الوقت- في خطوة دولية واسعة النطاق، أُعلن عن إطلاق "أسطول الصمود العالمي" (Global Sumud Flotilla)، وهو أكبر محاولة مدنية في التاريخ لكسر الحصار البحري عن قطاع غزة، المقرر أن تنطلق في 31 أغسطس 2025 من موانئ إسبانيا، على أن تليها انطلاقة أخرى في الـ 4 من سبتمبر من تونس، ضمن إطار تنسيق عالمي يضم 44 دولة ويأتي هذا في ظل تدهور الوضع الإنساني في غزة وتصاعد المطالب الدولية بإنشاء ممرات إنسانية بحرية تخفف من وطأة الحصار.
تاريخ من المعاناة والتقييد
منذ متى والقطاع تحت الحصار؟
فرضت "إسرائيل" حصارًا متشددًا على قطاع غزة منذ عام 2007، بعد سيطرة حركة حماس عليه، وقد تم اعتبار الحصار من قبل كثيرين كعقاب جماعي، لما نتج عنه من انقطاع شبه تام في وصول البضائع الأساسية، وقيود شديدة على حركة السكان، ما أدى إلى أزمة إنسانية مستمرة تفاقمت هذه الإزمة بعد إطباق الحصار خلال الحرب الأخيرى على قطاع غزة ووصلت إلى مرحلات خطيرة حيث المعاناة من المجاعة والأمراض وتسجيل حالات وفيات بسبب الجوع.
الآثار الإنسانية للحصار
الحصار أدى إلى نقص حاد في الغذاء، الأدوية، الوقود والمستلزمات الأساسية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة والأمراض، إلى جانب تدهور البنى التحتية بسبب الحروب المتكررة، مثل تدمير المستشفيات والمدارس والمنازل، ويعيش السكان في القطاع في ظروف شبيهة بالمجاعة، ويعاني الأطفال من سوء تغذية واسع الانتشار
محاولات سابقة لكسر الحصار البحري
أسطول الحرية – مايو 2010
من أبرز المحاولات، أسطول الحرية (Gaza Freedom Flotilla) الذي انطلق عام 2010 من تركيا، وتحطمت آماله في الثاني من يونيو، عندما شنت القوات الإسرائيلية هجومًا على السفينة التركية "موفي مرمرة"، أثناء محاولتها كسر الحصار، ما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى، وأثار غضبًا دوليًا واسعًا.
"أسطول الحرية الثاني" – 2011
تلتها محاولة جديدة عام 2011 تحت اسم"Freedom Flotilla II – Stay Human"، لكنها لم تبحر فعليًا، الفكرة كانت تحشد نحو 10 سفن وألف ناشط، لكنها تراجعت بسبب ضغوط دولية، وعاد معظم المشاركين إلى ديارهم دون تنفيذ الرحلة
"أسطول الحرية الثالث" – 2015
في مايو–يونيو 2015، أطلقت "Freedom Flotilla III" السفينة السويدية "Marianne" من أثينا، لكنها أُوقفت من قبل البحرية الإسرائيلية في المياه الدولية، وتم اقتيادها إلى ميناء أشدود دون تصعيد، بينما تراجع باقي الأسطول
محاولة 2018 – "أسطول المستقبل العادل"
في عام 2018، حاولت عدة سفن مثل "Al Awda" و"Freedom" كسر الحصار، لكن البحرية الإسرائيلية اعترضتها واعتقلت طاقمها، وتم استخدام القوة في بعض الحالات، ما أدى إلى تعرض بعضهم لصعق كهربائي واحتجاز طويل
محاولات عام 2025: "Madleen" و"Handala"
في يونيو 2025، انطلقت السفينة "Madleen" ضمن "أسطول الحرية" من إيطاليا (صقلية)، بمشاركة ناشطين بينهم غريتا تونبرغ، لكن تم اعتراضها من قبل القوات الإسرائيلية قبل الوصول إلى غزة، حيث تم احتجاز معظم المتضامنين وإبعادهم عن طريق الترحيل أو الترهيب القانوني
في يوليو 2025، أطلقت السفينة "Handala" من إيطاليا بهدف مماثل، لكنها تعرضت أيضًا لاعتراض، مع فقدان الاتصال مؤقتًا بسبب نشاط طائرات مسيرة إسرائيلية، وعادت بعدها الاتصالات
إطلاق "أسطول الصمود العالمي" (Global Sumud Flotilla)
الإعلان والتفاصيل الرئيسية
في مؤتمر صحفي بتونس، أعلن منسقو الحملة أن أكثر من 6000 ناشط من 44 دولة سجلوا للمشاركة في مهمة «أسطول الصمود العالمي»، التي تضم أربع مبادرات: أسطول الصمود في المغرب، والحركة العالمية لغزة، وائتلاف أسطول الحرية، ومبادرة صمود نوسانتارا (جنوب شرق آسيا)
انطلاقة الأسطول الأولى ستكون من إسبانيا في 31 أغسطس، تليها انطلاقة أخرى من تونس وبلدان متوسطية أخرى في الـ 4 من سبتمبر، الهدف: تأسيس ممر إنساني بحري لكسر الحصار ورفع صوت التضامن الدولي.
مشاركة غريتا تونبرغ وشخصيات بارزة
أعلنت الناشطة السويدية غريتا تونبرغ مشاركتها في المحاولة، ووصفتها بأنها "أكبر محاولة على الإطلاق لكسر الحصار الإسرائيلي غير القانوني على غزة"، كما تحدثت عن تنقل "عشرات السفن" وفاعلية التضامن الدولي .
كما أعلن عن مشاركة فنانين ونشطاء بارزين مثل الممثلة الأمريكية سوزان ساراندون، والممثلين غوستاف سكارسغارد من السويد، وليام كانينغهام من أيرلندا، إلى جانب أطباء ونشطاء حقوقيين .
التحضيرات اللوجستيّة والتدريب
الناشطون تلقوا تدريبات في مواقع الانطلاق، مع تنظيم أنشطة تضامنية ومخيمات مرافقة للإعداد النفسي واللوجستي، وضمان تماسك الفريق في حال مواجهة اعتراضات أو اعتقال
ولمواجهة محاولات التخريب، وُضعت خطط لإطلاق سفن من موانئ إضافية غير معلنة، لضمان توزيع المنطلقين وتقليل الاعتماد على أماكن محددة.
الطابع الدولي لحملة "الصمود"
بمشاركة منظمات من أوروبا، أمريكا اللاتينية، آسيا، شمال إفريقيا، وأفريقيا، يمثل الأسطول تحركًا شعبيًا واسع النطاق، يطمح إلى الضغط على الحكومات لرفع الحصار، مع شعار "هذا ليس مجرد مهمة، بل انتفاضة عالمية، حركة تضامن عالمي".
كيف تصف المبادرة معاناة غزة؟
الأسطول يُطرح كاستجابة عاجلة لـ:
- الجوع والنقص الحادّ: سكان القطاع يواجهون نقصًا أساسيًا في الغذاء والمياه والأدوية.
- الحصار طويل الأمد: الحصار البحري والأرضي منذ 2007 استمرّ لفترات طويلة رغم تصاعد الأزمات الإنسانية.
- تراكم الإخفاقات: المحاولات السابقة أظهرت ممارسة "إسرائيل" سلطة مشددة في منع دخول السفن، حتى في المياه الدولية.
- رمزية التضامن: الأسطول يؤكد أن المعركة الإنسانية لا تتوقف، ومئات الألوف من الناس حول العالم يرفضون الصمت على معاناة غزة.
التوقعات والتحديات المستقبلية
التوقعات الإيجابيّة
- انضمام سفن وعشرات آلاف من الناشطين من مئات المدن حول العالم.
- تغطية إعلامية عالمية ترفع من الضغط السياسي لفتح ممرات إنسانية.
- تحرك شعبي عالمي يظهر أن قضية الشعب الفلسطيني ليست معزولة.
التحديات المحتملة
- اعتراض إسرائيلي في المياه الدولية قد يكرر سيناريوهات يونيو ويوليو السابقة.
- خطر اعتقال الناشطين أو إجبارهم على العودة كما حدث مع "Madleen".
- إمكانية وقوع اشتباك، ولا سيما إذا واجهت البحرية الإسرائيلية مقاومة رمزية أو فعلية.
- التصعيد الأمني والسياسي من قبل "إسرائيل" أو تحالفاتها، ما قد يعرض المشاركين لمزيد من المخاطر.
إنسانية في مواجهة الحصار
أسطول الصمود العالمي يعدّ لحظة محورية: تنسيق دولي غير مسبوق لكسر الحصار عن غزة بالحراك المدني السلمي، إنه ليس مجرد حملة توصيل المساعدات، بل نداء عالمي لوقف الحصار، واحترام حقوق الإنسان، وتحريك ضمير العالم تجاه قضية إنسانية تسكن قلب التاريخ الحيّ.
من خلال راديوات هذا الأسطول، يُطلق آلاف الناشطين صوتًا يقول: "غزة لا تُنسى، والحصار لا يبرر القمع، ولن يُقاوم السلام الدافع من التضامن الدولي والأمل الصامد".
