وكالة مهر للأنباء دمشق - مهدي عزيزي: الانتخابات السورية مقررة في 26 أيار المقبل في كل المدن السورية، طبعا باستثناء القليل من المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعات الارهابية. المرشحون لانتخابات الرئاسة السورية هم الرئيس السوري الحالي بشار الأسد، ومحمود مرعي، وعبد الله عبد الله. هذه الانتخابات الرئاسية هي الثانية في سوريا منذ 2014؛ ومع كل الضغوط لتشويه سمعة هذه الانتخابات أو اعتبارها غير ذات أهمية والتشكيك في نتيجتها وعملية إجرائها، إلا أنه لا بد من القول إن نوع وطريقة إجراء هذه الانتخابات قيد الدراسة.
تشكك واشنطن والغرب في الانتخابات بينما يعترفان في نفس الوقت بنظام الحكم في الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية وكأنه مسألة طبيعية، ولا يقتصر الأمر على الصمت فحسب، بل يدعمان الأنظمة العربية التي تقمع أوضح أمثلة وتعريفات ديمقراطية عند الغرب. أما في سوريا فهناك على الأقل المعايير الرئيسية لإجراء الانتخابات من حيث التعريف الغربي. تواجد الشعب السوري في مراكز الحملات الانتخابية في دمشق وجميع المدن السورية أعطى وجهًا مختلفًا لهذا البلد المضطرب، بلد لا يزال يرزح تحت عواقب الدمار والحرب، ومن ناحية أخرى، أثر قانون قيصر عليه بشدة. يبدو أنه إلى جانب المشاركة في الانتخابات، هناك فهم صحيح وسليم للمواطنين السوريين حول التطورات في المنطقة، والسيناريوهات التي تم تنفيذها ضد هذا البلد واحداً تلو الآخر. مما لا شك فيه، أن من بين المشاركين في الانتخابات من ظن في الأيام الأولى لصعود الجماعات الإرهابية في سوريا أنهم يبدؤون بعملية إصلاحية آخذة في التبلور. لقد أدرك السوريون والعراقيون، أكثر من أي دولة أخرى، وحشية وانعدام الأمن في فكر ونظام الجماعات الإرهابية، الذي هو مزيج من الفكر الوهابي والتكفيري مع الدعم السياسي والمالي من الولايات المتحدة. وهذه المرة أيضًا، تُبذل جهود لتمهيد الطريق لعودة داعش من خلال منع إقامة عملية ديمقراطية سلمية في سوريا.
كان الدافع الرئيس لإيجاد الإرهاب في سوريا هو محاولة إضعاف أحد المحاور الرئيسية للمقاومة. كانت التطورات الإيجابية إلى جانب المقاومة على مدى الأشهر القليلة الماضية في المنطقة كبيرة لدرجة أنها، بالنسبة للبعض، قد تؤدي مرة أخرى إلى سوء تقدير إذا تم التخطيط مع مسألة إضعاف المقاومة أو إزالتها بتفاؤل أكثر من اللازم؛ وذلك كما حدث في بداية الأزمة السورية والحرب اليمنية؛ حيث سمعنا الآراء المتسرعة التي تصورت أن سوريا ستسقط في الأسابيع الأولى، وأن اليمن سينهار تحت هجمات عاصفة الحزم في الأسبوع الأول. لقد ارتكب نهج ترامب السياسي تجاه المسائل الإقليمية في الشرق الأوسط، وخاصة الأراضي المحتلة، خطأ استراتيجياً كبيراً؛ إذ بيّن لأصدقاء أمريكا في المنطقة بأن كل شيء قد انتهى وأن المقاومة في طريقها للزوال. ومن هنا وضعت بعض هذه الدول العربية كل أصولها في سلة ترامب ونأت بنفسها عن التوجهات والأحزاب السياسية الأمريكية الأخرى. رغم أن ترامب سعى إلى استخدام تطبيع علاقات الكيان الصهيوني مع العرب، أو بالأحرى إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات العربية الاسرائيلية، ومبادرات مثل خطة ضم الضفة الغربية، وصفقة القرن، ونقل السفارة كاستهلاك داخلي لكلا الطرفين الإسرائيلي والأمريكي؛ إلا أن التطورات اللاحقة أظهرت لترامب ونتنياهو عكس ما تصورا. لكن في الأيام الأخيرة حدث شيء مهم يمكن وصفه بأنه فصل جديد في تاريخ المقاومة، فصل سيُعترف به كنقطة محورية في فلسطين ومحور المقاومة، وهو حرب غزة الأخيرة، بداية تفكك المجتمع الصهيوني.
وبذلك يمكن القول إن إجراء الانتخابات في سوريا، التي كانت المحور الرئيسي للمقاومة ضد الهيمنة الأمريكية والنظام الصهيوني، إلى جانب عملية المقاومة الميدانية الفريدة، هي خيبة أمل جديدة لعرب التطبيع؛ وهي إحياء للمقاومة في الساحة السياسية، بحيث يمكن القول في النهاية أن مبادرة الميدان والسياسة اليوم بيد المقاومة.