الوقت- بعد التطورات الأخيرة وزيارة الملك سلمان إلى روسيا، سجّل البيت الأبيض إعتراضه على بيع الصاروخ الروسي "إس 400" للسعودية، في موقف مبرّر ناجم عن مخاوف أمريكية من زيادة انتشار السلاح الروسي في المنطقة.
كما اعترضت الولايات المتحدة على بيع الـ"إس 400" لتركيا، تتخوّف اليوم من وصوله إلى يد السعودية. وإذا أردنا أن نقارن قيمة الصفقة التي ستتمّ مع روسيا، نرى أنها لا تتعدّى الثلاثة مليار دولار، بينما صفقة التسلح بين السعودية وأمريكا كانت أكثر من ذلك بكثير. لكن على الرغم من هذا كله ينبغي القول أن القلق الأمريكي الشديد هذا، هو قلق في محلّه.
ويأتي هذا القلق من الصواريخ الروسية كونها لا تتوافق مع الأنظمة الأمريكية القائمة في المملكة العربية السعودية، حسب اعتقادهم، وحول هذا الموضوع، قال الناطق باسم البيت الأبيض: "نحن نؤكّد على الحفاظ على أنظمة الدفاع التي تمّ نشرها لتوفير الأمن ضد التهديدات المشتركة في المنطقة، بناءًا على أهميتها."
يعتقد البيت الأبيض أن علاقته بالمملكة السعودية شفافةٌ، والتعاون الدفاعي بين البلدين لا يستخفّ به، وأما في مجال الصناعة العسكرية، فيرى أن الولايات المتحدة هي أقوى من غيرها في جلب نظر السعودية. ومنذ مدة ليست ببعيدة خرج إلى الإعلام خبر الصفقة العسكرية بين البلدين بقيمة 100 مليار دولار. في وقت تحدثت أوساط عن مخاوف أمريكية من صفقة الـ"إس 400" بين تركيا وروسيا.
هذا ولم يكن موضوع شراء السعودية الصاروخ الروسي وليد ساعته، بل كانت الأخيرة قد عرضت ذلك سابقا، إلّا أنّ الطّرح السّعودي لم يكن له مبرّر تجاري.
الشروط الروسيّة لإبرام الصفقة
هناك معلومات تفيد بأن المملكة العربية السعودية عرضت على روسيا شراء شحنات كبيرة من الـ"إس 400" بأسعار مناسبة، مقابل تملّصٍّ روسيٍّ من بيع إيران المنظومة الصاروخية "إس 300". في شرط، أقل ما يمكن وصفه، غير ممكن سياسيا لموسكو. لذلك أصرّت الأخيرة على تحصيل أرباح ضخمة من الصفقة، أو العمل على الدفع سلفا، بغية حسم الموضوع وإبعاد جميع الشبهات عنه.
اللافت في صفقة التسلّح هذه أن السعودية ستقف في صف الإنتظار، فإن أول منظومة "إس 400" سيستلمها الصين مع بداية العام 2018، وبعده يأتي دور تركيا في العام 2019، بالتالي يمكن القول أن دور السعودية سيأتي في العام 2020.
وكما ذكرنا، على السعودية أن تدفع ثمن سلاحها نقدًا، والطرف الروسي ليس لديه أي رغبة بأن يُدخل نفسه في لعبة شرق أوسطية، ويستمع إلى وعود لن تتحقّق. وبالإضافة إلى ذلك، إن جميع المعلومات عن صفقة الأسلحة بين الرياض وموسكو أُعلنت من قبل المملكة العربية السعودية نفسها.
حسد أمريكي من التواجد الروسي في سوقها
تراعي السعودية التنوّع في شرائها للأسلحة، فهي تعلم أن روسيا لاعب مهمّ في المنطقة، وبالتالي لا يمكنها الإعتماد فقط على السلاح الأمريكي الذي يفتقد إلى معايير واقعية في بعض الحالات.
بالتالي يمكن تفهّم الحسد الأمريكي في هذا المجال، فالسوق التي لطالما كانت بيد الولايات المتّحدة، سيطرت عليها روسيا بطريقة مفاجئة، وهذا بحدّ ذاته يُشعرهم بالقلق.
أمريكا تتخوّف أيضا من تصنيع بعض الأسلحة الروسية على الأراضي السعودية. إلا أن روسيا، وبناءًا على الإتفاق المبرم بين البلدين، ستكتفتي بتصنيع جزئي في السعودية، والباقي يُصنّع في وزارة الدفاع الروسيّة.
السعودية بحاجة لترميم ضعف جيشها
يجب الإلتفات أن الجيش السعودي بشروطه الحالية، يعاني ضعفا شديدا، على الرغم من المبالغ الطائلة التي تصرفها المملكة عليه، وبالتالي ستستغرق خطة تقويته وقتا طويلا، مما يجعل قلق الولايات المتحدة بلا معنى.
أما القضية الأخرى التي ينظر إليها البيت الأبيض، فهي عدم اكتفاء السعودية بشراء السلاح وحسب، وهو يعلم أن الجيش السعودي بالإضافة إلى تسلّحه بحاجة إلى تأهيل عناصره وقياداته لاستخدام تلك الأسلحة، وبالتالي ستعمل السعودية بعد انتهاء الأزمة السورية على اللجوء إلى متخصصين روس للحصول على الخبرة الكافية منهم، وهذا ما لا ترضى عنه واشنطن.
في الختام، لا بد من الإشارة أن هذه النقلة السعودية، وقرار الإستفادة من أسلحة روسية، لا بد له في النهاية من أن يُؤسس لبُعدٍ سعوديٍّ عن الولايات المتحدة، بدأت معالمه اليوم، وسيظهر في المستقبل شيئًا فشيئًا.