الوقت- مُحاطًا بعدد من وزراءه؛ وصل رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى قاعة المحكمة الخاصة بالتحقيق بجرائمه، حيث وللمرة الأولى في تاريخ هذا الكيان؛ يُحاكم اليوم رئيس للوزراء بتهمٍ جنائية وهي الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، غير أنّ نتنياهو وصل إلى هناك وهو شبه مُتأكد من أنّ البراءة باتت في جيبه، بعد أن عطّل تشكيل الحكومة لشهورٍ طويلة بهدف الحصول على حق تعيين قضاة المحكمة العليا، وهؤلاء القضاة هم المسؤولين عن تعيين القضاة الذين سُيحاكمون نتنياهو.
اللعب على القانون
مثلما تحدى نتنياهو الصعاب ضد مجموعة كبيرة من سُكّان الكيان والأحزاب السياسية هناك؛ وتمكّن بألاعيبه من هزيمة منافسيه، لا ينبغي أن يُفاجأ أحد اليوم إذا خرج من هذه المحاكمة برئ بالكامل.
من المتوقع أن يتخذ محامو نتنياهو نهجًا عدوانيًا لتأخير التقديم الفعلي للأدلة الخاصة بالقضايا الثلاث، كما أنّه من غير المحتمل أن يصدر الحكم بحق نتنياهو قبل عامٍ من الآن، إن لم يكن أطول، حيث حددت النيابة أكثر من 300 شاهد في القضايا الثلاث بشكلٍ منفصل، ناهيك عن شهودٍ آخرين ادّعى نتنياهو أنه تم ابتزازهم بشكل غير قانوني للإدلاء بشهادتهم في قضيته، وذلك كإرهاص للأحكام التي ستحكم بها المحكمة.
أكثر من ذلك؛ ومن خلال مشاهدة القائمة الوزارية التي اختارها نتنياهو لحكومته الجديدة؛ يُمكن مُلاحظة أن بعض الوزراء الذين تمّ اختيارهم قد لا يكونون الأنسب لمناصبهم العامة، لكنهم "مثاليون" لمساعدة نتنياهو في المحاكمة التي يخضع لها، كما أنّهم سيُقاتلون من أجل تبرئته، وبالطبع ليس حُبًّا به، وإنّما خدمةً لمصالحهم.
ويُمكن مشاهدة نتائج تلك التعيينات على مُحاكمة نتنياهو حيث خرج رئيس الكنيست "ياريف ليفين" وهو المُنضوي في حزب الليكود ليؤكد أن محاكمة رئيس الوزراء ستُذكر على أنها إحدى نقاط الضعف في نظام العدالة في الكيان الإسرائيلي، وأردف: "الاتهامات الموجهة لرئيس الوزراء غير مسبوقة في الديمقراطية الغربية، وأنا مثل ملايين المواطنين الإسرائيليين، أقف اليوم إلى جانب رئيس الوزراء، إلى جانب الحقيقة، إلى جانب العدالة"!.
هزيمة اليسار
كانت وسائل الإعلام في الكيان الإسرائيلي اليسارية وحلفاؤها من الأحزاب والشخصيات اليسارية من المناهضون لنتنياهو يتمنون ومنذ سنوات اللحظة التي سيُجر فيها بنيامين نتنياهو إلى قاعة المحكمة، وبسبب عدم قدرتهم على هزيمته في صناديق الاقتراع؛ فإن الكثيرين منهم يأملون بنظامٍ قانوني يميل إلى اليسار من الناحية السياسية وذلك لإبعاد نتنياهو عن منصبه، لتبدأ مُحاكمة نتنياهو بتظاهر نحو 200 من أعضاء جماعة "العلم الأسود" اليسارية ضد رئيس الوزراء أمام مقر إقامته الرسمي.
ما لم يكن يتوقعه اليساريين أنّ القانون في الكيان الإسرائيلي يسمح وبصراحة لنتنياهو بالبقاء في منصبه، حتى وإن كان "مُدانًا"، حتى يتم استنفاد جميع الطعون الرسمية. وبعبارة أخرى، حتى لو أدين، سيكون لنتنياهو الحق القانوني في البقاء في منصبه لعدة سنوات قادمة، شريطة أن يستمر الناخبون في رغبته في ذلك!، وهو الأمر الذي لعب عليه نتنياهو خلال حملته الانتخابية.
أكثر من ذلك؛ يُمكن مُشاهدة هزيمة اليسار من خلال تصريحات بيني غانتس وهو المحسوب على اليسار أيضًا، وهو الذي كان قد اتهم نتنياهو مرارًا وتكرارًا بالفساد، خلال حكومة نتنياهو السابقة، غير أنّه اليوم وللحفاظ على مكاسبه السياسية بعد أن أصبح نائبًا لرئيس الحكومة التي يقودوها بقيادة نتنياهو، خرج إلى العلن ليؤكد أنّ نتنياهو مثل كل سكّان الكيان الإسرائيلي، ولديه افتراض البراءة، الأمر الذي يُفسّر بأنّه تنكر لمواقفه السابقة وإقرار ببراءة نتنياهو، وهو المُدان من قِبل الجميع قبل القضاء.
وفي النهاية يُمكن التأكيد على أنّ نتنياهو وبعد أنّ ضمن قرارات المحكمة، ستتحول تلك القضايا والتهم لمُميّزات لنتنياهو وسيعلق براءته منها كـ "نياشين" على صدره، وسيبدأ بشن هجمات مُبطّنة على خصومه، وأنّه لن يوافق على أيّة صفقة، يقول نتنياهو "لسنا هنا لعقد صفقات، نحن هنا لإظهار الحقيقة"، الأمر الذي يشي بأنّ الخطوة المُقبلة لنتنياهو رمي الكرة في ملعب خصوصه وتلفيق تهمٍ لهم بهدف التخلص منهم بشكلٍ نهائي، ولا سيما اليساريين، حيث اتهم نتنياهو خصومه اليسار بأنّه لفّقوا له التهم وأنّ أفرادًا من الشرطة والادعاء اجتمعوا مع صحفيين يساريين لتلفيق القضايا ضدّه، كما هاجم عدة أشخاص بالاسم، بمن فيهم المدعي العام أفيخاي مندلبليت، ومفوض الشرطة السابق والصحفي التلفزيوني رفيف دركر، وجميعهم من اليسار المُناهض لنتنياهو سياسات حزب الليكود الذي يتزعمه.