الوقت- بينما تتوجه أنظار وسائل الإعلام والرأي العام إلى التطورات السياسية في بغداد لتشكيل الحكومة، تستمر الحرب في مختلف المناطق بين ألوية الحشد الشعبي والجماعات الإرهابية. حيث بدأ الحشد الشعبي عملية واسعة خلال الأسابيع الماضية للقضاء على داعش في المناطق الشمالية الغربية. ويفيد القادة العسكريون العراقيون بزيادة تنقلات وتهديدات فلول عناصر داعش واحتمال تكرار سيناريو احتلال الموصل.
وفي هذا الصدد، ذكر بيان الحشد الشعبي الذي صدر يوم الجمعة، ان عناصر داعش متمركزة في عدد من المناطق الوعرة في العراق وسوف يتم تدمير هذه المواقع بعد تحديدها من قبل قوات الحشد الشعبي. خليل علي آغا حاكم سنجار حذر الحكومة وقوات الأمن من "سيناريو جديد مشابه لسيناريو احتلال الموصل" من قبل داعش عام 2014. وقال في بيان: "تستعد قوات داعش في المناطق المجاورة للإيزيديين في محافظة نينوى لإعادة احتلال هذه المحافظة ويجب على الحكومة العراقية اتخاذ إجراءات بهذا الشأن".
منذ بداية مظاهرات الشعب العراقي في بعض مدن البلاد، وخاصة بغداد والتي أدت في النهاية إلى زيادة الاضطرابات في البلاد، توفر جو مناسب للجماعات المتطرفة؛ حيث استغلت الخلايا النائمة التابعة لتنظيم داعش الإرهابي الاجواء الراهنة واقدمت على أنشطة وتحركات جديدة في بعض مناطق بغداد والمحافظات العراقية.
شهدت محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وكركوك وديالى خلال هذه الفترة هجمات وتحركات للجماعات الإرهابية، مما دفع القوات الحكومية إلى تنفيذ عمليات أمنية مختلفة في هذه المناطق. وفي هذا السياق، أعلن الحشد الشعبي عن عملية كبيرة في محافظة الأنبار يوم الجمعة لتطهير المنطقة من الدواعش. وتم تنفيذ العملية بمشاركة 4 ألوية (19 و18 و17 و13) من قوات الحشد الشعبي.
وعن إنجازات هذه العملية التي كانت 25 فبراير، أعلنت خلية الاعلام الأمني التابعة لوزارة الدفاع العراقية في بيان استكمالاً لتفاصيل هجوم جهاز مكافحة الارهاب على إرهابيي داعش. ان جهاز مكافحة الإرهاب نفذ عمليات إنزال متعددة في جبال الخانوكة ضمن محافظة صلاح الدين، وفقاً لمعلومات استخبارية عن وجود مجاميع ارهابية تتخذ من الجغرافية الصعبة في هذه المنطقة ملاذًا لها.
وأضافت ان "العمليات أسفرت بعد اشتباك مع هذه العناصر الإرهابية استمر اكثر من عشر ساعات طيلة ليلة امس وصباح اليوم، عن قتل 39 إرهابياً بينهم قيادات مهمة وهما ما يسمى (المفتي الشرعي، والمسؤول العسكري)، فضلا عن العثور على وكرين عبارة عن نفقين الاول مستودع للأسلحة يضم كميات وأعداد كبيرة من الأسلحة والاعتدة والآخر ما يسمى ديوان المال ويضم معدات ووثائق وحاسبات تخص المعاملات المالية لعصابات داعش والجهات التي يتعاملون معها".
خطة أمريكية سعودية
منذ حوالي شهر، وبالتزامن مع الاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي في العراق ، توفر جو مساعد لمؤيدي وموجدي داعش لإعادة احياء هذه الجماعة الإرهابية في العراق. كانت تتواجد الخلايا النائمة لداعش بشكل أساسي في المناطق الوعرة داخل العراق وبعضها على طول الحدود السورية العراقية.
في تقسيم واضح للعمل، بالتزامن مع خطة بعض الدول العربية ، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين لتقديم بعض الفصائل الشعبية العراقية التي لعبت دوراً هاماً في الكفاح المسلح ضد داعش وهزيمة هذه المجموعة الإرهابية في العراق كجماعات ارهابية، قامت الولايات المتحدة من خلال استهداف قواعد الحشد الشعبي في الحدود مع سوريا ، بتمهيد الارضية لوجود عناصر داعش النائمة التي كانت تتواجد على الحدود العراقية السورية.
ومع ذلك، فإن رفض طلب الحكومات العربية المذكورة وخطتها لإعلان بعض فروع المقاومة الشعبية العراقية كجماعات إرهابية من قبل الحكومة العراقية واليقظة الأمنية والاستخبارية لقوات المقاومة افشلت هذه الخطة الأمريكية - السعودية.
عملية قادة النصر، وأد داعش في مهده
نظراً إلى وجود عائق كبير باسم الحشد الشعبي امام خطة الأمريكيين لإعادة احياء داعش ومساعدة العناصر النائمة لهذه الجماعة الإرهابية للعب دور في ارض العراق، قامت الولايات المتحدة بعمل عسكري ضد فصائل المقاومة الشعبية على مستوى القادة والمراكز العسكرية.
