الوقت- مر نحو أربعة عقود منذ تشكيل حزب العمال الكردستاني الإرهابي الذي شهد اشتباكات عنيفة مع الجيش التركي على الأراضي التركية، وقُتل عشرات الآلاف من قوات الأمن التركية وأعضاء حزب العمال الكردستاني والمدنيين خلال هذه الفترة. كانت الاشتباكات بين عامي 2017 و 2019 أكثر فترات الحرب دموية بين الجانبين على مدى العقود الأربعة الماضية، وسنلقي في هذا المقال نظرة على إحصائيات هذه الفترة.
اتفاقية وقف إطلاق النار بين تركيا وحزب العمال الكردستاني في 2013
في مارس 2013، قررت الحكومة التركية، التي كانت في تبذل جهود حثيثة على المستوى الإقليمي لزعزعة استقرار سوريا والإطاحة بحكومة دمشق، إنهاء النزاع مؤقتًا مع جماعة حزب العمال الكردستاني الإرهابية. وبعد أشهر من المفاوضات المكثفة، وقع ممثلو الجانبين أخيرًا على اتفاق ثنائي لوقف إطلاق النار في مارس 2013، وأصبحت الحكومة التركية ملزمة بتقديم الرعاية والخدمات الاجتماعية إلى المقاطعات الجنوبية والجنوبية الشرقية من البلاد، التي فيها أغلبية كردية.
كان الهدف الأساسي من وراء إتفاقية وقف النار هذه، التركيز على مشروع الإطاحة بالحكومة السورية وتسهيل إرسال إرهابيين دوليين من الحدود الجنوبية للبلاد إلى سوريا، بدلاً من لفت انتباه الأقلية الكردية في البلاد أو إنهاء الحرب الأهلية في شرق تركيا.
وبعد الهزيمة الكبيرة التي حلّت بالإرهابيين في معركة الشتاء عام 2012 على أبواب دمشق وتحرير مدينة القصير في محافظة حمص من قبل مقاتلي حزب الله وأمن الحدود اللبنانية، كانت الأراضي التركية هي الطريقة الآمنة الوحيدة لدخول الإرهابيين الأجانب إلى سوريا. وبالتالي كان من الضروري تحقيق سلام مؤقت مع هذا العدو، أي حزب العمال الكردستاني، لكي يركز الجيش التركي وقوات الأمن بشكل كامل على هذه الخطة ومن أجل أن يعبر الإرهابيون الحدود التركية بأمان.
صعود الميليشيات الكردية في سوريا ونهاية وقف إطلاق النار
منذ بداية عام 2015، قرر التحالف الدولي ضد داعش بقيادة الولايات المتحدة دخول ساحة المعركة السورية بحجة محاربة إرهابيي داعش في البلاد. وبينما كانت قوات التحالف الغربية مترددة في إرسال أعداد كبيرة من القوات البرية واحتمال تكبدهم خسائر في العدة والعدد، قررت تسليح وتنظيم آلاف المليشيات الكردية والعربية في شمال سوريا لمحاربة تنظيم داعش بريًا.
تأسست المنظمة تحت مسمى "قوات سوريا الديمقراطية" (SDF)، وتتكون في الواقع من آلاف من مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية الذين كانوا على صلة مباشرة بإرهابيين من حزب العمال الكردستاني في تركيا وشمال العراق. وقد دفع هذا العديد من أعضاء حزب العمال الكردستاني إلى نقل عناصرهم منخفضي المستوى وعديمي الخبرة إلى المنظمة من أجل الاستفادة القصوى من الفرصة من خلال اكتساب الخبرة وحتى نقل الأسلحة التي تبرعت بها الولايات المتحدة إلى تركيا.
أثار هذا الموضوع، الذي لم يكن مخفيا عن المسؤولين الأمنين في تركيا، شجب واحتجاج شديد اللهجة من قبل تركيا للولايات المتحدة وقوات التحالف، ولكن في ذلك الوقت كان من المهم بالنسبة للمسؤولين الأمريكيين التخطيط فقط لاحتلال المناطق المحيطة بنهر الفرات الغنية بالنفط وليس من المهم لهم كثيرا ان تكون القوات التي تقاتل تحت أمرتهم، هي قوات كحزب العمال الكردستاني التي صنفتها الولايات المتحدة نفسها كمنظمة ارهابية. أدت سلسلة الأحداث إلى نهاية وقف إطلاق النار التي استمرت لعامين ونصف بين تركيا وحزب العمال الكردستاني في يوليو 2015، وبدأت أكثر فترات الصراع دموية بين الجانبين.
