الوقت- لا يبدو أنّ الوضع الصحي لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على ما يرام هذه الأيام، خاصة أنّ عباس دخل المستشفى للمرة الثالثة في أقل من أسبوع، ما فتح المجال أمام الكثير من التكهنات بشأن وضعه الصحي، وهذا الأمر أرخى بظلاله على مستقبل السلطة الفلسطينية وحركة فتح.
عباس لا يريد لأحد أن يمارس مهامه في السلطة مادام على قيد الحياة، بحسب مصدر قريب من الرئاسة، وتعمد الرئيس "أبو مازن" خلال السنوات الأخيرة إقصاء كل وجه سياسي بارز قادر على خلافته، فالرجل يريد أن يتولّى بنفسه زمام الأمور في الحكم دون تدخل من أحد، وحتى من قادة فتح أنفسهم.
نأمل أن يعود عباس إلى مهامه معافى، لأن المرحلة الحالية تتطلب وجوده في ظل حرب شرسة تشنّها "إسرائيل" وبدعم غير محدود من أمريكا على الفلسطينيين، ونتمنى من عباس أن يكفّ عن محاربة حماس في هذه المرحلة الحرجة التي تمرّ بها فلسطين، خاصة أن الأخبار من هناك تقول بأن فترة ولاية "أبو مازن" تقترب من نهايتها، وقد شبّه موقع ميكور ريشون العبري حالته بأنها تشبه حالة شخص في سباق الماراثون، وهو الآن في اللفّة الأخيرة من الملعب، ويتوقع تصفيق الحشود.
إذاً عباس اقترب من نهايته، ولكن في الحقيقة فشل في الحفاظ على إرث الرئيس الراحل ياسر عرفات، ومن المؤسف أنه ما زال منشغلاً في مواجهة حماس حتى في لحظاته الأخيرة بدلاً من الالتفات إلى ما يتربّص بالقضيّة من تحدّيات وأخطار مصيرية.
يقول الموقع العبري الآنف الذكر: إنه في الأسابيع الأخيرة، ومنذ انفجار اتفاق المصالحة "الفلسطينية – الفلسطينية" كان أبو مازن يعمل بجدّ ضدّ قطاع غزة، وخاصة ضد حماس، وتعتقد المؤسسة الأمنية أن الضيق الفلسطيني في قطاع غزة هو أيضاً خطأ رئيس السلطة الفلسطينية، ما دفع بحماس في غزة إلى الزاوية، وهو وصفها بـ "منطقة المتمردين"، وقام بتقليص الموارد لقطاع غزة أكبر قدر ممكن.
ويضيف الموقع إن "أبو مازن" غاضب من حركة حماس التي استولت على السلطة في قطاع غزة بالقوة، والآن يغلق الحساب معهم، وهو يستخدم قوته، وضيق الحال في قطاع غزة لغرض الانتقام من قيادة حماس، ويحاول إعطاءهم درساً بأن هناك حكومة واحدة، وسلاحاً واحداً، وقيادة واحدة، وإن لم يتصرّفوا وفق رؤيته سيستمرون في دفع الثمن.
مقارنة بسيطة مع عرفات
الجميع كان يترحّم على الرئيس الراحل ياسر عرفات، رغم اختلاف وجهات النظر التي كانت قائمة معه، والسبب في ذلك أنه كان ينفّذ ما يراه صلاحاً للقضيّة، وعندما يتطلّب الأمر الحسم كان حاسماً ضد الاحتلال.
وأما عباس لم يكن كذلك، فقد قسّم فتح، هاجم بقية الفصائل، عاقب الشعب الفلسطيني في غزة، ومن يناصر حماس في الضفّة.
لا شكّ أن عباس يريد أن يظهر كقائد تاريخي في أعين الشعب الفلسطيني، ولكن حتى كتابة هذه السطور لم يستطع أن يبدو كذلك، حتى أنّ الكثير من سكان الضفّة، والقيادات الفتحاوية غير راضية عن سلوك عباس، ولكن لا حول لها ولا قوّة.
عباس شارف على نهايته، ولكن "صفقة القرن" التي تعدّ تهديداً كبيراً للسلطة الفلسطينية، هي في الحقيقة فرصة ذهبية لن تتكرّر للرئيس عباس حيث يخوّله أي موقف بطولي للظهور على أنه ماضٍ على خطا الراحل عرفات الذي قالها في أيامه الأخيرة (شهيداً..شهيداً..شهيداً).
لا بدّ اليوم لعباس من أن يتخذ موقفاً تاريخياً ينفض من خلاله غبار عقد ونيّف من الخنوع والتنسيق الأمني المهين للفلسطينيين، حيث إنّ أي موقف تاريخي من الممكن أن يمنحه وسام الشهادة الذي قد يغسل له ذنوبه التي اقترفها بحقّ أبناء ونساء وشيوخ غزة، فضلاً عن مقاوميها وكذلك ثوابت القضية الفلسطينية.
لا بدّ لعباس من دعم الخيار الشعبي، والمضي قدماً في دعم مسيرات العودة التي يرغب الجميع في إحباطها، وإظهارها على أنها غير مجدية ومكلفة للفلسطينيين الذين يقدّمون الكثير من الأرواح دون أن يحققوا أي إنجازات، لكن الواقع ليس كما يحب أن يصوّره الإعلام الإسرائيلي، والغربي، وبعض القنوات العربية، لأن ما جرى ويجري في غزة هو "بطولة تاريخية" لشعب محاصر برّاً وبحراً وجواً، ومع ذلك لم يرضَ بالذل وانتفض لنصرة قضيته غير مكترث بما قد يحدث له بعد أن باعه كثر ممن كانوا يرفعون رأسهم به في السابق.
مسيرات العودة حاضرة وفاعلة ومؤثرة وقد سلّطت الضوء على قطاع غزة وأوضاعه الاقتصادية، والإنسانية المتدهورة، وهو ما أثّر على مواقف العديد من القوى الدولية ودفعها إلى المطالبة بتحسين الأوضاع في القطاع.
كما حسّنت من قدرة المقاومة في غزة على استعادة زمام المبادرة في الساحتين الداخلية والإقليمية والدولية، وحسّنت أيضاً المزاج الوطني في القطاع بشكل كبير بعد أن فتحت آفاقاً جديدة للنضال، ورغم الألم والشهداء والدماء، علينا أن نتذكر أن "إسرائيل" تدفع ثمناً أمنياً يتمثل في استنفار نصف قوّتها البرية، وتراجع مكانتها الدولية، إضافة إلى أنه يعرّي المتواطئين الداخلين والإقليميين.
المقاومة هي الحلّ، وما يفعله الشعب الفلسطيني هو عين الصواب لاسترداد الحق المغتصب، ويجب على عباس لكي يذكره التاريخ أن يقف مع تطلّعات أبناء شعبه، ويدعمها، ويشعل روح الثورة، والغضب في نفوس الشباب.