الوقت- بينما يواجه العراق انشغالات كبيرة هذه الأيام، مثل المفاوضات السياسية بين الأحزاب والکتل لإنهاء أزمة الاتفاق بشأن رئيس الوزراء، وكذلك مواجهة كورونا وتعويض المشاكل المالية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط، اغتنمت عناصر تنظيم داعش التكفيري الإرهابي الفرصة صباح يوم السبت، لمهاجمة القوات الأمنية التابعة للحشد الشعبي في محافظة "صلاح الدين" ومدينة "سامراء" المقدسة.
هيئة الحشد الشعبي أعلنت في بيان، أن هجمات عناصر داعش ما زالت مستمرةً في مناطق مكيشيفة وتل الذهب ويثرب والمطيبيجة والدور على مشارف سامراء. كما واجههم مقاتلو المقاومة وأوقعوا فيهم خسائر فادحة، ما أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 10 أشخاص من الحشد في الاشتباكات.
وقد لقيت أنباء هذا الهجوم واستشهاد قوات الحشد أصداءً واسعة النطاق في المجتمع العراقي، وكانت هناك مواقف جيدة للغاية لدعم قوات الحشد الشعبي.
في غضون ذلك، ما هو مهم في ردود الفعل علی هجوم داعش في العراق، بالتزامن مع المخاوف الموجودة بين الناس في مناطق من العراق التي يواصل داعش العمل فيها سراً، هو الاطمئنان الموجود ليس فقط بين الشعب العراقي بل أيضاً بين جيران العراق، من قدرة القوات الدفاعية لهذا البلد وخاصةً الحشد الشعبي، في مواجهة داعش ومنع عودة ظهور هذا التنظيم.
في الواقع، بالنظر إلى التاريخ المروع والإجرامي لأفعال داعش في العراق وسوريا وليبيا وأفغانستان وشرق آسيا، وحتى في قلب أوروبا، من الواضح أن العالم لم يواجه مثل هذا التنظيم الإرهابي من حيث نطاقه العملياتي والعنف غير المقيد. ولذلك، يظهر هذا الأمر الإمكانات العالية لقوات الحشد الشعبي العراقية في إحباط السيناريوهات المخطط لها من خارج العراق، لإعادة هذا البلد إلى هاوية انعدام الأمن والإرهاب.
داعش وبعد تحرير الموصل وفقدان المناطق الخاضعة لسيطرته في العراق، وعلى الرغم من انهيار هيمنته، ولکنه لم يفقد قدرته العملياتية بالكامل، مع ضخ الدعم المالي والعسكري إليه من خارج الحدود.
وبحسب الإحصائيات، فإن عناصر هذا التنظيم الإرهابي نفذوا ما لا يقل عن 238 هجومًا إرهابيًا في العراق عام 2019، مما أدى إلى مقتل وجرح 1058 شخصًا في هذا البلد.
كذلك في عام 2018، نفذ تنظيم داعش 456 هجوماً إرهابياً في العراق، مما أسفر عن مقتل وإصابة 1742 شخصاً. وبالتالي، ما زال داعش يشكل تهديداً محتملاً لاستقرار العراق والمنطقة.
مع أخذ ذلك في الاعتبار، وبعد الضغط المزدوج للشعب العراقي والسياسيين لطرد القوات الأمريكية من أراضي هذا البلد، وإنهاء تدخل البيت الأبيض في شؤون العراق الداخلية، فقد رأى الاستراتيجيون الأمريكيون أن الطريقة الوحيدة لتأخير هذه الضغوط، هي استخدام إمكانات عناصر داعش المتبقية والمتناثرة.
ولكن هذا الأمر غير ممكن وهناك قوات قوية تقاتل الإرهابيين الدواعش التكفيريين بشكل جهادي ومستمر وجاد، وتقضي عليهم في عقر دارهم، ولذلك كان سيناريو إضعاف الحشد والقضاء على قادة المقاومة العراقية موضوعاً على جدول الأعمال منذ أشهر. وكان الاغتيال المتزامن لشهداء المقاومة الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في هذا الاتجاه.
لكن هذه الاغتيالات والمؤامرات لم تضعف المقاومة العراقية فحسب، بل ضاعفت أيضاً دعم الشعب العراقي لقوات الحشد الشعبي، وجعلت إرادة تدمير الإرهاب في العراق أكثر رسوخاً، ويمكن رؤية ثمار ذلك في الوضع الأمني المتغير في العراق في السنوات الأخيرة.
لقد كان العراق مركز انعدام الأمن في المنطقة لسنوات عديدة(قبل بدء الأزمة السورية)، وكل يوم تقريبًا كانت أخبار قصف وقتل عدد من المدنيين في البلاد، تتصدَّر الأخبار في وسائل الإعلام.
من ناحية أخرى، فإن البنية الضعيفة للجيش وقوات الأمن التي نظمتها الدول الغربية في السنوات التي أعقبت احتلال هذا البلد، أصبحت واضحةً للعيان تمامًا مع ظهور خلافة داعش واحتلال أجزاء من العراق في عام 2014.
في فبراير 2017، أعلن المركز الأمريكي للدراسات الاستراتيجية والدولية، في تقرير عن عدد الهجمات الإرهابية في مختلف دول العالم من 2012 إلى 2017، أن العراق يحتلّ الصف الأول بتعرُّضه لعشرة آلاف هجوم إرهابي، حيث کان نصيب العاصمة من هذه الإحصائية 2900 عملية إرهابية.
بالنظر إلى هذه السجلات، يمكن رؤية أهمية دور الحشد الشعبي العراقي الذي تشکل بعد فتوى المرجعية في عام 2014، في وصول العراق إلی الاستقرار الأمني النسبي الذي نجده اليوم. وهذه القضية، بعد الهجمات الأخيرة التي شنها داعش، أثارت مرةً أخرى موجةً كبيرةً من الدعم للحشد الشعبي.