الوقت- لا يختلف اثنين على وجود صراع قديم بين الأجنحة المختلفة داخل آل سعود، صراع بدأ بين أبناء عبد العزيز من السديريين وبقية الأبناء، لينتقل اليوم إلى الصراع بين الأحفاد وتحديدا بين الأحفاد السديريين. حيث أن سلمان وبعيد تسلمه زمام الحكم وقبل أن يجف التراب على سلفه عبد الله قام بلغو كل القرارات التي قد تُخرج المُلك مجددا من أيدي السديريين.
وللإشارة فإن السديريين هم سبعة أخوة من أبناء عبد العزيز من زوجته حصة بنت أحمد السديري.
وبالعودة إلى قرارات سلمان والتي يمكن وصفها بالانقلابية منذ بداية حكمه إلى اليوم، فقد حرص على إقصاء أخيه مقرن عن ولاية العهد وعين مكانه ابن شقيقه محمد بن نايف الذي كان وليا لولي العهد، وابنه محمد مكان ابن نايف في خطوة وصفت بأنها انقلاب سديري على كافة الأجنحة الأخرى في حينها.
بعد أن حسم سلمان الصراع بين أبناء عبد العزيز، تفرغ ابنه محمد الذي بات وليا لولي العهد ووزيرا للدفاع لاستكمال الانقلاب ولتأمين منصات القوة التي تؤمن صعوده واستلامه الحكم بعد أبيه، حيث بات الحاكم الفعلي للسعودية مستفيدا من مرض والده الذي يقال أنه مصاب بالزهايمر ولا يمكن له أنه يبقى صاحيا أكثر من خمسة ساعات يوميا.
وكانت بداية الصراع بين المحمدين، بن نايف وبن سلمان، حيث أنه ورغم أن الأول هو ولي العهد إلا أن السطوة وبناء على رغبة سلمان هي للثاني، وهذا الأمر ساطع للعيان، فبن سلمان اليوم هو الممثل الفعلي لوالده في الكثير من الزيارات الدولية ومنها جولات أوروبية إضافة إلى الزيارة الأخيرة لبن سلمان إلى واشنطن.
حرب اليمن
العدوان السعودي على اليمن، أتى أيضا بقيادة محمد بن سلمان، كان هذا الغزو يهدف إلى إخضاع اليمن وإعادته إلى العباءة السعودية، وليتم إظهار بن سلمان على أنه محرر الشعب اليمني ومعيد الشرعية إلى البلاد. ولكن وبصمود الشعب اليمني لم يتمكن هذا العدوان من تحقيق أي من أهدافه، والسبب اليوم وراء الإصرار على الاستمرار بالعدوان هو عدم التسليم بفشل بن سلمان في هذه الحرب فهذا الأمر يُضعف من شخصه ومن حضوره في الداخل السعودي، ويجعل منه موضع هجوم الأمراء الآخرين من أبناء عمومته.
حقيقة موقف واشنطن من المحمدين
ازدادت اندفاعة بن سلمان بعيد زيارته الأخيرة إلى واشنطن ولقائه بدونالد ترامب الذي رحب به. حيث لمس من ترامب تعاونا يريد بن سلمان أن يمتطيه ليصبح رجل أمريكا في المملكة، إلا أن بعض دوائر القرار الأمريكي تؤكد أن لبن نايف حظوظ كثيرة لدى واشنطن وهو رجلها منذ وقت طويل، وبن نايف من الأشخاص ذوي العلاقات الواسعة داخل دوائر القرار الأمريكية.
إذا فالعلاقة مع واشنطن هي ركيزة أساسية في انتخاب أي ملك مستقبلي للمملكة. ومن هذا المنطلق يمكن التأكد من أن قرار سلمان الأخير بتعيين ابنه خالد (مواليد 1985) رغم صغر سنه وعدم وجود تجربة دبلوماسية سفيرا للسعودية في واشنطن ليس قرارا بريئا البتة. بل يأتي في سياق تأمين رافعة جديدة لمحمد ليكون الخيار الأمريكي لمستقبل السعودية.
مشاريع بن سلمان الاقتصادية والتنموية
وضع محمد بن سلمان ما سماه رؤية السعودية 2030، وهي عبارة عن خطة تنقل السعودية من مرحلة الاعتماد الكامل على النفط إلى اقتصاد قوي يقوم على الإنتاج، أتت هذه الخطة بعد انهيار أسعار النفط ووصولها إلى مرحلة كبدت السعودية خسائر بالمليارات وأجبرتها على الاستدانة من احتياطياتها بالعملة الصعبة. ولكن المتابعين لهذه الخطة يقولون أنها مجرد مسودة لا قيمة حقيقية لها على الأرض. وبناء عليه فهي تستهدف الشعب السعودي في محاولة لدغدغة أحلام الشباب ببناء دولة عصرية على أسس قوية.
إضافة إلى ذلك فقد شجع محمد بن سلمان على إنشاء مجمعات سياحية وترفيهية ضخمة، واستثمر من خزينة السعودية مبالغ طائلة في هذا السبيل، وكل ذلك بنفس الهدف وهو محاولة تأمين حاضنة شعبية للتسويق له ملكا مستقبليا في السعودية.
القرارات الأخيرة لسلمان... إطباق أولاد سلمان على مفاصل القوة
جاءت القرارات الأخيرة التي أصدرها سلمان لتؤكد بدون أن تترك مجالا للشك أنه بات قريبا جدا من تعيين ابنه وليا للعهد بعد عزل بن نايف، حيث أن قراراته الأخيرة إنما شكلت المنصات التي تؤهل ابنه لتولي الملك من بعده. فقد جعلت هذه القرارات محمد بن سلمان يسيطر على مفاصل القوة، فخالد بات السفير السعودي لدى واشنطن وقد تحدثنا حول أهمية هذا الأمر.
والابن الآخر عبد العزيز قد عين وزيرا لوزارة مستحدثة هي شؤون الطاقة. وما لتلك الوزارة من أهمية استراتيجية في السعودية لكون البلاد تعتمد بشكل شبه كامل على عائدات النفط وهو الأمر الذي يدخل تحت سلطة هذه الوزارة.
كما تم إعفاء أمراء بالجملة من مناصبهم ليتم تعيين بدائل من الأمراء المقربين من ابنه محمد، ومن أبرز التغييرات أيضا إعفاء المتحدث باسم العدوان على اليمن احمد العسيري من مهمته وتنصيبه نائبا لرئيس الاستخبارات السعودية. والعسيري من المقربين جدا من بن سلمان ومنصبه الجديد يعتبر استراتيجيا من أجل معرفة ما يدور على الساحة الداخلية من قبل محمد بن سلمان.
الأمر الآخر اللافت أيضا هو طلب إنشاء مركز للأمن القومي مرتبط مباشرة بالديوان الملكي الذي يسيطر عليه بن سلمان. واستحداث وظيفة تحت مسمى مستشار الأمن الوطني، وهو ما يعد وزارة موازية لوزارة الداخلية التي يتولاها محمد بن نايف. وهذا الأمر يقرأ منه تحجيم صلاحية الأخير في وزارته تمهيدا لما هو أعظم.