الوقت- لا شكّ بأن كيان العدو قطع أشواطاً متقدّمة في التعاون مع بعض الأنظمة العربية واستطاع أن ينتزع "التطبيع" لنفسه من هذه الدول، وشهدنا جميعاً موجة تطبيع غير مسبوقة خلال الأعوام القليلة الماضية بين بعض الأنظمة العربية والكيان الاسرائيلي، ولا تزال هذه الأنظمة تندفع نحو التطبيع وكأن الاسرائيليين يمارسون "السحر الأسود" على هذه الأنظمة التي أصبحت تعشق الاسرائيلي وتود التقرب منه بأي طريقة ان كان عن طريق النشاطات الرياضية أو الثقافية، حتى ان بعضهم انشأ وزارة للتسامح الديني تمهيداً للتطبيع وبدأت زيارة بعض المسؤولين الاسرائيليين إلى الدول الخليجية تتزايد يوماً بعد يوم، دون أن يهتز لهذه الأنظمة جفن لما تقوم به "اسرائيل" مع الفلسطينيين وغيرهم من العرب.
في المقابل يبرز وبشكل واضح الشرخ الحاصل بين الأنظمة العربية وشعوبها التي ترفض التطبيع وتحاربه، وحتى لو كانت هذه الأنظمة تقمع شعوبها وتمنعهم من ايصال صوتهم الحقيقي للعالم الرافض للتطبيع، إلا كيان العدو يعلم هذه الحقيقة التي باتت تشكل له تحدياً كبيراً لا يمكن العبور منه دون الالتفاتة اليه، لأن الشعوب هي الباقية والانظمة سوف ترحل يوما ما، وما تفعله هذه الانظمة ما هو الا محاولة لتثبيت بقائها في الحكم من خلال الدعم الاسرائيلي والامريكي.
بين هذا وذاك وجد الاسرائيلي ان رفض الشعوب العربية له يشكل معضلة كبيرة لا يمكن حلها، وهذا ما توصل اليه مركز أبحاث اسرائيلي، حيث وجد المركز ان الرأي العام العربي يحول دون التطبيع العلني مع الأنظمة، حيث ناقشت الأبحاث التي تضمنها العدد الأخير من مجلة "عدكون استراتيجي"، الصادرة عن مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، التحولات التي طرأت على علاقات إسرائيل الدولية والإقليمية.
وشمل العدد، الذي نشر يوم الأحد، بحثاً أعدّه أستاذ الدراسات الشرقية في جامعة "تل أبيب"، رصد التحولات التي طرأت على علاقات إسرائيل بالدول العربية، وواقعها ومجالاتها ومركبات البيئة التي أفضت إلى تطورها والمعوقات التي تحول دون تحولها إلى علاقات علنية طبيعية.
وخلصت الدراسة إلى أن توجهات الرأي العام العربي تحول دون تمكّن الأنظمة العربية من تطبيع علاقاتها السياسية والأمنية وإخراجها إلى العلن، على الرغم من الشوط الكبير الذي شهده التعاون الأمني والاستخباري السرّي بين الطرفين.
وحسب الدراسة، فإن بقاء الصراع بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل قائم لن يسهم في إقناع الرأي العام بقبول العلاقة الإسرائيلية، لأنه يردع الأنظمة عن تطوير هذه العلاقة وإخراجها إلى العلن، حيث تشير إلى أن العلاقات مع نظم الحكم العربية تستند إلى "رمال متحركة"، لأنها تعبّر عن مصالح أنظمة وتتركز بشكل خاص في التعاون مع الأجهزة الأمنية التابعة لنظم الحكم في ظلّ معارضة النخب الثقافية والرأي العام.
وعلى الرغم من أن الدراسة تشير إلى تراجع اهتمام الأنظمة العربية بالقضية الفلسطينية بشكل كبير، إلا أنها تلفت في المقابل إلى اهتمام الرأي العام المحلي بها، ما حولها إلى "سقف زجاجي" يجعل من الصعب على الأنظمة تطبيع علاقاتها السياسية والأمنية مع إسرائيل وإخراجها إلى العلن.
العلاقات الاسرائيلية مع بعض الانظمة العربية
"العلاقات السرية بين إسرائيل والإمارات مستمرة منذ سنوات، لكن في الأشهر الأخيرة كانت أبو ظبي أكثر انفتاحاً بشأن العلاقة مع تل أبيب، وهي مستعدة للتعاون بمجموعة واسعة من المجالات". وتلعب الجالية اليهودية في الإمارات دوراً مهماً في هذا السياق.
وسلّط تحقيق إسرائيلي نشرته وسائل إعلام عبرية في 11 تموز الحالي، الضوء مجدداً على الوجود اليهودي في الإمارات، ودور الحاخامات في دفع عجلة التطبيع وإخراجها من دائرة السر إلى العلن.
