الوقت- المشهد السعودي بعد تولي سلمان بن عبد العزيز للسلطة، بدى مستعجلا ومتسارعا نحو تغييرات يظهر انها أعدت سلفا وخطط لرؤوس اقلامها منذ زمن .
ومع ان الجناح السديري في الاسرة السعودية (نسبة الى زوجة الملك عبد العزيز آل سعود، وضحة بنت أحمد السديري، أم الأشقاء السبعة) استلم العرش مرتين من قبل (الملك فيصل والملك فهد) وأمهم واحدة من 34 او 36 امرأة تزوجهن الملك عبد العزيز، فقد بدى انه هذه المرة يحاول تصفية خصومه داخل الاسرة وفي مقدمتهم ابناء الملك السابق عبد الله واصفياء عرشه، وابناء الأمير "الناقم" طلال بن عبد العزيز، وخاصة الوليد وخالد .
وجرى تغيير مفاصل الدولة والمراكز الحساسة فيها، في خطوات انتقامية غريبة من الأجنحة الأخرى، فأقصي بندر بن سلطان ومعه مجلس الأمن الوطني!، رغم ان بندر من السديريين نسبا، لكنه كان قريبا من الملك عبد الله، واختفى رئيس الديوان الملكي، خالد التويجري، وأحيل العديد من الامراء والوزراء الى مناصب شكلية، وجرى تعيين محمد بن نايف وليا لولي العهد ومحمد بن سلمان وزيرا للدفاع ومسؤولا عن الديوان الملكي ورئيسا للمجلس الاقتصادي، وهو لا يزال لم يتم 30 سنة (مواليد 31 أغسطس 1985) وأبقي على سعود الفيصل، وعزل الامير متعب مع وزارته الحرس الملكي، والتي يرفض ان يدخلها في العدوان على اليمن والذي يديره وزير الدفاع سلمان .
وكان هناك حديث عن خلافات عاصفة بين محمد بن سلمان ومتعب بن عبد الله، الى حدّ تسربت فيه أخبار عن عملية اغتيال تم تدبيرها من قبل جماعة محمد بن سلمان للامير متعب، ولكن تم كشفها وأعدم جرائها 40 ضابطا في الحرس الملكي تم شراء ذممهم من قبل محمد بن سلمان .
وبالطبع فإن لمتعب من يدعمه داخل الاسرة السعودية وفي واشنطن وهو لم يفقد الأمل بنكسة "المحمدين" بن سلمان وبن نايف .
وفيما ضمن محمد بن نايف الوصول الى العرش ولو بعد حين (مع وجود الملك سلمان والامير مقرن بن عبد العزيز) لا يزال وضع الامير محمد بن سلمان غامضا، ولاسباب كثيرة، منها: انه حديث العهد بالمسؤولية وصغير السن، فالامير الشاب يحمل شهادة في القانون من الرياض ولم يتجاوز عمله المؤسسات الخيرية التي تستعين بامثاله والاميرات للحصول على الدعم المادي، او انها تُنشأ اساسا لتلميع صورة الامراء والاميرات والاسر الحاكمة. محمد بن سلمان هذا فجأة يتسلم ثلاثة مناصب رئيسية في السلطة ويتصدر مانشيتات الصحف ونشرات الاخبار، حتى وكأن بعض ابواق الدعاية السعودية ومرتزقي باب الخيمة الملكية، يحاولون خلق بطل وهمي، لم يتجرأ بالاقتراب ولو لمرة من الحدود اليمنية وتفقد قطعاته التي هناك .
وهو مشغول ببناء علاقات خارجية لان المحيط الاقليمي والدولي يجهل من هو محمد بن سلمان بطل احتفالات الجمعيات الخيرية الذي أصبح على رأس المؤسسة العسكرية السعودية !
ومن هذه النقطة يمكن ان نتحدث عن وضع غريمه ومنافسه ولي ولي العهد، محمد بن نايف (سديري ايضا) والذي يرتبط هو الاخر بعلاقات جيدة مع الامريكيين منذ فترة إقامته هناك .
كما ان لديه خبرة جيدة لكونه نائبا لوزير الداخلية منذ 1999 ثم وزيرا للداخلية منذ 2012، وهو مدعوم بمستشارين أصبحا رئيس جهاز المخابرات العامة (خالد الحميدان) وعضو مجلس الشؤون السياسية والامنية الوزير بلاحقيبة، سعد الجابري .
ويحظى بن نايف ايضا بدعم قطاع واسع من المؤسسة الدينية التي كانت على ارتباط بأبيه، وله معرفة بتفاصيل الوضع الداخلي بحكم منصبه .
