الوقت- في 1 نوفمبر 2019، عندما احتج عشرات المتظاهرين من خريجي الجامعات في ميدان التحرير، على وضعهم الوظيفي وسبل عيشهم، لم يتوقع أحد أن يؤدي هذا التجمع الصغير إلى اندلاع موجة واسعة النطاق من الاحتجاجات في المحافظات الجنوبية والوسطى. أكثر من ذلك، لم يكن بإمكان أي مراقب سياسي أن يتصور أن الاحتجاجات ستنتشر على نطاق واسع لمدة ثلاثة أشهر.
الآن مع اقتراب الاحتجاجات من يومها الثمانين، أصبحت مسألة انتخاب رئيس وزراء جديد يلبي مطالب المحتجين، على جدول الأعمال أكثر من أي وقت مضى. وفي الأيام الأخيرة، تم اقتراح النائب في البرلمان العراقي "محمد شياع السوداني" كخيار جاد لتولي رئاسة الحكومة.
في الواقع، بعد الموافقة على استقالة "عادل عبد المهدي" في البرلمان، علی الرئيس العراقي بموجب الدستور تعيين رئيس جديد للحکومة في غضون 15 يومًا، والتي تنتهي في 18 ديسمبر.
في خضم هذا الوضع، تم رفض ترشيح السوداني كرئيس للوزراء من تحالفي "سائرون" بقيادة مقتدى الصدر و"النصر" بقيادة حيدر العبادي، وفي الوضع الحالي فإن ما يُطرح هو أنه يجب اختيار رئيس وزراء تكنوقراط، ودون أي انتماء سياسي ومنصب سياسي، ويوافق عليه المتظاهرون.
مع ذلك، فإن القضية هي أنه ما هي الإمکانات والقيود التي ستواجهها هذه الاستراتيجية؟ أو بعبارة أخرى، إلى أي مدى يمكن أن يصل إلی کرسي رئيس الوزراء شخص يفتقر إلی الخلفية السياسية، وبموافقة المحتجين فحسب؟
من أجل إلقاء الضوء على هذا الموضوع، من الضروري الحديث عن القيود التي تعترض طريق هذه الخطة.
القيود التي تواجه طريق انتخاب رئيس وزراء عابر للأحزاب وتكنوقراط
فيما يتعلق بالقيود التي يواجهها تنفيذ سيناريو انتخاب رئيس وزراء عابر للأحزاب وتكنوقراط، من الضروري أولاً دراسة آلية انتخاب رئيس الوزراء الجديد بعد استقالة عادل عبد المهدي، ومن ثم تقديم القيود الموجودة، كل حالة على حدة.
بعد استقالة عادل عبد المهدي، يجب على الرئيس العراقي "برهم أحمد صالح" وفقاً للدستور تقديم رئيس وزراء جديد للبرلمان، بموجب المادة 76 من الدستور، كما دعا رئيس البرلمان العراقي "محمد الحلبوسي" في خطاب مكتوب إلى الرئيس العراقي في 3 ديسمبر، ترشيح رئيس وزراء جديد في أقرب وقت ممكن، لكن في هذه الأثناء لم يُلاحظ الشرط المسبق بأنه يجب تقديم حزب الأغلبية إلى الرئيس من قبل رئيس البرلمان.
حالياً مع اقتراب مدة الـ 15 يومًا من النهاية، بحسب الدستور العراقي إذا فشل الرئيس في ترشيح خليفة عبد المهدي، فسيعمل الأخير لمدة 30 يوماً آخر رئيساً للوزراء لتصريف الأعمال، وبعد هذه المدة سينتهي دور الحكومة المستقيلة، وتنص المادة 81 من الدستور على أنه إذا بقي مقعد رئيس الوزراء شاغراً لأي سبب من الأسباب فإن الرئيس سيحل محله، وسيتم نقل صلاحيات رئيس الوزراء إلى الرئيس.
