المصدر ذاته، وجود خلافات أخرى بين الدولتين خاصة تطبيع الإمارات مع العدو الصهيونيّ العنصريّ في مختلف المجالات، حيث إنّ لدى السعوديّة رغبة كبيرة بالتطبيع مع الصهاينة وترغب في منافسة الإمارات في ذلك الملف، لكن الظروف السياسيّة والدينيّة تمنع حكام آل سعود من اتخاذ هذه الخطوة في ظل الرفض الشعبيّ القاطع للتطبيع، والذي يستند إلى مبررات أخلاقيّة وإنسانيّة ودينيّة.
كذلك، من ناحية موقف السعودية المُصر على المصالحة مع قطر، حيث إنّ الدول الخليجيّة تدرك جيداً أنّ عودة المياه إلى مجاريها بشكل إعلاميّ مع النظام الإخوانيّ في قطر وإعادة الدوحة إلى الحضن الخليجيّ لا يعني أنّ المشكلات العميقة بين الدول الخليجيّة قد انتهت إلى غير رجعة، وبالتحديد بين قطر والإمارات المتناقضتين فكريّاً وسياسيّاً، وإنّ الادعاءات الواهية بأنّ صفحة الخلافات قد طويت لا تعدو عن كونها "دعاية إعلاميّة مضللة"، فأيّ خلافات تلك التي تنتهي بمجرد لقاء أو تصريح أو إعلان عودة للعلاقات بعد مقاطعة دامت لسنوات، وقد أخذت "المصالحة الخليجيّة" التي فرضتها السعودية بعداً إعلاميّاً أكثر من كونه سياسيّاً، فما حصل بين تلك الدول هو تخفيف لحدة التوتر ليس أكثر، ولا يعدو عن كونه "مصالحة إقليميّة" واسعة النطاق ليست أهم من المصالح والسياسات المتباينة تجاه القوى الخارجيّة.
أيضاً، الخلافات الإماراتيّة السعوديّة في اليمن، والتي تنبع من اختلاف المصالح والأهداف إضافة لعداوة أبو ظبي مع "الإخوان المسلمين لأنّ الصراع معهم يعتبر من المبادئ الأساسيّة للسياسة الإماراتيّة، فيما تتغاضى السعودية عن تلك المسألة من أجل تحقيق أهدافها في اليمن، كما أنّ الإمارات تضع ضمن أهدافها محاربة حزب الإصلاح في اليمن (فرع الإخوان المسلمين في اليمن)، بينما تستضيف السعودية قيادات الحزب وتتعاون مع قواته العسكريّة على الأرض لمساندة قوات الرئيس اليمني المستقيل، عبد ربه منصور هادي، الذي تتنازع معه أبوظبي بسبب الحضور اللافت للإخوان في حكومته.
ووفقاً لصحيفة "الإندبندنت" البريطانيّة، فإنّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، يُنظر إليهما لسنوات كقوة تحديث لمنطقة الشرق الأوسط، وكلاهما مؤيدان بشدة لأمريكا، ويتعاونان على عدد من الجبهات الاستراتيجيّة والاقتصاديّة، كما أن لديهما طموحات كبيرة ومتضاربة لدولهم، وكانت احتماليّة التنافس دائما تحت السطح، فيما تعبر الإمارات نفسها منافساً للسعودية وليس شريكاً لها، مشيرة إلى أنّ البلدين يندفعان نحو بناء مخازنهما من الأسلحة المتقدمة، وهما من بين المشترين الرئيسيين للأسلحة في العالم، ويبدو أنهما يحاولان أحياناً التفوق على بعضهما من خلال الوصول إلى أحدث أدوات الحرب، وكلاهما يحاول التفوق على الآخر في الوصول إلى أروقة السلطة في الولايات المتحدة.
إذن، كثيرة هي نقاط الخلاف بين السعودية والإمارات المتصارعتين ضمنياً والمتحالفتين ظاهريّاً، وقد برزت تطورات الخلاف بشكل واضح مؤخراً إذ أعلنت وزارة الداخلية السعودية تعليق الرحلات الجوية إلى 3 دول، من بينها الإمارات، بحجة الوقاية من السلالة الجديدة لفيروس كورونا المستجد، فيما ردت الإمارات بالمثل، وعلقت شركة "طيران الإمارات" جميع رحلاتها من وإلى السعودية حتى إشعار آخر، واعتبر ذلك إشارة جليّة لاحتدام الخلاف بين الدولتين الخليجيتين الجارتين، ما يرفع من احتماليّة أن يتحول صديق الأمس إلى عدو اليوم.