الوقت- انتهت حقبة رئيس الأركان الإسرائيلي الـ21 غادي إيزنكوت دون دخوله بأي اختبار حقيقي على مختلف الجبهات. الرجل الذي دخل فترة التبريد، وهي الفترة التي يجب على رؤساء الأركان الابتعاد فيها عن عالم السياسة، يقبع حالياً في مرحلة تبدو كأنها مرحلة انتقالية نحو عالم السياسة يحاول فيها تلميع صفحته وتبرير أخطائه، ليس آخرها فيما يتعلّق بإخراج القوة الإسرائيلية الخاصة من خانيونس والرد الإسرائيلي الضعيف على إطلاق الصواريخ من غزة، وقبلها مسألة الأنفاق على الجبهة الشمالية بعد كلمة السيّد نصر الله.
في الحقيقة، لم يرغب إيزنكوت الذي قدّم نفسه جنرالاً ومفكّراً استراتيجياً ومنظّراً، وفق تعبير السيد نصرالله، أن تكون رئاسة الأركان خاتمةً لمسيرته العسكريّة فحسب، بل بوابةً للعبور نحو المعترك السياسي.
لم يرث ايزنكوت تركة يحسد عليها من رئيس الأركان السابق بني غانتس الذي يخوض حالياً المعترك السياسية إلى جانب وزير الدفاع الأسبق موشيه يعالون، فقد عمل صاحب "استراتيجية الضاحية" على بناء قدرات الجيش الإسرائيلي وتطويرها خلال رئاسته للأركان التي رفض فيها التمديد له لأسباب سنشير إليها في ثنايا هذا المقال.
رغم أن إيزنكوت حالياً في فترة التبريد التي ستجبره على الابتعاد عن السياسة، إلا أن أحاديثه العسكرية ستكون سياسيّة بامتياز تحضيراً لمرحلة ما بعد التبريد، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى النقاط التالية:
أوّلاً: لم يدخل إيزنكوت الذي سعى لتقديم إنجازات وهمية عن حقبته في الأركان في أيّ اختبار حقيقي، ما نقصده هنا من الاختبار هي الحرب المباشرة، لكن معارك ما بين الحروب التي خاضها في غزّة أو في سوريا ستؤثر بشكل كبير على مستقبل إيزنكوت السياسي.
ثانياً: لم ينجح إيزنكوت في الحدّ من "التحدّيات التي تلزمه بأن يتصرّف بمسؤولية" كما قال في مراسم تقلّده لرئاسة الأركان، يقول المعلق العسكري بصحيفة "معاريف" العبرية، يوسي ميلمان، أنّ الأحداث السياسية الأخيرة كشفت عن فشل سياسة رئيس الأركان الإسرائيلي السابق غادي أيزنكوت، في سوريا"، وفي لبنان الوضع يبدو أكثر سوءاً بالنسبة لإيزنكوت مع وصول الصواريخ النقوطية إلى الحزب، ومؤخراً مسألة الأنفاق التي حاول إيزنكوت أي يقدّم فيها نصراً وهمياً.
ثالثاً: العودة إلى خطابات إيزنكوت تشير إلى شعارات برّاقة لم تترجم على أرض الواقع بدءاً من "عقيدة الضاحية" وصولاً إلى قاعدته المعروفة أن "الهجوم هو فقط ما يجلب النصر"، لكنّ تصرفاته على أرض الواقع عكست حذراً غير مسبوق، القادم من تاريخ مليء بالعنف والقتل والإجرام ابتداءً من قمع الانتفاضة الأولى عام 1987 مروراً بقمع الانتفاضة الثانية عام 2000، وصولاً إلى المواجهة مع حزب الله عام 2006، وما بينها من عمليات استخباراتية في سوريا ولبنان، آثر ألّا يدخل في معركة مباشرة خشية التأثير على مشروعه طويل الأمد.
رابعاً: ما زاد من طينة نتنياهو بلّةً، أنّ إيزنكوت رغم اعترافه بتقديم السلاح للإرهابيين في سوريا عجز عن تحقيق الأهداف التي كان يتطلّع إليها الداخل الإسرائيلي، صحيح أن إيزنكوت قد استلم في مرحلة ضبابية عاشتها المنطقة، لاسيّما في سوريا، لكنّ غبار الحرب بدأ ينقشع اليوم ليميط اللثام عن واقع عسكري يقابل الكيان الإسرائيلي يفوق بأضعاف الواقع الذي كان سائداً قبيل استلام إيزنكوت للأركان.
خامساً: ما يراهن إيزنكوت عليه اليوم هو ذاكرة سكّان الكيان الإسرائيلي من جهة، والعثرات المرتقبة لخلفه أفيف كوخافي من ناحية أخرى، فرغم فشله في تحقيق أي إنجاز، إلا أنّه ليس بالذاكرة السيئة في أذهان الإسرائيليين نظراً للهدوء الذي ساد على الجبهة في أيّامه، في الحقيقة، إن الفترة الحالية لإيزنكوت في فترة تبريد وتبرير للعثرات التي تعرّض إليها.
عوداً على بدء، راهن ايزنكوت على عدم قبول التمديد له، كان في الأركان وعيّنه على السياسة، لكنه أدخل نفسه من خلال عملية الأنفاق، وقبلها سياسته في سوريا، في نفق مظلم قد يقطع عليه أي فرصة ذهبية في الأركان كانت كفيلة لو كتب لها النجاح بأن يدخل إلى العملية السياسية الإسرائيلية من أوسع أبوابها، فهل سيسير إيزنكوت على خطا رؤساء الأركان السابقين؟ هل سنشاهد إيزنكوت رئيساً للحكومة الإسرائيلية بعد فترة التبريد؟