الوقت- بكل المقاييس، لم يكن يوم أمس، الواحد والثلاثون من آب، يوماً عادياً على الإطلاق بالنسبة للعاصمة المصرية، فقد حل "ربيع غازي" يبعث الامل للقيادة والشعب المصري في إستعادة دور القاهرة الريادي في المنطقة. ورغم تقليل البعض من أهمية الإكتشاف الجديد، في ظل بعض التقارير التي تشير إلى أن تكلفة إستخراج الغاز ستكون أكبر من تكلفة إستيراده، إلا أن تقارير شركة «إيني» الإيطالية، إحدى كبريات شركات التنقيب الأجنبية في قارة افريقيا، تدحض هذه الإدعاءات، خاصةً أنها أعلنت إستعدادها للإسثمار بقيمة 7 مليار دولار في الحقل الجديد.
عندما نتحدث عن "ربيع مصري"، فإننا نعني ما نقول، إذ تشير تقارير شركة «إيني»، أن الكشف الجديد الذي يعد أكبر حقل غاز في التاريخ، يتضمن احتياطات أصلية تقدر بنحو 30 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي (تعادل حوالي 5.5 مليار برميل من المكافيء النفطي) ويغطي مساحة تصل إلى 100 كيلومتر مربع.
في الواقع، يمكننا القول أن الشعب المصري، لم يعد بحاجة إلى دول الجوار، وعلى رأسهم الكيان الإسرائيلي، لتأمين إحتياجاته من الطاقة، بإعتبار أن الحقل العملاق في المياه الإقليمية المصرية، "سيساعد على تلبية احتياجات مصر من الغاز لعقود مقبلة"، وفق ما ترى الشركة الإيطالية.
إذاً، يعد حقل «الشروق» إستراتيجياً بالنسبة إلى مصر إن من حيث الكم، أو من حيث الحاجة؛ بل من حيث التأثير، وبالتالي إن هذها الإكتشاف يشي بالبحث عن التداعيات المفترضة على الموقف المصري، فـ"ما هي التداعيات الإقتصادية والسياسية للكشف الغازي «شروق»؟ وكيف سيؤثر هذا الحقل على العلاقات المصرية مع كل من أمريكا، السعودية والكيان الإسرائيلي؟
تداعيات إقتصادية
يحمل هذا الإكتشاف في طياته جملة من التداعيات الإقتصادية بالنسبة لمصر، على الصعيدين الداخلي والخارجي، ويمكن حصر هذه التداعيات بالامور التالية:
أولاً: يلبي حقل «الشروق» الغازي حاجة مصر من الطاقة لعدّة عقود مقبلة، وبالتالي لم يعد الشعب المصري بحاجة إلى إستيراد الغاز الذي يثقل كاهل خزينته. بعبارة آخرى، يعد هذا الإكتشاف كنزاً ثميناً للحكومة المصرية التي تعاني من ظروف إقتصادية صعبة.
ثانياً: إن الإكتشاف الجديد الذي يأتي بعد فترة قليلة على إفتتاح قناة النيل الجديدة، يساهم بشكل كبير في تعزيز الحياة الإقتصادية، وبالتالي يرفع مستوى الرفاه الإقتصادي والإجتماعي للشعب المصري.
ثالثاً: على الصعيد الخارجي، يعد الكيان الإسرائيلي أكبر المتضّررين من حقل «الشروق» العملاق، حيث قاد إعلان شركة «إيني» الإيطالية عن اكتشافها أكبر حقل للغاز في البحر المتوسط ضمن المنطقة الاقتصادية المصرية إلى انهيار أسعار أسهم شركات الطاقة الإسرائيلية وخصوصاً تلك المالكة لحقل "لفيتان " .
رابعاً: إسرائيلياً أيضاً، وصف البعض اكتشاف الحقل الجديد بالـ«يوم الأسود» بالنسبة للكيان الإسرئيلي حيث تراجعت أسعار أسهم شركات الطاقة ما بين 11 في المئة لشركة «ديلك» و21 في المئة «رتسيو»، وهما شريكتان في حقل لفيتان. وتراجعت حتى أسعار أسهم شركات النفط بحوالي 6 -7 في المئة في يوم واحد .
