الوقت- ما بين ماضٍ مشبوه وغدٍ قاتم؛ تعيش السلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس حالة من التشتت والضياع بعد أن هدد أحد مسؤولي الكيان الإسرائيلي هذه السلطة المشلولة باتخاذ إجراءات وتدابير جديدة تزيد من شللها، بعد أن حاولت هذه السلطة تنبيه قوات الاحتلال إلى ضرورة أخذ الاحتياطات لمنع انتشار فايروس كورونا في المناطق الخاضعة لسيطرة عباس وسلطته، الأمر الذي سيُفاقم من انتشار فايروس كورونا في الأراضي الفلسطينية في حال لم تستجب قوات الاحتلال إلى التحذيرات التي أطلقتها السلطة الفلسطينية.
جريمة حرب جديدة
جريمةُ حربٍ لا تقل وطأتها عن الجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال يوميّاً بحق الفلسطينيين، ولكن هذه المرّة يُمكن وصفها حرباً بيولوجية تهدف إسرائيل من خلالها إلى نشر فايروس كورونا في مناطق سيطرة السلطة الفلسطينية، فعلى الرغم من أنّ الكيان الإسرائيلي كان قد أعلن سابقًا عن تعاونه مع سلطة عباس في مجال مكافحة انتشار فيروس كورونا؛ غير أنّه اتخذ من هذا التعاون مطيّةً لنشر الفايروس في الضفة الغربية خصوصاً بعد تفشي هذا الفايروس في المجتمع الإسرائيلي وتجاوز عدد المصابين أكثر من اثني عشرة ألفًا، وترافق ارتفاع الإصابات هذا بزيادة حالات تجوّل الجنود والمستوطنين في المناطق العربية، الأمر الذي يشي بسياسة مدروسة من قِبل حكومة الاحتلال هدفها نقل هذا الفايروس إلى الأراضي الفلسطينية، خصوصاً مع انتشار لعدد من المقاطع المصوّرة والتي يقوم فيها مستوطنون إسرائيليون بمحاولة نقل الفايروس في المناطق العربية من خلال وضع مفرزات فموية داخل أماكن الشراء والتسوق في الأراضي الفلسطينية.
أكثر من ذلك، وبعد أن كانت حكومة الاحتلال قد وعدت بدفع مُستحقات الضرائب للسلطة الفلسطينية مُبكراً بهدف محاربة جائحة كورونا، غير أنّها عدّلت من رأيها وامتنعت عن دفع نصف مليار شيكل إسرائيلي للسلطة الفلسطينية التي تفتقر مشافيها إلى أبسط أجهزة فحص الفايروس الجديد، كما أنّها عاجزة عن بناء أو إنشاء أماكن خاصة بالحجر الصحي خصوصاً بعد تجاوز عدد المصابين بفايروس كورونا في الضفة الغربية الثلاثمئة مصاب.
فصل عنصري!
سخرية القدر ربما وضعت سلطة عباس هذه الأيام بمواجهة اتهامات عنصرية، فها هي إسرائيل الكيان العنصري الأول في العالم باتت تُحاضر بالعنصرية، فبعد كل الإجراءات التي اتخذتها بحق الفلسطينيين من بناء جدار للفصل العنصري ومحاصرة المدنيين في غزة، ناهيك عن آلاف السجناء الذين مضى عليهم عشرات السنيين خلف القضبان، تأتي اليوم وتُطالب السلطة الفلسطينية بوقف اتهام إسرائيل بالعمل على نشر الوباء في مناطق السلطة، ووقف اتهام جنود الاحتلال والمستوطنين بالعمل على ذلك، حيث اعتبر المسؤولون الإسرائيليون هذا الأمر "حملة تحريض عنصرية ضد الجنود"!.
إذن؛ فإسرائيل التي أدهشت العالم بإجراءاتها العنصرية حتى أنّها الدولة الوحيدة في العالم التي تتخذ من الدين هويةً لها، تُحاول اليوم أنّ تُلصق هذه الصفة السيئة بالفلسطينيين لمجرد أنّهم طالبوا بمنع دخول جنود الاحتلال والمستوطنين لمناطقهم لمنع تفشي فايروس كورونا.
تنسيق مُقدس
التهديد الأشهر لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وفي كل المحافل الدولية هو "قطع التنسيق الأمني مع إسرائيل" معتبراً أنّ هذا التنسيق هو "تنسيقٌ مُقدّس"، غير أنّ عباس ذاته لم يكن ليتخيل أنّ يأتي يوم وتهدد فيه إسرائيل بقطع التنسيق الأمني، وتغيير الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية، حيث خرج أحد مسؤولي الكيان الإسرائيلي واعتبر تحذيرات سلطة عباس نوعاً من التحريض، ليبدؤوا سلسلة من التهديدات لحكومة عباس مفادها الحد من حركة وانتشار الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ونقلت قنوات عبرية عن المسؤول الأمني قوله، إن "التهديد نقل إلى مسؤولي السلطة ورئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتيه عبر قادة الأجهزة الأمنية".
ومن الواضح أنّ إسرائيل هنا لم ولن تأبه بوصول فايروس كورونا إلى الأراضي الفلسطينية، غير أنّ هدفها هنا هو سحب هذه الورقة من يد محمود عباس التي طالما هدد بها، حيث أكد مسؤولو الكيان على أنّ إسرائيل أبلغت السلطة الفلسطينية بأنها ستحدّ من حرية حركة قوات الأمن الفلسطينية وتحدّ من انتشارها، بعد أن كانت قد سمحت بتوسيع انتشارها وتنقلها بين المدن والبلدات والقرى الفلسطينية وفي مناطق التماس.
أكثر من ذلك؛ فإنّ تهديدات عباس المتواصلة بقطع التنسيق الأمني ووقف الاتفاقيات الدولية مع الكيان الإسرائيلي تكرر خلال سني حكمه كثيراً، سواء أكان على شكل قرارات للمجلس الوطني الفلسطيني أم المجلس المركزي الفلسطيني واللذين تُسيطر عليهما حركة فتح وبالتالي الرئيس محمود عباس الذي كثيراً ما هدد في خطبه أو تصريحاته الإعلامية على قطع ذلك التنسيق الأمر الذي أفقد التهديد معناه.
خلاصة القول؛ في فلسطين لا حل لمشكلة الكورونا أو مشكلة الاحتلال أو أي مشكلة أخرى إلّا بتحرير فلسطين وإخراج قوات الاحتلال الإسرائيلي وبكل السبل، لكن التهديد بقطع التنسيق الأمني أو سواه ليس إلّا نوعٌ من التهديدات الفارغة والتي وإن حدثت لن تؤدي إلّا لمزيد من سيطرة الاحتلال الاسرائیلی على الأراضي الفلسطينية الباقية، ومع حالة الوهن التي تعيشها حكومة عباس يتضح جليًّا أنّ خيار المُقاومة هو الأمثل للتعامل مع أي احتلال بعيدًا عن أي تسميات من شأنّها أنّ تُشرعن وجود قوات الاحتلال.