الوقت- أفادت قناة الجزيرة الفضائية بأن الموعد النهائي لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وسوريا يقترب.
ونقلت هذه الشبكة الإخبارية عن مسؤول عسكري كبير في المعارضة السورية يقال إن له صلات وثيقة بوزارة الخارجية السعودية ووكالة المخابرات العامة( (GID، زعمه أن الوضع السياسي في البلاط السعودي قد تغير، وأن العديد من القادة السياسيين في الحكومة السعودية وخاصةً محمد بن سلمان، حريصون على إعادة بناء العلاقات مع حكومة بشار الأسد.
في أوائل شهر مايو، عندما کشفت وسائل الإعلام الزيارة السرية لرئيس الاستخبارات السعودي خالد الحميدان إلى دمشق، اشتد الجدل حول إمكانية تهدئة التوترات بين العدوين السابقين.
وقد تعزز هذا الاحتمال بزيارة أول وفد من دمشق برئاسة وزير السياحة السوري رامي مرتيني إلى الرياض في مايو/ أيار، بعد 10 سنوات من الانقطاع التام.
إعادة فتح المسار المسدود للسياسة الخارجية
في الأشهر الأخيرة، اتخذت الحكومة السعودية مواقف وإجراءات ناعمة تجاه منافسيها الإقليميين، الأمر الذي يمكن وصفه بأنه نقطة تحول في سياسة الرياض الإقليمية.
هذا النهج، الذي بدأ برفع الحصار عن قطر والمصالحة في مجلس التعاون في وقت سابق من هذا العام، تواصل عبر تهدئة التوترات مع تركيا من خلال إجراءات مثل المكالمة الهاتفية التي أجراها الملك سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال قمة العشرين، ثم زيارة وزير الخارجية التركي للسعودية، واستمر هذا الاتجاه في الأسابيع الأخيرة مع تغيير واضح في لهجة محمد بن سلمان فيما يتعلق بالعلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
لا شك أن محمد بن سلمان ومن خلال هذا الدوران يسعى إلى فتح الطريق المسدود للسياسة الخارجية والإقليمية السعودية، الأمر الذي وضع الرياض في معضلة جيوسياسية.
في الواقع، إن التحول الأخير هو نتاج العديد من الإخفاقات في مجال السياسة الإقليمية، مع الإجراءات العدوانية والمتطرفة لمحمد بن سلمان في مواجهة الخصوم.
الهزيمة النکراء التي لحقت بالتحالف السعودي في اليمن وتفكك الجبهة السعودية المتحدة في الحرب، الفشل في ملف حصار قطر والتراجع من المواقف الأولية لرفع الحصار، فشل الجناح التكفيري الإرهابي المدعوم سعوديًا في الحرب السورية وتهميش وفد المعارضة التابع للرياض في المفاوضات السورية المقبلة، وتشكيل عملية طرد الولايات المتحدة من المنطقة من قبل قوى المقاومة، کل ذلك قد حوَّل الرياض إلی اللاعب الخاسر الرئيسي في التطورات الإقليمية خلال الفترة المضطربة من العقد الماضي.
وهکذا، فإن السعودية ومحمد بن سلمان، الذي يتوق إلى اعتلاء العرش، يجدان نفسيهما مضطرين لاتخاذ خطوات للتخفيف من هذه المشاكل الكبرى في السياسة الخارجية.
لماذا سوريا؟
ترى الرياض أهدافًا وضرورات مختلفة في تهدئة التوترات مع سوريا، ولا تعتبر تأخير مثل هذا الإجراء أمراً مناسباً.
أولاً، يمكن أن يؤدي خفض التصعيد مع سوريا كجناح مهم لمحور المقاومة، دورًا مهمًا في تقليل انعدام الثقة بين الرياض ومحور المقاومة.
ونقلت قناة الجزيرة عن مسؤول في دمشق من وزارة الخارجية السورية کان علی اطلاع بالمحادثات السرية الأخيرة مع الرياض، قوله إن "محمد بن سلمان يحاول تخفيف التوترات مع جمهورية إيران الإسلامية من خلال التواصل مع سوريا".
لقد أجرت طهران والرياض محادثات مباشرة مرةً واحدة على الأقل الشهر الماضي في العاصمة العراقية بغداد. ووفق المسؤولين العراقيين، فإن الموضوع الرئيس لهذه الجولة من المحادثات كان التركيز على التطورات في اليمن.
السعودية التي تواجه مأزقاً كاملاً في حرب اليمن، تسعى للحصول على ظروف للخروج من مستنقع الحرب والهروب من موجة الضربات الصاروخية والطائرات المسيرة اليمنية، التي وجهت ضربةً قويةً بالأمن القومي وإنتاج النفط السعودي وصادراته. وفي هذا الصدد، يأمل محمد بن سلمان أن تكون دمشق فاعلةً في تسهيل المحادثات مع طهران.
ومن الأهداف المهمة الأخرى للسعودية في إعادة بناء العلاقات مع دمشق، والتي تغطي عمليًا المصالح الإيديولوجية والجيوسياسية للرياض، هي مواجهة الإخوان المسلمين.
ثانيا، إن التيار المعارض لدمشق الأقوى والأكثر أهميةً بين المعارضة المسلحة هو التيار الإخواني التكفيري المدعوم من تركيا، والذي لا يزال يسيطر على جزء كبير من محافظة إدلب.
من ناحية أخرى، فإن قيام الرياض في العامين الماضيين، إلی جانب الإمارات، بتوسيع دورها في المناطق الشمالية من سوريا ودعم ما يسمى بمسلحي قوات سوريا الديمقراطية(قسد)، يظهر تخوف السعودية من خطط أنقرة للتدخل في أوضاع العالم العربي.
وتشكل الدولة السورية، عبر الدعم الداخلي العام له وتحالفه مع محور المقاومة، حاجزًا قويًا ضد الإرهاب المصنوع من الخارج، وكذلك منع عملية تفكك سوريا.
أما البعد الثالث فهو أن السعودية تجد نفسها مضطرةً لقبول ضرورة إعادة بناء العلاقات مع دمشق، وعدم التخلف عن قافلة الدول الأخرى التي أحيت العلاقات مع سوريا. کما يكتسب موضوع ضرورة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية المزيد من المؤيدين في العالم العربي يوماً بعد يوم.
الإمارات، أقرب حليف للسعودية في مجلس التعاون، أعادت من قبل فتح سفارتها في دمشق، ومن الطبيعي أن مقاومة الرياض للانضمام إلى مثل هذه العملية لن تؤدي إلا إلى زيادة عزلة الرياض في العلاقات الإقليمية.