الوقت- لا تترك واشنطن مجالا لأحد للوثوق بها أو للعمل معها وفقا لمعايير محددة وقانونية حتى وإن كانت هي من وضع هذه القوانين أو حارب لإقناع المجتمع الدولي بها، ولا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أن تخفي نواياها المعرقلة لأي حل سلمي في الشرق الأوسط أو خارجه وكأن العالم برمته عدوها.
الولايات المتحدة الأمريكية التي تدّعي أنها بلد الحرية والمدافع الأول عن القانون الدولي وحقوق الإنسان، تدير ظهرها لهذه المبادئ وتدعس عليها عندما تجدها تعارض مصالحها على أرض الواقع، كما هو الحال اليوم في سوريا التي تتواجد فيها واشنطن عبر 13 قاعدة عسكرية وقرابة الـ 500 جندي أمريكي وفقا لآخر الإحصائيات دون أي مبرر قانوني يسمح لها بالتواجد هناك خاصة أن تواجدها كان مقرونا بمحاربة تنظيم داعش الارهابي، واليوم رحل هذا التنظيم عن الأرض السورية بعدما أغرقها بالدماء والخراب، إذا مالحجة من بقاء القوات الامريكية هناك؟، وهنا نشارك الخارجية الروسية تساؤلها عن الأهداف الحقيقة الكامنة وراء إبقاء واشنطن لقواتها في سوريا؟!
وجهة نظر واشنطن
كان لخروج تنظيم داعش الإرهابي من الأراضي السورية والعراقية في آن واحد وقع غير جيد على سياسة واشنطن في المنطقة، حيث كان تواجد داعش هو المبرر الوحيد لإبقاء القوات الامريكية، ورافق خروج داعش زيارة مفاجأة للرئيس السوري بشار الأسد إلى روسيا تبعها اجتماع ثلاثي لرؤساء "روسيا، تركيا وإيران" في مدينة سوتشي الروسية، وكان لهذا الاجتماع دلالات كبيرة فهمتها واشنطن جيدا، وكان لافتا جدا الموقف التركي الذي جاء متناغما مع كل من روسيا وايران وأصبح أقرب أكثر من السابق تجاه موقف أنقرة من الحكومة السورية والرئيس السوري.
التطورات الأخيرة السياسية والعسكرية حصرت واشنطن في "خانة اليك"، لذلك لم يعد أمامها سوى كشف نواياها من البقاء في سوريا، معتبرة أن خروج قواتها سيسمح للجيش السوري باستعادة السيطرة على المناطق الغير خاضعة لـ"داعش"، وهو ما سيكون ضمانا لبقاء الرئيس السوري بشار الأسد سياسيا وسيكون انتصارا لإيران أيضا، ولتفادي ذلك، تعتزم واشنطن إبقاء قواتها العسكرية في سوريا، وتحديدا في المناطقة الخاضعة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" في شمال سوريا وإنشاء إدارة غير مرتبطة بدمشق في تلك المناطق، بحسب صحيفة واشنطن بوست.
وأعلنت مصادر أمريكية رسمية، الخميس الماضي، أن الجيش الامريكي لن يسحب قواته من سوريا حتى بعد القضاء على تنظيم داعش الارهابي بالكامل.وأضافت تلك المصادر الرسمية، لصحيفة واشنطن بوست، أن القوات الأمريكية، في ظل هزيمة "داعش" شبه الحتمية، ستفقد ذريعة قانونية لوجودها في الأراضي السورية، ومع ذلك ستبقى في سوريا بهدف الاستمرار في "ممارسة الضغوط على الرئيس السوري بشار الأسد" في مسار مباحثات السلام بجنيف.
بناءا على كلام الصحيفة الأمريكية وتصريحات القادة الامريكيين يمكننا ان نستشف أن بقاء واشنطن غير قانوني وان الحجة لبقائها ذهبت إلى غير رجعة، من ناحية أخرى لا تريد واشنطن الاعتراف بانتصار الجيش السوري وحلفاءه رغم انه حقيقة واقعة، لذلك تريد أن تطيل أمد الحرب عبر استخدام الاكراد كورقة ضغط على الحكومة السورية في المفاوضات القادمة.
وجهة نظر قانونية
سوف نبدأ من الدستور الأمريكي لنعرف إن كان تواجد القوات الامريكية في سوريا شرعي أم لا، الدستور الأمريكي يقول" لا يسمح الدستور الأمريكي بإعلان الحرب الا بعد موافقة الكونغرس"، والكونغرس لم يوافق أبدا على شن هجمات أمريكية على سوريا ولم يعطيها المبرر للقيام بذلك، ووفقا للقرار الأممي رقم 2254 تعهدت الولايات المتحدة فضلا عن المجتمع الدولي بمراعاة مبادئ احترام وحدة الأراضي السورية من دون قيد أو شرط، ونحن لم نلمس هذا الأمر أبدا بل على العكس نجد واشنطن تعقد المشكلة أكثر وأكثر ولاتوجد لها أي نوايا إيجابية لحل الازمة وترك الشعب السوري يقرر مصيره بنفسه.
حتى أن أصواتا من داخل البيت الأبيض أعلنت أن التدخل في سوريا غير شرعي وأن تواجد القوات على الأراضي السورية غير قانوني خاصة أنه لم يتم بإذن الحكومة السورية، وعلي سبيل المثال، قال قائد قيادة العمليات الخاصة، الجنرال ريموند توماس خلال مؤتمر أمني في معهد أسبن، "إنه في حين لا تزال مكافحة الإرهاب تشكل أولوية بالنسبة لقواته، فإن القانون الدولي يمكن أن يمنع الولايات المتحدة من الحفاظ على وجود طويل الأمد في سوريا، حيث كان تدخلها غير شرعي من قبل الحكومة"، من جانبه كتب عضو الكونغرس تيد ليو في وقت سابق: " إن ترامب لا يملك إذناٌ بالهجوم على سوريا، فهي دولة لم تهاجم امريكا".
وجهة نظر سوريا
طالبت الحكومة السورية مرارا وتكرارا بخروج القوات الأمريكية عن أراضيها، حيث أعلن مصدر رسمي في وزارة الخارجية والمغتربين السورية مؤخرا، "أن بلاده تجدد التأكيد على أن وجود القوات الأميركية وأي وجود عسكري أجنبي في سوريا بدون موافقة الحكومة السورية هو عدوان موصوف واعتداء على سيادة الجمهورية العربية السورية وانتهاك صارخ لميثاق ومبادئ الأمم المتحدة".
وشاطرت كل من روسيا وإيران سوريا الرأي، وصرحت الخارجية الروسية يوم أمس بان " واشنطن ستبقي قواتها في سوريا دون إذن أو دعوة من دمشق وهو انتهاك لإرادة الحكومة الشرعية"، مضيفة أن "الأميركيون يتصرفون بشكل قريب من مفهوم الاحتلال في سوريا".
مما تقدم نجد أن واشنطن لاتريد الالتزام بالقانون الدولي ولا حتى ميثاق الامم المتحدة، ولن يكون سهلا بالنسبة لها الاعتراف بانتصار محور المقاومة في سوريا والعراق، لذلك نجدها ماضية في عرقلة أي حل سلمي في سوريا والعراق، وتريد الثأر من الجيش السوري وحلفائه بعد ان فشل مشروعها التقسيمي في سوريا والعراق، نقطة أخيرة أمريكا لم يعد مرحب بها اليوم من دول المنطقة، وأصبح وجودها ثقيل حتى على بعض أصدقائها في الدول المجاورة لسوريا والعراق.