في الواقع، تعتبر الهجمات الأمريكية على مقار الحشد الشعبي على الحدود العراقية السورية واغتيال كبار قادة المقاومة ، بمن فيهم الشهيدان الجنرال سليماني وأبو مهدي المهندس بهدف اضعاف فصائل المقاومة كأكبر عقبة أمام إحياء داعش في العراق.
على الرغم من الأضرار التي لحقت بفصائل المقاومة، فإن هذه الفصائل وفي مقدمتهم الحشد الشعبي قاموا من خلال الحفاظ على الهيكلية السابقة بتدابير استخباراتية مناسبة ، وانتبهوا إلى التحرك غير مسبوق والمشبوه لخلايا داعش النائمة في محافظات نينوى-كركوك-الأنبار-ديالى وصلاح الدين.
في الوقت نفسه، كانت تحذيرات السلطات المحلية وتقاريرهم العديدة عن عناصر داعش في هذه المناطق تجذب انتباه قوى المقاومة أكثر فأكثر تجاه ذلك الأمر.
لذلك، أطلق الحشد الشعبي عملية مهمة تسمى "قادة النصر" تهدف إلى شل تحركات عصابات داعش النائمة في انحاء العراق وتعزيز السيطرة العراقية على الحدود السورية كممر لتنقل عناصر داعش.
فبدأت قوى المقاومة عملية واسعة في بعض المحافظات التي وصلت منها تقارير عن تحركات مشبوهة و وتصدت لخطر اعادة ظهور خلايا داعش النائمة في هذه المناطق، وقامت في أحدث عملياتها خلال الايام الأخيرة بتطهير ثلاث محافظات عراقية من عصابات داعش النائمة.
وعلى هذا النحو، أدى تحرك قوات الحشد الشعبي في الوقت المناسب والاجراءات الاستخباراتية والعسكرية، إلى فشل الخطة الأمريكية - السعودية لسيطرة داعش مرة أخرى على العراق.
أهمية عملية قادة النصر
بالتزامن مع ظهور بعض الاضطرابات في العراق، رأينا بعض التحركات السياسية والأمنية المشبوهة التي كانت تُظهر تدريجياً خطة متماسكة لإعادة جر العراق إلى انعدام الأمن ووجود داعش في هذا البلد.
في الواقع ، إن التحركات المشبوهة لبعض السفارات العربية في بغداد وبث الخلافات العرقية والدينية الواسعة من قبل وسائل الإعلام العربية- الغربية تشير إلى أن تحضير الاجواء لتنفيذ سيناريو كان مخططاً له مسبقًاً.
وعلى هذا الاساس كان هناك فكر إعلامي وسياسي محدد يسعى تدريجياً من خلال استغلال الأجواء الموجودة في العراق وانعدام الاستقرار السياسي في هذا البلد، إلى مباعدة الروابط الفكرية الموحدة للشعب العراقي تماهياً مع مطالبه عبر القانون والحفاظ على وحدة الاراضي العراقية؛ بحيث كانت بعض الجماعات السياسية والقومية تلقي باللوم على باقي الفصائل من خلال اتهامها بالمشاكل الحالية، الأمر الذي أدى أيضًا إلى اشتباكات بين مؤيدي التيارات العراقية المختلفة.
من جهة أخرى ، إن وجود أشخاص مجهولي الهوية في مظاهرات الشعب العراقي في بغداد ومهاجمتهم للمواطنين وقيام وسائل الإعلام العربي - الغربي بتقديم هؤلاء الاشخاص على انهم من قوات الحشد الشعبي، زاد من تعقيد الأوضاع في هذا البلد.
في غضون ذلك ، اظهر الحشد الشعبي للجميع بشكل جيد الاجواء المخطط لها للعراق عبر الإدارة الصحيحة للأوضاع الراهنة وإثبات أن قوات الحشد لم تتدخل في شؤون المظاهرات الشعبية وحتى إصدار قرار بعدم الدفاع عن بعض مراكزه التي تعرضت لهجوم من قبل بعض التيارات السياسية.
من جهة أخرى ، فإن التخطيط لبعض الهجمات المفبركة على محيط السفارة الأمريكية في بغداد ، والتي كانت تسعى إلى إلقاء اللوم على الحشد الشعبي في هذا الحادث واحداث شرخ بين هذه القوات والحكومة العراقية ، فشل عبر يقظة قوات المقاومة حيث قام الحشد من خلال الدخول في المرحلة العسكرية لمواجهة العناصر النائمة لداعش في العراق وحدوده مع سوريا ، بتوجيه الضربة القاضية لخطة اعادة إحياء داعش في العراق، وبالتالي فشل المخطط المعقد ضد الشعب العراقي مرة أخرى.
تكمن أهمية إجراءات الحشد الشعبي في أنه بينما كان يمر العراق في أحد اكثر المراحل اضطراباً في فترة ما بعد داعش وقيام داعمي داعش بجر العراق إلى مسار تبدو الرجعة عنه مستحيلة؛ تمكن الحشد الشعبي من السيطرة على الاوضاع المتوترة في العراق رغم الثمن الباهظ، وفي النهاية أعاق تحقق الحلم السعودي - الأمريكي للعراق من خلال دخوله في المرحلة العسكرية.