الوقت- في عام 2008 شنت إسرائيل على مدى شهرين عدواناً عسكرياً استهدف نزع سلاح وصواريخ المقاومة الفلسطينية. وفي خضم تلك الحرب، أرسلت إسرائيل رسالة تهديد إلى حماس تفيد بضرورة تعليق حماس جميع الأنشطة العسكرية لمدة 15 عامًا وإغلاق جميع الأنفاق تحت الأرض، والتي قيل إنها طرق وصول الأسلحة والمعدات العسكرية إلى غزة وإلزام جميع الفلسطينيين والكتائب والفصائل بعدم القيام بأي عمل ضد إسرائيل. وحول هذا السياق، قال "إسماعيل هنية"، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، "عندما فشلت إسرائيل في فرض مطالبها على المقاومة، أوقفت العدوان العسكري من جانب واحد". وبعد تلك المعركة، وقع وزيرا الخارجية الإسرائيلي والأمريكي اتفاقية تعرف باسم اتفاقية "ليفني – رايس"، التي فرضت حصار بحري على قطاع غزة ومنع وصول شحنات الأسلحة إلى هذا القطاع. وبذلك تم محاصرة قطاع غزة برا وبحرا لمنع وصول السلاح للمقاومة. لكن بحسب "أبو إبراهيم"، أحد القادة المسؤولين عن وحدة الإنتاج الحربي في كتائب "عز الدين القسام"، الفرع العسكري لحركة حماس، فقد كانت فصائل المقاومة الفلسطينية بأمس الحاجة إلى صواريخ "الكورنت وفجر 3"، ولقد وصلت الاسلحة إلى المقاومة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وبالطبع، إضافة إلى الجمهورية الإسلامية، قدمت سوريا والسودان أيضًا المساعدة للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
وفي تشرين الثاني 2012، في أعقاب اغتيال إسرائيل لـ"أحمد الجابري"، أحد قادة حماس، قامت المقاومة الفلسطينية بشن هجمات على "تل أبيب" من قطاع غزة لأول مرة بالصواريخ، وهو الأمر الذي أجبر إسرائيل بسرعة على الانسحاب بعد ثمانية أيام على عدوانها العسكري على قطاع غزة. ولقد تزامن ذلك العدوان مع الاضطرابات التي حدثت في المنطقة والمعروفة باسم "الثورات العربية" أو "الربيع العربي"، ومن بينها مصر التي أعلنت دعمها الواسع وغير المشروط للمقاومة الفلسطينية، وسرعان ما أدى ذلك إلى الإطاحة بحكومة الإخوان التي قادها الرئيس السابق "محمد مرسي" وقيام "عبد الفتاح السيسي" بانقلاب عسكري على الحكومة الشرعية وتولي زمام الامور في مصر بمساعدة إسرائيل والولايات المتحدة.
ومع تولي "السيسي" للسلطة في مصر، شهدت العلاقة بين المقاومة الفلسطينية والقاهرة تغيرات كبيرة، بما في ذلك حقيقة أن مصر دمرت أو أغلقت العديد من الأنفاق بين البلاد التي تتصل بقطاع غزة، لاعتقادها أن الأسلحة تصل عبر هذه الأنفاق إلى أبطال المقاومة الفلسطينيين. كما تم بناء أسوار ومنطقة عازلة جديدة بين مصر وقطاع غزة في منطقة "رفح"، على طول الحدود المشتركة بين الجانبين. وفي ذلك الوقت وقفت إسرائيل ضد قطاع غزة، لأن "تل أبيب" رأت في ذلك أفضل فرصة لفرض مطالبها على المقاومة الفلسطينية في غزة. وكان من أهم مطالب إسرائيل خلال فترة العدوان هذه وقف العمليات العسكرية لحركة حماس وإغلاق الأنفاق الاستراتيجية للحركة التي تصنع بداخلها أسلحة المقاومة. ولكن ذلك العدوان العسكري الإسرائيلي توقف دون تحقيق "تل أبيب" رغباتها وأهدافها. وانتهت الحرب في قطاع غزة بدمار واسع النطاق، وتم تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بتشديد الحصار والعقوبات على قطاع غزة، وتشكيل فصائل مقاومة جديدة. وفي هذا السياق، قال "أبو إبراهيم": "في البداية، كان من المفترض أن يتم جمع هذه الصواريخ والاسلحة الاسرائيلية من المناطق السكنية ومن داخل المنازل والمزارع بسبب التهديد الذي تشكله على المدنيين". وبعد جمع الصواريخ والمدافع والرصاص والقنابل، اتضح أن المقاومة كانت تواجه جبلًا من الأسلحة الإسرائيلية بأنواعها كانت بمثابة وقود ومتفجرات تصل قوتها إلى من قوى مادة الـ TNT.
