الوقت - بات الأكراد في سوريا يمثلون رقماً مهماً في المعادلات السياسية والميدانية لهذا البلد في الوقت الحاضر، خصوصاً بعد الانتصارات التي حققوها على الجماعات الإرهابية لاسيّما تنظيم "داعش" في مناطق متعددة وفي مقدمتها مدينة الرقة.
ويشكل أكراد سوريا حوالي 10 بالمئة من مجموع السكان في هذا البلد وهم يعيشون بشكل في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية في إطار نظام سياسي شبه مستقل "حكم ذاتي" وتحديداً في مقاطعات (عفرين في ريف حلب الغربي) و(الجزيرة في محافظة الحسكة) و(كوباني في ريف حلب الشمالي).
ومنذ بداية الأزمة السورية في مطلع عام 2011 وقف الأكراد في سوريا على الحياد. فلم يقفوا إلى جانب الجماعات التكفيرية ضد الحكومة السورية. كما لم يرغبوا بالقتال ضد هذه الجماعات.
ولكن بعد مهاجمة عناصر "داعش" لمناطقهم اضطر أكراد سوريا للدفاع عن انفسهم ورجحوا الوقوف إلى جانب الحكومة السورية مقابل حصولهم على امتيازات سياسية من قبيل تشكيل إقليم بإدارة ذاتية ورفع مستوى التعاطي معهم على المستوى الاجتماعي.
وبعد تبلور القوة العسكرية للأكراد السوريين في إطار حزب الاتحاد الديمقراطي (P.Y.D) وقوات حماية الشعب تمكن الأكراد من تحرير الكثير من المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش ومن بينها مدينتا "الرقة و"دير الزور".
ويوجه أكراد سوريا تحديين رئيسيين في الوقت الحاضر؛ الأول يتمثل بضرورة القضاء على بقايا "داعش" والخلايا النائمة التبعة لهذا التنظيم في المناطق المحررة، والثاني يتعلق بمستقبلهم السياسي خصوصاً بعد إجراء استفتاء "الانفصال" في إقليم كردستان العراق الأسبوع الماضي، لوجود علاقة شبه مباشرة بين الإقليم والمناطق الكردية في سوريا.
وتجدر الإشارة إلى أن الفصائل الكردية المنضوية تحت ما يعرف بـ"المجلس التأسيسي لفدرالية شمالي سوريا" اتفقت العام الماضي خلال اجتماع عقد في مدينة "رميلان" بريف الحسكة على السعي من أجل إقامة نظام فدرالي في فترة محددة في مقاطعات عين العرب "كوباني" وعفرين والجزيرة بالإضافة إلى المناطق التي سيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية، خصوصا في محافظتي الحسكة (شمال شرق) وحلب (شمال). وأطلق على الإدارة الذاتية المؤقتة في هذه المناطق اختصاراً اسم "روج آفا" أي غرب كردستان.
وحدد المجلس توقيت انتخاب انتخاب الإدارات المحلية في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري، كما حدد يوم التاسع عشر من يناير/كانون الثاني المقبل موعداً لانتخابات الأقاليم، وما سمّاه مؤتمر الشعوب الديمقراطي في شمال سوريا.
وتقول الأحزاب الكردية إنها تسعى للحصول على حكم ذاتي في إطار دولة سورية لا مركزية، الأمر الذي رجّحت الحكومة السورية قبوله في حال بقاء الأكراد تحت حكم الدولة السورية.
وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم في وقت سابق هذا الأسبوع إن الحكومة السورية مستعدة للمحادثات مع الأكراد بهذا الخصوص بعد أن تنتهي الحرب ضد تنظيم "داعش" الإرهابي.
وتثير مساعي أكراد سوريا لإقامة حكم ذاتي في مناطق سيطرتهم قلق تركيا، التي ترى في وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) وذراعها السياسي المتمثل بحزب الاتحاد الديمقراطي امتداداً لحزب العمال الكردستاني (ب.ك.ك) المحظور والمصنف من قبل أنقرة وعواصم كثيرة كمنظمة إرهابية.
ونجح أكراد سوريا في استقطاب الدعم الدولي وفتح مكاتب رسمية لهم في عدد من الدول من بينها أمريكا وروسيا وبلدان أوروبية على الرغم من عدم مشاركتهم في اجتماعات جنيف لتسوية الأزمة السورية، لكنهم شاركوا في اجتماعات العاصمة الكازاخية (آستانة) ممثلين بحزب الاتحاد الديمقراطي "الحزب الكردي الأبرز في سوريا" وذلك بدعوة من روسيا.
وتدعم أمريكا مساعي أكراد سوريا لإقامة منطقة حكم ذاتي في شمال البلاد على غرار إقليم كردستان العراق في إطار محاولاتها الرامية إلى تقسيم المنطقة ضمن مشروعها المسمى "الشرق الأوسط الكبير أو الجديد" خدمة لمصالح واشنطن والأطراف الحليفة لاسيّما الكيان الصهيوني ضد محور المقاومة الذي تدعمه إيران في عموم المنطقة.
من خلال قراءة هذه المعطيات يبدو أن أكراد سوريا ورغم المكاسب العسكرية والسياسية التي حققوها لازالوا أمام طريق طويل لإقامة منطقة حكم ذاتي في مناطقهم في إطار نظام فيدرالي لوجود معارضة لهذا المشروع من قبل دمشق وحلفائها، وكذلك من قبل أنقرة التي تخشى أن يمتد تأثير أكراد سوريا على المناطق ذات الأغلبية الكردية في تركيا لاسيّما في جنوب وجنوب شرق البلاد.