الوقت- وجّه نحو 300 ناشط ومنظمة دعوة السبت لوقف ما اعتبروه “الحرب المعلنة على الشعب الجزائري” من النظام وطالبوا بعدم “تجريم الحراك السلمي”، وفق ما أفادت مواقع إلكترونية مقربة من الحراك الاحتجاجي.
وتقول العريضة التي أطلقها أصحاب نداء 22 فبراير، وعلى رأسهم المحامي مصطفى بوشاشي والصحفي إحسان القاضي إن عددا من الجزائريين يتعرضون منذ عدة أسابيع إلى "أخطر فصول القمع والتصعيد التي تستهدف حقوقهم وحياتهم".
وجاء في نص العريضة: "يهدف هذا العدوان الأمني والقضائي لمنع المواطنين من التعبير بحرية عن آرائهم والمطالبة بحقهم في التظاهر السلمي والإضراب والتعبير في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي بل وحرمانهم من الوجود كمواطنين، وقد اتخذت وضعية الحال هذه منحى حرب مفتوحة على الشعب الجزائري لما صارت تستهدف يوميا جميع الفئات الاجتماعية عبر كامل مناطق البلاد".
وقال المحامي عبد الرحمان صالح وهو أحد الموقعين على العريضة: "أحصينا 2800 حالة توقيف تعسفي من شهر مارس وأبريل، 48 منهم تم إيداعهم الحبس المؤقت، بالإضافة إلى 62 مواطن لايزلون رهن الحبس المؤقت".
وقال المحامي: "الأمر لا يتعلق بالموقفين فقط بل بالجو العام السائد في البلد، حيث يتم الاعتماد على الحل الأمني رغم أن المسيرات سلمية".
وينفى الموقعون على البيان أن تكون العريضة موجهة إلى منظمات أجنبية لدعوتها للتدخل في الشؤون الداخلية للجزائر.
وقال صالح: "هذه العريضة موجهة إلى رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عبد المجيد تبون، نطالبه بإعادة النظر في السياسية العامة للبلاد خاصة المتعلقة باعتماد الحل الأمني كلغة حوار بين السلطة والمتظاهرين".
من جهته، عبر الحقوقي مصطفى بوشاشي عن امتعاضه من الوضع الحالي لحقوق الإنسان في الجزائر، وقال: "يتم اعتقال الناس عندما يمارسون حقهم في التظاهر السلمي المضمون دستوريا، منهم الأستاذ الجامعي والطالب والصحفي، إن كانو شبابا أو مسنين، رجالا أم نساء ويعنف البعض عند اعتقالهم. كل هذا من أجل تمرير انتخابات، نتائجها معروفة مسبقا، ستعمّق الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد. أندد وأدين هذه الاعتقالات والانتهاكات لحقوق الإنسان".
وفي السياق ذاته، قال المحامي عبد الغاني بادي: "نظام لا يقدم شيئا لأتباعه سوى جرعات فاسدة من الانتخابات، يتناولونها ثم يعودون لسباتهم في انتظار انتخابات أخرى".
في مقابل ذلك، دشن آخرون هشتاغ على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان "بوشاشي لا يمثلني ولا تتكلم باسم الشعب الجزائري"، وهاجموا أصحاب المبادرة والأفكار التي يطرحها البيان.
كما نشر المعارضون لأفكار "نداء 22 فبراير" عريضة مفتوحة أمام المواطنين للتوقيع عليها تنديدا بالذين يحاولون استغلال الحراك لأغراض غير بريئة، على وصفهم.
وقال الإعلامي أسامة وحيد وصاحب المبادرة: "يهدفون للسطو الممنهج على الحراك الشعبي الأصيل، الذي كان هدفه وطن وليس تمكين فصيل وطيف أيديولوجي معين".
وكتب: "يجب وضع حد لمسلسل العبث الذي تمارسه فئة معينة باسم الشعب وذلك في لعبة احتكار واحتقار لصوته، يجب إنهاء لوصاية طيف البريد المركزي الأيديولوجي والذي استغل مساحة الأضواء لينصب نفسه وصيا على حراك الشعب الأصيل".
من جهته، وصف عضو مجلس الأمة السيناتور عبد الوهاب بن زعيم، البيان بالمحاولات البائسة والفاشلة التي يقودها أصحابها، وقال :"الشعب يعرف من المعتدين الذين فشلوا في استدراج المؤسسات الأمنية إلى الفوضى".
وأضاف: "هناك محاولات لإضعاف المؤسسات الأمنية والظهور في ثوب الضحية من طرف بعض الأطراف، يستخدمون السب والشتم من طرف بعض المندسين والمشبوهين والمغامرين والمنتفعين وحتى ممن أجورهم مدفوعة يوميا وشهريا".
ويتزامن هذا النقاش مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقررة بتاريخ 12 يوليو 2021، وهو الموعد الذي تراهن عليه السلطة باعتباره الحل الوحيد للخروج من الأزمة السياسية عبر انتخاب برلمان جديد ثم المضي نحو تجديد أعضاء المجالس المحلية.
وترى السلطة أن هناك جهات تحاول استغلال الحراك لتعطيل المسار الانتخابي. وقد كشفت العديد من التقارير الأمنية عن مخططات زرعت بين المتظاهرين تقوم بها حركة "رشاد"المعارضة وحركة "الماك" التي تتبنى فكرة فصل منطقة القبائل.