وفي ذلك الوقت تقرر إصلاح الذخائر غير المنفجرة وإعادة تجهيزها للاستخدام، واستخدام الأسلحة التي لا يمكن اعادة إصلاحها في جميع المكونات لإنتاج أسلحة أخرى. ولم تكن هذه مهمة سهلة ولقد واجهت المقاومة الفلسطينية العديد من العقبات، بما في ذلك الافتقار إلى المرافق والمعدات الضرورية. ولمعالجة أحد هذه النواقص، قامت المقاومة بشق الأرض لإزالة أنابيب المياه التي بناها الكيان الصهيوني لتزويد المستوطنات الصهيونية من شرق قطاع غزة إلى غرب الأراضي المحتلة، ولسرقة موارد المياه الجوفية في قطاع غزة. ولكن بعد الانسحاب من هذه المستوطنات تم نسيان هذه الأنابيب. لقد أحدثت أنابيب المياه السميكة والقوية هذه ثورة في إنتاج صواريخ المقاومة في قطاع غزة. وبهذه الطريقة، تم استخدام أنابيب المياه هذه في ورش المقاومة تحت الأرض لبناء وإنتاج صواريخ بعيدة المدى، والتي حققت أيضًا نجاحًا كبيرًا. وبحسب "أبو إبراهيم"، فإن هذا الحجم من الذخائر غير المنفجرة والأسلحة والصواريخ الجديدة التي تم إنتاجها لم يعوّض فقط عن عيوب المقاومة، بل ضاعف من قدراتها أيضًا، خلال العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاه غزة عام 2019 ، حيث تم استخدام تلك الاسلحة لمواجهة الصهاينة. ولقد أدت عملية تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية، بما في ذلك السودان والكيان الصهيوني، إلى القضاء على أحد أهم عمليات نقل الأسلحة من الجمهورية الإسلامية إلى قطاع غزة. كما أقامت الإمارات قاعدة عسكرية في البحر الأحمر تسمى "برنيس"، والتي أصبحت فيما بعد قاعدة عسكرية لمنع نقل أي أسلحة إلى قطاع غزة، وبالطبع تم تنسيق ذلك من قبل الصهاينة.
عدم اكتشاف اسرائيل للأنفاق الفلسطينية يرجع إلى قدرة أجهزة حماس الأمنية والاستخبارية
في السابق لم يكن لدى "حماس" جهاز استخباراتي وأمني خاص، وبعد تأسيسها عام 1987 وحتى عام 2000، بعد بداية انتفاضة الأقصى، اعتمدت على نشاطها الاستخباري البسيط، ولكن بعد عام 2000 أصبح الجهاز الاستخباري مهماً في الحركة، وبعد الاجتياح العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة عام 2008، أصبحت أهمية هذا الجهاز أكثر وضوحاً له أكثر من أي وقت مضى. وكان من أهم نجاحات أجهزة المخابرات والأمن التابعة لحركة "حماس" خلال هذه السنوات الحصول على وثائق سرية لجيش الاحتلال الصهيوني، حيث حصلت عليها القوات البحرية التابعة للحركة بعد تسللها إلى قاعدة "زكيم" البحرية في بداية عدوان 2014. وحول هذا السياق، قال "عدنان أبو عامر"، خبير الشؤون الإسرائيلية، "بعد انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005، اشتدت الحرب بين حماس والكيان، وعندما فقدت إسرائيل مصدرًا كبيرًا للمعلومات، حاولت تل أبيب بالتعويض عنه عبر قيامها باستهداف قطاع غزة بالصواريخ".
وبعد فوز حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية الفلسطينية لأول مرة في عام 2006 وإعلانها لاحقًا عدوًا لإسرائيل في قطاع غزة، أدركت الحركة أن غزة ستكون المنطقة المستهدفة، مما يعني التركيز الصهيوني على عمليات الاستخبارات والاستطلاع على حكومة حماس في غزة . وفي ذلك الوقت علمت حركة "حماس" أنها ستُستهدف بشكل رئيسي من قبل إسرائيل وثانياً من قبل السلطة الفلسطينية، ومن قبل الأنظمة العربية المجاورة، وفي بعض الحالات من بعض دول العالم الغربي، بعمليات استخباراتية وأمنية، لذلك كان عليها مواجهة إسرائيل نفسها. ومن ناحية أخرى، على الرغم من أن حركة حماس لم يكن لديها الكثير من المعدات والقوات، التي يملكها الجانب الآخر، إلا أنها استطاعت توجيه ضربات قاتلة ومميتة أحيانًا إلى النقاط العسكرية والسياسية والأمنية الحساسة في إسرائيل، وذلك بمساعدة جهازها الاستخباري والامني القوي.
ومن أهم إنجازات هذه التغييرات الهيكلية والتنظيمية في جهاز استخبارات وأمن حركة "حماس"، إسقاط طائرة إسرائيلية من دون طيار في جنوب قطاع غزة خلال مهمة استطلاعية كانت تقوم بها، حيث نجحت بعدها أجهزة المخابرات والأمن التابعة لحماس في عدة عمليات عسكرية، وفي عملية أخرى حصلت أجهزة المخابرات والأمن التابعة لحماس على وثائق سرية شديدة الحساسية وخطيرة تفيد بأن الجيش الإسرائيلي يُعد خطة لتنفيذ عملية عسكرية على قطاع غزة. وفي النهاية، يمكن القول أن ما يميز جهاز استخبارات وأمن "حماس" هو استخدام نظام قوي وشفاف وتصميم هذه الحركة الدائم على تطوير وتوسيع هذا الجهاز وأنشطته على جميع المستويات، ولهذا السبب لا تستطيع إسرائيل الوصول إلى مصانع أسلحة "حماس" في قطاع غزة.