الوقت- عدم المواجهة والهروب إلى الأمام، سياسة يفضلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتنصل من مشاكله، آخر هذه السياسات هي سعي ترامب إلى نقل سفارة بلاده من "تل أبيب" إلى القدس المحتلة، وهو الأمر الذي أشعل عاصفة من ردود الفعل المعارضة لهذه الخطوة، لا سيما أنّ مسألة نقل السفارة ظهرت بعد استجواب صهره ومستشاره "جاريد كوشنر" بقضية التخابر مع روسيا، وعلاقته بمستشار الأمن المستقيل "مايكل فلين" الذي قدّم استقالته في فبراير/ شباط الماضي بعد تضليل البيت الأبيض بشأن لقائه بالسفير الروسي قبل تولي ترامب مهام منصبه.
مناورة سياسية
على الرغم من كافة التصريحات واللغط الكبير الذي أُثير حول نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، أكدت تقارير صحفيّة نقلاً عن مسؤولين أمريكيين ترجيحهم أن يؤجل ترامب مسألة نقل السفارة، مشيرين إلى أنّ ترامب يحاول إثارة الجدل في وسائل الإعلام حول قضة نقل السفارة لاشغاله عن قضية التخابر مع روسيا وهي القضية التي تشغل الرأي العام الأمريكي حالياً، منوّهين بأنّ ترامب سيصدر أمراً رئاسياً بتأجيل البت في قضية نقل السفارة إلى ستّة أشهر قادمة.
ويذهب محللون إلى أنّ استخدام مسألة نقل السفارة من قبل ترامب يُعدُّ استمراراً لسياسته المعهودة في الهروب إلى الأمام، في حين حذر محللون آخرون من خطورة هذا القرار حال اتخاذه، الأمر الذي من شأنه التأثير على مستقبل القضية الفلسطينية ومستقبل العملية السياسية برمتها.
وفي السياق ذاته؛ أشار مسؤولون أمريكيون إلى أنّه ومن ضمن الخيارات الأخرى التي يدرسها ترامب اصدار تعليمات لمساعديه لتطوير خطة طويلة الأجل بشأن نقل السفارة، وذلك بهدف اخفاء نيّته بشأن عملية نقل السفارة، في حين أشار مسؤولون أمريكيون إلى أن الخطة المذكورة لم تكتمل بعد وأن ترامب قد يغيّر أجزاءً منها.
القدس مقابل السلام
الحديث عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ترافق مع الحديث عن خطة سلام أمريكية باتت في طريقها للتبلور، حيث نقلت هيئة البث الإسرائيلي عن مسؤولين غربيين قولهم إنّ نقل السفارة يأتي مع مبادرة أمريكية هي في جوهرها "خطة سلام اقتصادي" تقوم على جمع عشرة مليارات دولار من الدول المانحة لتأسيس الدولة الفلسطينية، الأمر الذي سيشكل جسراً لإقامة علاقات رسمية إسرائيلية مع العرب.
الموافقات الضمنيّة على نقل السفارة الأمريكية جائت بدايةً على لسان الملك الأردني عبد الله الثاني الذي أكد على أنّ نقل السفارة الأمريكية لا بدّ أن يأتي ضمن إطار "حل شمولي" يحقق إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية تعيش بأمان وسلام إلى جانب إسرائيل!، الأمر الذي أرجعه مراقبون إلى أنّ المملكة الأردنية لا تُعارض نقل السفارة، غير أنّها تطالب بأن يكون ذلك ضمن أُطرٍ معيّنة من شأنها تخفيف الاحتقان الذي سينتج عن هذا الأمر.
وذكر مراقبون أنّ عدد من الدول المؤيدة للتطبيع مع الكيان ستجد نقل السفارة مع ما يتضمنه من إحلالٍ شكلي "للسلام" فرصة لإعلان التطبيع الكامل مع إسرائيل وتبادل السفارات معها، حيث سيكون ذلك "السلام" مفتاح دخول إسرائيل إلى تلك الدول.
التقارب الملفت وتلاقي المصالح بين بعض الأنظمة العربية (الإمارات، السعودية، البحرين والأردن) والكيان، سيجبرهم على الترحيب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وذلك في سبيل إقامة علاقات أفضل مع الكيان الإسرائيلي، وما تحمله تلك العلاقات "بنظرهم" من فوائد.
تحذير
التحذير من نقل السفارة جاء بدايةً ومنذ العام 2016 على لسان فيديريكا موغيريني؛ رئيسة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، التي أكدت أنّ نقل السفارة الأمريكية إلى القدس سيكون له عواقب وخيمة، مشيرةً إلى أنّ هذا الأمر سيكون له آثار سلبيّة عدّة كما أنّه سيثير غضباً شعبياً في أنحاء العالم، حسب قولها.
التأييد الأردني الذي تحدثنا عنه سابقاً نفاه خبراء؛ مؤكدين أنّ الأردن يُعارض نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، مُرجعةً السبب إلى أنّ الأردن يُعتبر من أكبر الدول الحاضنة لللاجئين الفلسطينيين في المنطقة، إذ يعتبر نصف الأردنيين أو يزيد من أصول فلسطينية، الأمر الذي من شأنه أنّ يجعل الأوضاع في الأردن مهددة بالانفجار، الأمر الذي دفع باحث أميركي لتحذير الرئيس الأميركي من الموقف الشعبي الأردني في حال اعترفت الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقلت شبكة CNN الأمريكية عن باحث في مركز "أميركا الجديدة" لدراسات الأمن تحذيره من تأثر دولة مثل الأردن التي تعتبر واحدة من أبرز حلفاء أميركا بالمنطقة، ولكنها قد تشهد اضطرابات بحال إعلان القرار نظرا للعدد الكبير من الفلسطينيين فيها، مشيراً إلى أنّ السفارات والقنصليات الأمريكية في الشرق الأوسط ومجمعاتها قد تتعرض للهجوم في حال تمّ اتخاذ قرار النقل.
تقارير إعلامية أشارت إلى أنّه حتى الدول التي تُقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بما فيها الأوروبية والتي تتواجد سفاراتها في تل أبيب؛ ترفض الاعتراف بضم القدس المحتلة لإسرائيل، حيث أن هذا الضّم غير شرعي وينتهك القانون الدولي، كما هدّدت منظمة التحرير الفلسطينية بأنه في حال تم نقل السفارة الأميركية إلى القدس، فإنها ستلغي اعترافها بـ "دولة إسرائيل"، بدورها لجان المقاومة في فلسطين حذرت اليوم السبت (2 ديسمبر) من أنّ أي قرار يصدر من الإدارة الأميركية بنقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس المحتلة والإعتراف بها عاصمة للكيان الصهيوني بمثابة إعلان حرب على الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية .
الجدير بالذكر أنّ مسألة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة مسئلةٌ قديمةٌ جديدة، حيث يعود القانون الخاص بنقل السفارة إلى العام 1995، وهو قانونٌ ينصُّ على نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس المحتلة، غير أنّ الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين فضّلوا إبقاء الوضع على ما عليه، مع إصدار أمر رئاسي يُجدد كل ستّة أشهر يسمح بتأجيل نقل السفارة، وذلك تفادياً لإشعال الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط.