الوقت- منذ الاستقلال في عام 1956، كان السودان أحد أبرز الدول الافريقية التي كانت تعاني من العديد من المشاكل الاقتصادية والسياسية والامنية. وخلال العقود الماضية انتشرت الكثير من الانتفاضات جنوب السودان التي أدت بدورها إلى ظهور العديد من الجماعات الإرهابية في البلاد والتي انتشرت بعد ذلك في عدد من الدول الافريقية. وفي هذا السياق، ذكرت العديد من التقارير الاخبارية بأن "أسامة بن لادن" زعيم تنظيم القاعدة السابق كان له دور كبير في انتشار الجماعات الارهابية في عدد من المدن السودانية في تسعينيات القرن الماضي، ولفتت تلك التقارير إلى أن الرئيس السوداني السابق "عمر البشير" المحسوب على تنظيم الاخوان المسلمين شن خلال السنوات الماضية حرب ضد الجماعات القبلية، وقام أيضا بإبادة جماعية في مدنية "دارفور" أودت بحياة 300 ألف سوداني. ومع ذلك، فإنه يمكن القول هنا أن أهم الأزمات التي حدثت في العقد الماضي في السودان، تمثلت في الصراع على السلطة بين مختلف قوى الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان، والتي أدت إلى مقتل المئات وتشريد الآلاف من السودانيين من مناطق جنوب السودان.
وعلى صعيد متصل، كشفت العديد من المصادر الاخبارية بأن رئيس جنوب السودان "سلفا كير" ونائب الرئيس السابق "ريك مقار" توصلوا يوم السبت الماضي إلى اتفاق مع مسؤولي حكومة شمال السودان لتشكيل حكومة ائتلافية انتقالية كجزء من اتفاقية تقاسم السلطة الموقعة في سبتمبر 2018 وبموجب هذا الاتفاق، ستقود الحكومة الانتقالية البلاد إلى الانتخابات في غضون ثلاث سنوات ولفتت تلك المصادر الاخبارية إلى أن "سلفا كير" أكد في خطابه لشعب جنوب السودان أن عجلة السلام أصبحت تدور ولا رجعة فيها.
ولفتت تلك المصادر الاخبارية بأن زعيم المعارضة في جنوب السودان "مشار" أدى اليمين الدستورية كنائب أول للرئيس خلال مراسم استضافتها "جوبا" يوم السبت الماضي، إلى جانب ثلاثة نواب آخرين للرئيس بينهم "ريبيكا نياندينق دي مابيور"، أرملة "جون قرنق" النائب الاول السابق لرئيس الجمهورية في السودان قبل الانفصال ورئيس حكومة جنوب السودان، وقال "مشار" أمام جمع من الدبلوماسيين وممثلين لدول الجوار، بينهم رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول "عبد الفتاح البرهان"، "أقسم أن أكون وفيا لجمهورية جنوب السودان". وصافح "مشار" الرئيس "سالفا كير"، غريمه القديم الذي سيسعى لحكم جنوب السودان معه للمرة الثالثة. ومن جهته قال "سالفا كير" خلال تلك المراسم: "هذا العمل يدل على النهاية الرسمية للحرب. لقد أوفينا بهدف الاتحاد الأفريقي فيما يتعلق بإسكات البنادق في أفريقيا هذا العام". وأضاف: "شقيقي الدكتور رياك مشار وأنا، شريكان الآن في اتفاق السلام".
وهنا تجدر الاشارة إلى أن هذه الخطوة الهامة تعتبر أحدث محاولة يقوم بها المتخاصمين السودانيين لإحلال السلام منذ نشوب النزاع بينهم في عام 2013، أي بعد عامين من استقلال جنوب السودان عن شمال السودان في عام 2011. ومنذ استقلال جنوب السودان، عمل "سلفا كير" كرئيس لجنوب السودان وعمل "مشار" كنائب للرئيس ولكن بعد عامين، قام "سلفا كير" بطرد "مشار" متهماً إياه بمحاولة الانقلاب عليه وهذا الامر أدى إلى نشوب حرب دموية شابتها الاشتباكات العرقية بين مختلف الطوائف والفصائل السودانية في جنوب السودان وخلال تلك الفترة، تم انتهاك العديد من اتفاقيات وقف إطلاق النار وانهارت أيضا اتفاقية السلام لعام 2015 واضطر "مشار" في نهاية المطاف إلى الفرار خارج البلاد وبعد ذلك تم التوقيع في عام 2018 على اتفاقية سلام بينهما تحت ضغط دولي ولكن تم تأخير تنفيذ هذه الاتفاقية لمرتين على التوالي.
