الوقت- لم تكن القضيّة الفلسطينيّة يوماً قضية تطبيع، بل كانت على الدّوام قضيّة شعب انتزعت أرضه منه عنّوة، وتحت حدّ السّيف، وعلى هذا الأساس فإنّ اتفاقيات التطبيع المُذلّة التي يقوم سفهاء أبو ظبي والمنامة بتوقيعها لن تحمل في طيّاتها أيّ حلٍ للقضيّة الفلسطينيّة، كون جوهر هذا الصراع وكما قلنا لم يكن التطبيع، وبالتالي لا يمكن أن يكون التطبيع حلاً، بل على العكس كشف تلك الاتفاقيات التي لم يستطع مُوقِّعوها كتمان سرِّها، مدى التآمر على القضيّة الفلسطينيّة في الوقت الذي كانوا فيه يُنادون بحل عادل، وكشف أيضاً أنّ أيّ قراراتٍ للجامعة العربيّة كالمبادرة العربية، لم تكن سوى حبرٍ على ورق.
لماذا غاب قادة المُطبعين؟
يُخبرنا التاريخ أن كل اتفاقيات التطبيع السابقة شهدت وجود قادة الدول التي طبّعت ليُقرّوا تلك الاتفاقيات، حيث حضر الرئيس المصري السابق أنور السادات، مع ورئيس وزراء الكيان الإسرائيلي مناحم بيغن، والرئيس الأمريكي جيمي كارتر في واشنطن عام 1979، للتوقيع على اتفاق كامب ديفيد، وفي اتفاق أوسلو حضر رئيس وزراء الكيان السابق إسحاق رابين، ورئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، بالإضافة للرئيس الأمريكي حينها بيل كيلنتون عام 1993، وفي اتفاق وادي عربة مع الأردن عام 1994 حضور الملك الأردني حينها الحسين بن طلال، بالإضافة إلى إسحاق رابين وبيل كلينتون.
أما اليوم؛ وفي أكثر اتفاق تطبيع إثارة للجدل؛ غاب عنه قادة الكيانات العربيّة المُطبعة "الإمارات والبحرين، ويكتفون بوزراء خارجيتهم للتوقيع على تلك الاتفاقيات، وذلك بهدف التخفيف من موجة الاستنكار الشعبي التي سببها إعلان التطبيع الكامل بين الكيان الإسرائيلي والمشايخ الخليجيّة، بالإضافة لامتصاص أي ضجة إعلامية قد تحدث لاحقاً في حال قرر ولي عهد أبو ظبي أو ملك البحرين زيارة عاصمة الكيان، وهي زيارة محتملة قد تحدث قريباً كما قال مُراقبون للوضع في الشرق الأوسط.
أكثر من ذلك؛ فإنّه وفي خِضمِّ الرفض الشعبي الواسع لاتفاقيات التطبيع، قرر قادة تلك الدول البقاء بعيداً عن الأضواء حتى لا يتحملوا وزر التوقيع على تلك الاتفاقيات، خصوصاً مع الرفض الشعبي الواسع لتلك الاتفاقيات في دولهم، على الرّغم من التسويق الإعلامي الكبير والدعاية السياسيّة الفجّة التي روّجت لتلك الاتفاقيات.
تطبيع فارغ
الاتفاق الذي لم يُعلن عن تفاصيله حتى هذه اللحظة من غير الواضح ما إذا كان سيشمل بنود ملزمة أو تتطلب المزيد من الإجراءات من حكومات تلك المشايخ أو الكيان، وبما أنّ لا حدود مُشتركة بين الكيان المُطبّعة، فإنّ أيّ اتفاقٍ للتطبيع لن يُشكل أيّ اخترقٍ في القضيّة الفلسطينيّة.
اتفاقيات التطبيع المُسمات "اتفاقيات إبراهيم" رمزيّةٌ في مسارها التاريخي أكثر مما هي موضوعيّة، ولا يمُكن بحالٍ من الأحوال مُقارنة اتفاقيات التطبيع بين دول الطوق (مصر والأردن والسلطة الفلسطينية) وبين اتفاقيات مع دول أو كيانات بعيدة نسبياً عن مسار الصراع مع الكيان الإسرائيلي، وإذا لا يُمكن تبرير اتفاقيات التطبيع تحت أيٍّ ظرفٍ كان، غير أنّ مصر والأردن والسلطة الفلسطينيّة خاضت حروباً مع الكيان الإسرائيلي وأتت تلك الاتفاقيات في إطار إيقاف الحروب بينها، أما مشيخات الخليج فكانت آخر حروبهم هي التي خاضوها ضد المُسلمين في حروب الرّدة.
بالإضافة لما سبق؛ فإنّ أيّ تطبيعٍ تغيب عنه فلسطين؛ لن يُغيّر من المسار الطبيعي للقضيّة الفلسطينيّة؛ خصوصاً وأنّ الفلسطينيين بمجملهم يرفضون اليوم هذه الاتفاقيات، وكان أوّل ما نتج عنها هو وحدة الصف الفلسطيني بمواجهة الدول المُطبّعة من جهة وبوجه الكيان الإسرائيلي من جهةٍ أخرى، والذي بدأت آثاره تظهر مع مراسم التوقيع على تلك الاتفاقيات.
احتفالات التطبيع على الطريقة الفلسطينية
في الوقت الذي كان يحتفل به المُطبعون ويوقعون على تلك الاتفاقيات في البيت الأبيض؛ كان للفلسطينيين رأيٌ آخر، وطريقة أخرى للاحتفال "باتفاقيات إبراهيم"، حيث انهالت صواريخ المُقاومة على المُستوطنات الإسرائيلية في ذات الوقت الذي كان يحتفل به قادة الكيان بتلك الاتفاقيات.
تلك الصواريخ وعلى الرّغم من أنّها لم تقتل أحداً من اليهود؛ إلّا أنّها كانت رسالة واضحة جداً للكيان الإسرائيلي ومن خلفه الدّول التي طبّعت معه؛ حيث تقول المقاومة الفلسطينيّة إنّ هذا الاتفاق لن يجلب معه أيّ أمنٍ للكيان الإسرائيلي، بل على العكس فتحت هذه الاتفاقيات باب جهنم على الكيان، وأشعلت شرارة انتفاضة ثالثة لم يكن يحسب لها الكيان أيّ حسابٍ قبل تلك الاتفاقيات.