خامساً: إن اكتشاف حقل «الشروق» الإستراتيجي يشكل ضربة قوية، وربما قاصمة لمشروع تطوير حقل "لفيتان"، الذي اعتبر مصر وتركيا المستوردين الأساسيين للغاز، وقد وقّعت الشركة المستثمرة للحقل الإسرائيلي سابقاً على مذكرات تفاهم مع مصر والأردن بقيمة 50 مليار دولار، الأمر الذي دفع برئيس مركز دراسات الأمن القومي السابق عوديد عيران للقول حول اكتشاف الغاز المصري:"قصة مؤلمة لنا، لأن ذلك سيؤخر لسنوات طويلة تطوير حقل لفيتان الذي فقد عملياً زبوناً مهماً وكبيراً " .
تداعيات سياسية
وبما أن الإقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة، لن تقتصر تداعيات الإكتشاف الغازي الجديد على الجانب الإقتصادي، بل ستتعداه إلى تداعيات سياسية "إستراتيجية"، بإعتبار أن العلاقة بين الإقتصاد والسياسة طردية بإمتياز، فالسياسة تؤثر تأثيرا مباشراً على الاقتصاد والاقتصاد يؤثر على السياسة، وفي هذا السياق لا بد من ذكر التالي:
أولاً: إن تعزيز الإقتصاد المصري بسواعد أبنائه، أو بـ"رسالة من ربنا" كما قال رئيس الوزراء إبراهيم محلب، يعيد إلى القاهرة دورها الريادي في منطقة الشرق الأوسط، كما يعكس صورة جديدة لإستقلال القرار السياسي، كالإقتصادي، وبالتالي إبتعاد أو إنسحاب مصر من ميادين عدّة دخلتها، مرغمةً، بسبب الأوضاع الإقتصادية الصعبة، أبرزها: واشنطن، الرياض، وتل أبيب.
ثانياً: إسرائيلياً، قد تشهد العلاقات مع الكيان الإسرائيلي تراجعاً مستمراً وبالتحديد عند بدء الإستفادة الفعلية من الحقل العملاق، أي بعد ثلاث سنوات. لم تعد الحكومة المصرية بحاجة للرضوخ السياسي لـ"تل أبيب" بسبب إمدادت الغاز التي تحصل عليها، وبالتالي قد نرى التفاف مصر التدريجي بإتجاه بوصلة الرئيس جمال عبد الناصر، خاصةً أن أغلب أبناء الشعب المصري، لاسيّما النخب الفكرية ترفض العلاقات مع "إسرائيل". قد يكون البعض محقاً في وصفه حقل الغاز المصري بمثابة الـ"كرت أحمر" بوجه "إسرائيل".
ثالثاً: على المستوى السعودي، تبدو الخلافات بين البلدين أكثر وضوحاً مع مرور الأيام، إلا أن الجانب المصري مُرغم حالياً على تجاهل بعض الخلافات للحصول على الدعم الإقتصادي الخليجي عموماً، والسعودي على وجه الخصوص. ما يعزّز هذه الدعوة، الاوضاع الإقتصادية الصعبة التي قد تعاني منها السعودية قريباً في ظل الحديث عن "سياسة تقشف" بسبب العجز الحاصل في الميزانية والذي قدّر بأكثر من130 مليار دولار. إن إنفراج مصر إقتصادياً يعني بشكل أو بآخر إستعادة دورها الريادي، خاصةً في ظل الاوضاع التي تعاني من دمشق وبغداد، الوصيفة الأولى والثانية للقاهرة في قيادة العالم العربي.
رابعاً: أمريكياً، لا يختلف المشهد كثيراً عن نظيريه الإسرائيلي والسعودي، اذ تحتكم العلاقات السياسية بين القاهرة وواشنطن بشقّها الاكبر في التبعيّة الإقتصادية، سواءً عبر المعونة الأمريكية لمصر، او إتفاقية الكويز(QIZ ) الموقعة بين مصر وأمريكا والكيان الإسرائيلي.
في الخلاصة، يمثّل حقل «الشروق» الإستراتيجي فرصة ثمينة للحكومة والشعب المصري في تعزيز إستقلالهم السياسي والإقتصادي، خاصةً إذا ما حاول الشعب، رغم كافّة العراقيل الداخلية من قبل بعض أصحاب رؤوس الأموال وخارجياً من قبل بعض الدول التي تكن العداء لمصر، دخول ميدان الإقتصاد الذاتي أو الإقتصاد المقاوم.