ومما يذكر فإن بن نايف على خلاف شديد مع بعض الحلفاء التقليديين للسعودية في المنطقة، مثل أسرة آل نهيان التي تحكم الامارات وآل الحريري في لبنان، لذلك قد تشهد فترة تسلطه ونفوذه ابتعاد الامارات عن السعودية، او انكفاء دور آل الحريري في الساحة اللبنانية لصالح الجماعات السلفية والمسلحة .
علما ان علاقة الامارات بدت مؤخرا غير جيدة مع اكثر اقطاب وشخصيات البيت السعودي، فقد تحدثت تقارير عن ان ولي عهد ابوظبي، الشيخ محمد بن زايد انتظر 10 ايام قبل ان تتم الموافقة على زيارته الاخيرة للسعودية والتي لم يلتق فيها الملك وولي العهد !
بالعكس احتفى السعوديون بشكل ملفت بغريم الامارات ومصر الشيخ تميم امير دولة قطر، رغم الخلافات التي شهدتها قطر مع ثلاثي السعودية والامارات والبحرين ابان فترة الملك عبد الله، والذي أدى الى سحب السفراء من الدوحة، قبل إطلاق مصالحة بوساطة كويتية .
وتعقيدات المشهد السعودي لا تقف عند هذا الحدّ، فهناك صراع بين تيار يوسم بالليبرالية والذي يتمثل ببعض الوجوه الاعلامية المدعومة من أمراء في الاسرة السعودية والسلطة، وتيارات محافظة تقليدية ودعوية و"صحوية" و"جهادية" تصر على فرض قرائتها للواقع والشريعة .
وهناك مجموعة من داخل البيت السعودي تسبح خارج مستنقع السلطة منذ زمن، ومنهم الامير طلال بن عبد العزيز، وأمه أرمنية الاصل وإحدى زوجاته لبنانية، الذي دعا سابقا الى إنهاء الحكم الاستبدادي والتحول لملكية دستورية (غير مطلقة)، ثم عارض لاحقا هيئة البيعة، وايضا ابناءه وفي مقدمتهم الوليد الذي لم يبايع بن نايف واكتفى بتهنئته .
وفي ظل هذه الاوضاع غير المُؤسسة في السلطة السعودية، حيث عادة ما ينهي الملك الجديد خطوات الملك الذي سبقه، هل يتمكن الأمير الشاب من السيطرة على العرش ولو بعد حين؟
الجواب: عليه ان ينتظر مرور ثلاثة ملوك إضافة الى ابيه (سلمان)، لانه بعد محمد بن نايف لن ترضى باقي الاسرة السعودية بمجئ سديري آخر، لانه أصبح خلال العقود الاخيرة تقليدا ان يتناوب السديريون العرش مع الباقين، هذا اذا سارت الامور بهدوء وسلاسة يستبعد الكثير من الخبراء الغربيين والاقليميين حصولها .
ولأن مناصب الوزير الصغير كلها تقوم على قربه من شخص الملك، فإن رحيل الأخير ذي الثمانين عاما والذي يعاني من الخرف ومشاكل في القلب واخرى في الرقبة والظهر، سيعيد الامور الى مربعها الاول، والاسوأ من ذلك، على صعيد الخلافات داخل اسرة آل سعود، فضلا عن تبعاته الاقليمية والدولية ـ اذا منيت السعودية بهزيمة نكراء في عدوانها على اليمن، وهي مخاوف حقيقية تساور الوزير الشاب حاليا وتجعله مترددا في دخول المعركة البرية رغم دخول العدوان الجوي والبحري السعودي الهمجي والفاشل اسبوعه الرابع .
تولي محمد بن سلمان لحقيبة الدفاع السعودية وحلمه بعرشها، يذكرني بمحادثة ساخرة مستوحاة من مخيلة الشارع العربي، بين احد اشهر وزراء الدفاع في الحقبة السوفيتية المارشال اوستينوف (1908 ـ 1984) ووزير الدفاع العراقي الاسبق عدنان خير الله، ابن خال صدام حسين والذي قتل في حادث انفجار طائرة بعيد الحرب مع ايران اتهم صدام بتدبيره. سأل عدنان اوستينوف عن النياشين التي على صدره، فأجاب المارشال: هذه لمعركة موسكو وهذه لمعركة استالينغراد وهذه لاقتحام برلين، وفي المقابل سأل اوستينوف عدنان خير الله عن كل هذه النياشين التي يعلقها على صدره، فقال عدنان هذه للإصلاح الزراعي، وهذه لمحو الامية! فاكتفى منه اوستينوف بهاتين الواقعتين ولم يسأل عن الباقيات !!
بقلم: مروة ابومحمد