والآن، بالنظر إلى هذا الاتجاه، يمكن تقديم أهم القيود على طريق اختيار رئيس وزراء تكنوقراط وعابر للأحزاب في المحاور التالية:
1- عالم الحكم ليس ساحة التجربة والخطأ، ليستطيع شخص ما يفتقر إلى الخبرة المطلوبة ولمجرد امتلاکه لشهادة أكاديمية فقط، أن يتولی إدارته. وفي العراق، المليء بمجموعة مختلفة من المشكلات التي تتراوح بين الفساد والانقسامات الحادة بين الأحزاب السياسية، فإن توقع وجود شخص ما دون حضور سياسي في الأحزاب ومعرفة بنية الحكم المعقدة في هذا البلد، أشبه بكونه حلمًا بعيد المنال.
2- القول بأن رئيس الوزراء الجديد يجب أن ينال موافقة المتظاهرين، ليس من الواضح علی أي أساس للحل يُقدَّم. الحقيقة هي أنه من غير الواضح كيف يريد المتظاهرون تقديم رئيس وزراء تكنوقراط جديد؟ هل من المقرر أن يكون هناك استفتاء؟ هل سيتم الحصول على رأي مجلس إدارة المحتجين أو ما شابه ذلك؟ إن إثارة مثل هذا الموضوع تشبه الدعابة أكثر من كونها ممکنة التنفيذ علی أرض الواقع.
3- إن الانقسامات بين الأحزاب السياسية تنمو وتتزايد، لدرجة أنه من غير المرجح أن يتم انتخاب أي فرد دون دعم واحد أو أكثر من التيارات السياسية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الشخص الذي يفتقر إلى قاعدة حزبية، من غير الواضح كيف يمكنه مواصلة العمل وسط الصراع السياسي بين التيارات السياسية، أو حتى تنفيذ تعليماته في مستوى آخر.
4- أحد القيود الأخرى لاختيار رئيس وزراء تكنوقراط، يتمثل في التوصل إلى خيارات مختلفة، والتي قد لا يحدث هناك إجماع على اختيار واحد منها. وفي مثل هذه الظروف، سنرى بالتأكيد فراغًا قانونيًا في الحكم والسياسة في العراق، قد لا يمكن حله بسهولة.
لماذا رئيس وزراء تكنوقراط؟ وما هو الحل؟
بالنظر إلى القيود المقدمة، يبدو أن خطة الحكومة التكنوقراطية والعابرة للأحزاب لا تتفق مع حقائق السياسة والحكم في العراق على الإطلاق. وبعبارة أخرى، إن الهيكل القانوني والسياسي للعراق في السنوات التي أعقبت عام 2003، قد استند بشكل ملموس على استعداد الأحزاب السياسية الموجودة في السلطة لتقديم التنازلات والتوافق مع بعضها البعض، والآن فإن أساس خطة رئيس وزراء تكنوقراط يتعارض بشكل جوهري مع جميع القواعد السياسية القائمة.
في البحث عن جذور هذه القضية، من الممكن بالتأكيد رؤية الأيدي الخفية للقوى الأجنبية، وخاصةً أمريكا والکيان الإسرائيلي والسعودية، لخلق الأزمات في العراق.
في لبنان أيضًا، نری المحتجين يتحدثون عن حكومة تكنوقراط، وفي العراق يُطرح هذا الأمر بشکل أكثر جديةً.
في مثل هذه الظروف، يبدو أن اختيار رئيس وزراء تكنوقراط وعابر للأحزاب ليس فقط يشبه الحلم، بل إن مثل هذه الاستراتيجية يمكن أن تزيد بشكل أساسي من نطاق الاحتجاجات في المستقبل.
وفي مثل هذه الحالة، يتمثل الحل المنطقي في التوافق والتعاون بين الأحزاب السياسية، لانتخاب شخصية سياسية تتمتع بالخبرة والقدرة علی إدارة الشؤون. والحقيقة هي أن رئيس الوزراء المقبل يجب أن يكون لديه شخصية صلبة وقوية، ليتمکن من إدارة مسار التطورات.