التحديات الأساسية
إن القضايا الأكثر إثارة للجدل والتي أدت إلى تأخير تنفيذ اتفاق 2018 لمرتين على التوالي، هما الترتيبات الأمنية والاتفاق على عدد المحافظات التي لا تزال تشكل تحديا كبيرا أمام القادة السودانيين. وفي هذا السياق، يرى العديد من الخبراء العسكريين بأن الترتيبات الأمنية أحدث الكثير من الاضطرابات والنزاعات في جنوب السودان ولا يمكن حلها بسهولة ويُعزى فشل اتفاق السلام السابق إلى حد كبير إلى عدم كفاية الترتيبات الأمنية في مناطق جنوب السودان ولهذا فلقد أهتم جزء من اتفاقية السلام الجديدة، بتشكيل قوة موحدة تضم ما لا يقل عن 41500 من قوات المعارضة والقوات الحكومية لتوحيد صفوف الجيش وطني، ولكن هذه المسألة لم تتم معالجتها حتى الآن.
وذلك لأن المعارضة تتوقع من الرئيس ضمان أمن مختلف جماعات المعارضة في جوبا (عاصمة جنوب السودان) لإنهاء العنف في تلك المناطق. كما أن هناك قضية خلافية في عدد المحافظات وفي هذا السياق، ذكرت العديد من المصادر الاخبارية بأن "سلفا كير" وافق الأسبوع الماضي على إعادة تقسيم البلاد إلى 10 ولايات على أسس عرقية، بدلاً من 32 ولاية تم انشأها في عام 2015. وفي كلمته التي قالها الأسبوع الماضي، أعلن "سلفا كير" عن إنشاء ثلاث مناطق إدارية، ولكن "مشار" أعرب عن عدم قبوله لهذه الخطة ومن المؤكد أن يخلق هذا الامر تحديات جديدة، بما في ذلك التوترات حول الحدود المتنازع عليها ومصير المجالات الإدارية الثلاثة التي لا تزال محل نزاع.
وعلى صعيد متصل، يضاف الوضع الاقتصادي والإنساني المريع في تلك المناطق السودانية إلى مجمل التحديات السابقة، والذي لا تستطيع الحكومة معالجته وهنا تفيد العديد من التقارير الاخبارية بأن أسراب الجراد قامت بتدمير المحاصيل الزراعية خلال الفترة الماضية وهذا الامر أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في جنوب السودان ولفتت تلك التقارير إلى أن 40،000 شخص في جنوب السودان يعيشون في وقتنا الحالي في قحط وجوع. ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، يحتاج سبعة ملايين ونصف المليون شخص إلى المساعدات العاجلة في جنوب السودان. ووفقًا لأرقام الحكومة السودانية والأمم المتحدة الأخيرة، فإنه من بين 1.4 مليون نازح داخل البلاد، أنتقل حوالي 200000 مدني إلى المناطق التي تدعمها الأمم المتحدة ولا يزال يواجه أكثر من 1.1 مليون جوع شديد.
في مثل هذه الظروف القاسية، هناك اختبار مهم لهذا الاتفاق الأخير والمتمثل في ما إذا كان ملايين اللاجئين والمشردين السودانيين سيجدون أن هذا الاتفاق يمكن الاعتماد عليه بدرجة كافية للعودة الطوعية إلى ديارهم ؟. في الواقع، ستكون القضية الرئيسية خارج العاصمة هي مراقبة كيفية تنفيذ اتفاق السلام هذا في المناطق الأكثر تضرراً من الحرب. يذكر أن أكثر من مليوني شخص فروا من جنوب السودان خلال الحرب الأهلية، وخلال الفترة الماضية طالبهم "سلفا كير" بالعودة ولكنهم لم يستجيبوا لمطالبه.