وتَحدَّث الكاتب رفائيل آرون في تحقيق نشره موقع "زمن إسرائيل" أن "العلاقات السرية بين إسرائيل والإمارات مستمرة منذ سنوات، لكن في الأشهر الأخيرة كانت أبو ظبي أكثر انفتاحاً بشأن العلاقة مع تل أبيب، وهي مستعدة للتعاون بمجموعة واسعة من المجالات".
وكشف موقع فرنسي في الأمس ان الإمارات تضغط على من تدعمهم للتطبيع مع إسرائيل، لا سيما باليمن، وذكر موقع "إنتلجنس أونلاين" أن سير من تدعهم الإمارات في اليمن ممثلين بالمجلس الانتقالي الجنوبي نحو تطبيع العلاقات مع الاحتلال، لم يأت صدفة، وجاء بضغوطات من أبو ظبي.
وأوضح الموقع أن الإمارات لها هدف بإقامة علاقات رسمية مع تل أبيب، وتريد من حلفائها ومن تقدم الدعم لهم السير بهذا الاتجاه.
ولفت الموقع إلى أن اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، قد يستفيد من الدعم الإسرائيلي؛ بفضل علاقات أبو ظبي مع تل أبيب. وقال الموقع إنه وبعد هبوط طائرات إماراتية في مطار بن غوريون بأيار وحزيران الماضيين، بات من الواضح أن أبو ظبي تسعى للتطبيع الرسمي مع الاحتلال، وجلب حلفائها خلفها.
ونوّه الموقع إلى أن أحد أهداف التطبيع بالنسبة للإمارات مواصلة استفادتها من عقود الأمن السيبراني التي تبرمها مع شركات إسرائيلية، إضافة إلى السعي لتشكيل جبهة قوية ضد إيران.
حملات مقاطعة شعبية
دانت "الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل- PACBI" بشدّة قيام د.محمد إبراهيم الغبان، من جامعة الملك سعود في الرياض، بنشر مقالة أكاديمية في مجلة "كيشر" الصادرة عن معهد "شالوم روزنفيلد"، لبحوث الإعلام والاتصال اليهودي، التابع لجامعة "تل أبيب".
ودعت الحملة "الشعب السعودي الشقيق، وبالذات الأكاديميين/ات، إلى الضغط على إدارة جامعة الملك سعود للنأي بالجامعة عن هذا السلوك التطبيعي المشين واتخاذ الإجراءات المناسبة للحؤول دون تكراره مستقبلاً".
من جهتها أصدرت الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيونيّ بيانًا جاء تحت عنوان: "لا لتوظيف التسامح الديني كمطيّة للتطبيع مع عنصريّة وإرهاب كيان العدوّ الصهيونيّ"، جاء فيه: "نشرت الجمعية التونسية لدعم الأقلّيات مساء أول من أمس السبت منشورًا مقتضبًا على صفحتها في فيسبوك أعلنت فيه وقفها التعامل مع منظمة The Foundation for ethnic understanding الصهيونية الأمريكية، مبرّرة ذلك بجهلها بالمواقف السياسية لرئيس المنظمة، ومعتبرة أنّها تتعارض مع مبادئ المنظمة".
وجددت الجمعية "مطالبتنا السلطات التونسية بتشديد الرقابة على عمل بعض الجمعيات المتورّطة في التطبيع مع العدوّ، وندعو وسائل الإعلام إلى التحرّي وعدم الانخراط في الترويج للجمعيات والأنشطة المشبوهة، كما نهيب بكلّ القوى الحيّة في تونس إلى مزيد من التجنّد والتنسيق لكشف وإحباط سياسات التطبيع وفضح ممارسيها، وإلى مزيد العمل من أجل فرض سنّ قانون يجرّم كافة أشكاله".
في الختام.. كانت إسرائيل على الدوام ضد بروز أي قوة إقليمية تهدد سيطرتها الإقليمية المكملة لهيمنة أمريكا الدولة العظمى على صعيد عالمي. فقد رفضت إسرائيل الاتفاق النووي الإيراني 5+1 الذي يعترف بمكانة إيران الإقليمية، ورفضت الدول الخليجية بدورها هذا الاتفاق. واذا كانت إسرائيل ضد صعود إيران، وكانت ضد صعود العراق وسورية، فهل تسمح بصعود وتبلور قوة خليجية لها دور إقليمي شبه مستقل، وهي التي كانت ضد صعود مصر التي تربطها معها اتفاقية سلام، بل لا تزال حريصة على بقاء مصر ضعيفة وغارقة في أزماتها؟ لا شك ان إسرائيل تبحث عن توسيع نفوذها وسيطرتها الأمنية والاقتصادية وبخاصة مع دول لديها ثروات طبيعية ومستهلكة للسلع والأسلحة، وهي من موقعها كدولة استعمارية تبحث عن إقامة علاقات تبعية جديدة. وقد استثمرت في الخطر الإيراني الشيء الكثير وقدمت نفسها كحامٍ أمني يُعتدُّ به في مواجهته.