استشهدت مؤسسة Crisisgroup بمصادر مختلفة، بما في ذلك الجيش التركي ووسائل الإعلام التابعة لحزب العمال الكردستاني وبعض المصادر المحلية، وجمعت قائمة بأسماء الأشخاص الذين قتلوا خلال الإشتباكات، في إحصائيات دقيقة نسبيًا ومصنفة عن الخسائر في صفوف الجانبين. وبحسب الإحصائيات، من 25 يوليو 2015 ونهاية وقف إطلاق النار حتى 7 مايو 2020، قُتل 4869 شخصًا في اشتباكات في المناطق الشرقية من تركيا بين الجيش التركي والميليشيات المسلحة.
ومن بين ذلك، قُتل 1234 من قوات الأمن التركية، بما في ذلك 823 جنديًا من الجيش و 298 من الشرطة و 113 من القوات المحلية. ومن بين القوات التي قتلت في الاشتباكات ايضا 709 جنديا من الرتب الدنيا و 83 ضابطا و 11 جنرالا. وأسفرت الاشتباكات أيضا عن مقتل 2912 من مقاتلي حزب العمال الكردستاني و 497 مدنيا.
معظم الضحايا سقطوا خلال معركة مدينة "نصيبين" في الفترة من يناير إلى يونيو 2016، عندما قامت قوات حزب العمال الكردستاني، خلافا لعادتها القديمة، بجر الصراع إلى مناطق حضرية مكتظة بالسكان، وطردت المسؤولين المحليين وسيطرت على حركة المرور في مدن مثل ماردين وشرناخ وحكاري، الأمر الذي أجبر الجيش التركي على القيام برد فعل عنيف من خلال قصف هذه المناطق بشكل عنيف مما أدى بعشرات الآلاف من السكان على مغادرة منازلهم والهجرة إلى المحافظات الوسطى في البلاد.
كانت الصدامات بين حزب العمال الكردستاني وقادته، الذين سعوا إلى إنشاء نسخة لـ Rojava (اسم مستعار للمناطق الكردية في سوريا) على الأراضي التركية، نكسة كبيرة لهم. وفي السنوات اللاحقة مع تزايد ضغوط الجيش التركي وعمليات الطائرات بدون طيار العديدة في شمال العراق وجبال قنديل، أصبح نشاط هذه المليشيات هو الهجوم على نقاط التفتيش الحدودية أو الكمائن التي قامت بها القوات التركية ومن ثم الهروب.
ووفقًا لاعترافات بعض قادة الحزب، لم تتمكن قوات حزب العمال الكردستاني من العمل في وسط تركيا لفترة طويلة، وأنها لم تكن آمنة من استهدافهم من قبل القوات الجوية التركية في جبال قنديل العالية والثلجية. لكن هذا الصراع ألحق أضرار كبيرة أيضاً بتركيا، وخاصة لحزب العدالة والتنمية الحاكم. ففي المقام الأول، ذاقت السلطات التركية مرارة دعمهم للإرهاب في سوريا وما حلّ بالبلاد من كوارث بشرية.
فقد تورطت تركيا بدعم وتسليح الجماعات الإرهابية على الأراضي السورية لمحاربة الحكومة الرسمية في هذا البلد وكان لهذا التورط تبعات على أنقرة، وتسبب خط اتصال الإرهابيين من سوريا إلى المحافظات الكردية في تركيا في انعدام الأمن وأضرار جسيمة في البلاد، ولمنع شدة الأضرار، اضطرت تركيا إلى تنفيذ ثلاث عمليات كبيرة وذات خسائر عالية نسبيًا، هي درع الفرات وفرع الزيتون وربيع السلام في شمال سوريا.
كما شهد حزب العدالة والتنمية والتيار الوطني المتحد لهذا الحزب، أي حزب الحركة القومية، انخفاضًا كبيرًا في الأصوات في الانتخابات البرلمانية وانتخابات المجالس المقبلة في المحافظات الشرقية في البلاد، والتي شهدت صراعات عسكرية، والتي من المرجح أن تستمر في المستقبل القريب.