الوقت- أربعة أعوام مضت على ثورة التصحيح اليمنية التي ولدت راشدة قوية الأذرع، ثورة اجتثت الأوراق الخارجية والأدوات الرخيصة التي نراها اليوم ريبوتات مسيّرة تتلاعب بها قوى العدوان لتدمير وطن واسع تربعوا على مقاليد حكمه أكثر من ثلاثة عقود وأفرطوا في نهب خيراته وتأجيج الصراعات فيه لضمان بقائهم على رأس السلطة، ومن خلفهم المظلة الخليجية التي جعلت اليمن محافظة مطيعة تدار من زوايا الديوان الملكي.
إلغاء الجرعة السعرية، التي فرضتها حكومة ما يسمّى بالوفاق الوطني، وإقالة الحكومة ذاتها، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني حرفاً ونصّاً دون انتقاء، كانت تلك هي الخطوط العريضة لأهداف ثورة الـ 21 سبتمبر، التي بدأت بخطوات سلمية ثابتة وبسيطة، وانتهت بسقوط العاصمة صنعاء، عاصمة القرار السياسي، وبالرغم من الأهداف الواضحة التي تبنّتها الثورة، وتجسيدها للمطالب الشعبية، إلا أنها قوبلت برفض حكومي قاطع، وتسييس علني رسمي، تمخّض عن خطوة استباقية للحيلولة دون تحقيق تلك الأهداف، وتمثّلت فيما سمّي حينها بالاصطفاف الوطني الذي دعا له الرئيس المنتهية ولايته منصور هادي، بصفته مسيّراً لا مخيّراً، لتلك القوى والشخصيات المتكبّرة، التي ترى أنه بفضلها وصل لسدّة الحكم، كنتاج لثورة الـ 11 من فبراير 2011م، وترى أن هذه الثورة جاءت لتصحيح مسار المطالب الشعبية الحقيقية التي وأدها أولئك بالمحاصصة السياسية التي أنتجتها المبادرة الخليجية لحماية مصالحهم وثرواتهم وإملاءاتهم المفروضة على صنّاع القرار السياسي.
وبصرف النظر عن الآلية التي انتهجتها هذه الثورة سياسياً واجتماعياً وإعلامياً وعسكرياً، إلا أنها كشفت الكثير من الوجوه، وأسقطت العديد من الأقنعة، ولا سيما أولئك الذين ركبوا موجة الثورة الماضية لتحقيق مآربهم الشخصية تحت مظلّة من الشعارات المطاطية والمبرّرات الواهية، التي بدأت بشعار إسقاط النظام وانتهت بمنح ذات النظام حصانة قانونية ونصف الحكومة التوافقية.
ولا يخفى على الجميع كيف تعاطت حكومة الوفاق برئاسة محمد سالم باسندوة والقوى التي تسيّر قراراتها يومها مع الثورة الشعبية الأخيرة، مقارنة بالأولى التي جاءت بها، وتغيرت المواقف والخطوات الرسمية تجاهها في مفارقة عجيبة من التناقضات الكاشفة عن الارتباك والتوجس زادت من الزخم الثوري لهذه الثورة الحقيقية، فهذه الثورة في نظر السلطة يومذاك انقلاب خطير ومرتّب، وقمع شبابها وثوارها واجب ديني ووطني، في حين أن سابقتها ثورة شعبية مباركة وقمع شبابها وثوارها جريمة دينية ووطنية لا تسقط بالتقادم، أضف إلى ذلك أن ثورتهم السابقة صنّفت اقتحامها للمؤسّسات الحكومية والوزارات عملاً سلمياً وخياراً تصعيدياً مشروعاً، بينما نفس تلك الأعمال صنّفت يومها في الثورة الجديدة إرهاباً منظّماً وعملاً تخريبياً لا مسؤولاً، حتّى أن نفس المطالب الشعبية كانت في ثورتهم مشروعة وحقيقية، بيد أنها في هذه الثورة ليست أكثر من مطالب خارجية لا نصيب للشعب منها سوى التغرير، حتّى وصل بهم الهرج إلى منح ضحايا ثورتهم وسام الشهادة، واكتفوا بنعت ضحايا الثورة التصحيحية الأخيرة بالزنادقة والمجوس والمرتدّين.
وبعيداً عن أهداف كلّ ثورة ومقوّماتها ونتائج مخرجاتها، إلا أن الثورة الأخيرة خلت من الكرامات والمعجزات التي حظيت بها سابقتها ببركات خرافات الإخوان وعلمائهم، فلم نر تواجداً لجبريل عليه السلام في شارع المطار، كما فعل في منصّة ساحة الجامعة، ولا ملائكة مسوّمين يسقطون التباب، كما فعلوا مع شبابهم في حي الحصبة وجولة كنتاكي، ولا مفسدة كبرى وصغرى في دماء الأبرياء وموادّ الدستور، وبالمجمل العامّ فإن ردود الأفعال السياسية المحلّية تمخّضت إيجاباً بالتوقيع على اتّفاق السلم والشراكة، الذي كان على مسافة واحدة من كلّ أطياف القوى السياسية، وبإشراف أممي، ممثّلاً بجمال بن عمر، الذي كشف تقريره مؤخّراً أن السعودية كانت تقف في طريق أي تسوية سياسية، خصوصاً بعد تشكيل حكومة بحاح التوافقية، هذه العراقيل التي فرضتها السعودية عن طريق أدواتها في الداخل لإفشال أي حوار سياسي هي ذاتها التي فاقمت الوضع المتأزّم، وجعلت من عاصفة الحزم وإعادة الأمل البديل الأنسب لتحقيق أهدافها عسكرياً، بعد أن عجزت عن تحقيقها سياسياً في "الموفمبيك"، عن طريق أدواتها السياسية الداخلية التي تستضيفها اليوم في زوايا فنادقها.
اليوم يحتفل اليمنيون بذكرى ثورتهم الرابعة وهم يصارعون بمفردهم تحالف متغطرس من عشرات الأقطار والجنسيات، ويرسمون بتصنيعهم الحربي وانتصارات الجبهات لوحة إعجاز يمنية تحفّها رعاية الله وتشّكل معالمها وألوانها.
بقلم: فؤاد الجنيد