ويؤكد الخبراء أن الجزائر لا تزال تقف أمام مشهد سياسي مشحون بأجواء عدم الثقة بين المواطن والسلطة وهو الأمر الذي سيأثر على الانتخابات التشريعية المقبلة.
وقال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر رضوان بهديل: "الأكيد أن هناك معارضين لمسار الانتخابات ولكن هناك من يدعم خيار التوجه".
وقد قلب الحراك موازين الانتخابات التشريعية حيث تراجعت مكانة القوائم الحزبية وتقدمت القوائم الحرة بشكل واضح جدا.
وقال بوهديل: "الأحزاب السياسية تعيش حالة من الاستنزاف حيث فقدت الكثير من إطارتها الذين توجهوا إلى القوائم الحرة".
وعلق أستاذ العلاقات الدولية على العريضة المطروحة من طرف أصحاب "نداء 22 فبراير" قائلا: "إنها عريضة المحامي بوشاشي وهي تمثله كمواطن وهذا من حقه مثلما كان يدعوا للحقوق الفردية، ولا يمكنه الحديث بأي شكل من الأشكال باسم الشعب الجزائري، عليه أن يؤمن بحق الاختلاف، وما يقوم به بوشاشي هو خلق نوع جديد من الديموقراطية التي تقصي الآخر والتي لا تقبل إلا الأنا".
وأكد بوهديل أن مثل تلك العرائض لا تعتبر حدثا، وهي من وجهة نظره عبارة عن طريق عشوائي في التعامل مع الواقع والمشهد السياسي الذي يستدعي المشاركة السياسية وليس رفع البيانات والشعارات وتهديد الدولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وبينما تتجه الأنظار إلى القوائم الانتخابية التي تستعد خوض غمار الانتخابات التشريعة، فاجأت السلطة الوطنية لمراقبة الانتخابات الرأي العام الجزائري بإعلان رفض ملف تشرح الأمين العام لجبهة التحرير الوطني بعجي أبو الفضل، دون أن تقدم المزيد من التفاصيل عن أسباب الرفض.
ويرى بوهديل أن رفض ملف الأمين العام لجبهة التحرير الوطني يعد درسا لبقية الأحزاب السياسية وكل من يحاول الحديث باسم الرئيس والولاة والوزراء.
وقال: "هذه نقطة مهمة يجب على الجميع أن يثمنها خاصة المعارضة، وهي نقطة تحسب للسلطة عموما والسلطة المستقلة للانتخابات وقد تساعد على استعادة ثقة المواطن".
هذا ودانت العريضة المشتركة “العدوان الأمني والقضائي” للسلطة بعد أن “اتخذت وضعية الحال هذه منحى حرب مفتوحة على الشعب الجزائري”، حسب وكالة الانباء الفرنسية.
وطالب الموقّعون بالإفراج عن المساجين السياسيين ووقف الملاحقة القضائية للمعارضين السياسيين ونشطاء الحراك و”إعادة إقرار جميع الحقوق والحريات التي كفلها الدستور”.
وأضاف الموقعون “لقد أصبح التعذيب (والاغتصاب) وكأنهما عاديان، أما منحنى عنف أجهزة الأمن فأضحى في تصاعد و اتساع مستمرين. لاشيء يمكنه تبرير أن تعامل حكومة النظام القائم المواطنين بهذه الطريقة الفظة”.
وبين الموقعين على العريضة “الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان” و”التجمّع الجزائري ضد التعذيب والظروف السجنية”، إضافة إلى أحزاب سياسية وجامعيين ومحامين وصحافيين ومثقفين ومواطنين بعضهم مغترب.
وحذّر الموقّعون السلطة أنها “بتجريمها الحراك السلمي فإنها تتجه بنفسها نحو مزالق ستؤدي حتما إلى جرائم دولة”.
وتبدو السلطة مصممة على مواصلة “خريطة الطريق” الانتخابية رغم معارضة الشارع الذي يطالب بإرساء دولة القانون وبدء انتقال ديموقراطي وتحقيق استقلالية القضاء، ورغم إعلان أكبر أحزاب المعارضة مقاطعتها للاقتراع.
وفي كلمته بمناسبة عيد العمال السبت، قال الرئيس عبد المجيد تبون إن الانتخابات التشريعية “رهان حيوي سيخوضه الشعب الجزائري بإرادته الحرة والسيدة من أجل بناء مؤسسات قوية وذات مصداقية”.
وأضاف أن “الاستحقاق الوطني الهام تمت إحاطته بكافة شروط النزاهة والشفافية كما تم تسخير له الإمكانيات اللازمة ليؤدي الناخبون واجبهم في كنف السكينة والثقة في المستقبل”.
ووفق “اللجنة الوطنية للإفراج عن المعتقلين”، يوجد حاليا أكثر من 70 موقوفا بتهم تتعلق بمشاركتهم في الحراك و/أو قضايا حريات فردية.
ويطالب الحراك الجزائري الذي بدأ في فبراير 2019 رفضا لترشّح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لولاية خامسة، بتغيير جذري للنظام السياسي القائم منذ استقلال البلاد عام 1962.