الوقت- تشهد تركيا في هذه المرحلة مخاض سياسي واجتماعي كبير على جميع الأصعدة، فمن المقرر أن يتم الاستفتاء على الدستور الجديد، يوم الأحد المقبل، في سابقة تاريخية لم تشهدها الجمهورية التركية منذ أن صاغ قادة الجيش دستور البلاد بعد "انقلاب 1980".
وبموجب هذا الاستفتاء قد نشهد جمهورية تركية جديدة بنظام رئاسي جديد، يوسع من صلاحيات رئيس الجمهورية ليصبح رأس السلطة التنفيذية، وعلى ضوء هذا الحدث تشهد البلاد صراعات سياسية حامية الوطيس على مستوى السلطة التشريعية في البلاد، بين معارض ومؤيد للتعديل الدستوري الجديد، حيث ترى الأحزاب المعارضة لهذا الاستفتاء أنه سيضاعف من هيمنة حزب العدالة والتنمية داخل مفاصل الدولة.
ويأتي هذا المناخ المضطرب لكون الاستفتاء الجديد سيحدد مصير سياسة الدولة على الصعيد الداخلي والخارجي.
التعديلات الدستورية
تشمل هذه التعديلات المقترحة من قبل حزب العدالة والتنمية وبدعم من حزب الحركة القومية:
1- تعديل 18 مادة من دستور البلاد الحالي.
2- زيادة عدد أعضاء البرلمان من 550 إلى 600 نائب.
3- خفض سن الترشح للانتخابات العامة من 25 إلى 18 عام.
4- ألا تتجاوز مدة ولاية الرئيس 5 سنوات، ولا يحق له البقاء في منصبه لأكثر من دورتين، وأن يتولى رئيس البلاد قيادة الجيش، ويحق له تعيين نوابه والوزراء وإقالتهم، وتكون له صلاحية إعلان حالة الطوارئ.
5- إلغاء منصب رئاسة الوزراء وأن يكون رئيس الجمهورية هو رأس السلطة التنفيذية.
6- إلغاء العمل بالمحاكم العسكرية باستثناء أوقات الحرب.
بالإضافة إلى إمكانية فتح تحقيق مع رئيس الجمهورية من خلال الحصول على ثلاثة أخماس عدد النواب عبر تصويت سري.
بين "نعم" و"لا"
مع اقتراب موعد الاستفتاء تنقسم الأحزاب تحت قبة البرلمان إلى جبهتين، الأولى تدفع نحو التصويت بـ" نعم" بقيادة حزب العدالة والتنمية مدعوما من الحركة القومية، والثانية تتمثل بحزب الشعب الجمهوري بالتحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي وغيرهم من الأحزاب التي ترفض هذه التعديلات معتبرة إياها ليست سوى محاولات لسحب السلطة من أيدي الشعب والقضاء على الديمقراطية من خلال السعي لفرض "الحكم الديكتاتوري" على حد تعبيرها.
وعلى خلفية الاستفتاء على الدستور الجديد قال زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال قليتش دار أوغلو: "في حال أقرت هذه التعديلات فإنَّ الديكتاتورية ستصبح أمراً واقعاً هنا، وسنخلق ديكتاتوراً يستطيع فعل أي شيء ولا يمكن لأحد المساس به".
وتابع بالقول: "سيتغير نظام البلاد حال إقرار التعديلات من برلماني إلى رئاسي ديكتاتوري ولن يكون هناك أمان لأحد لا فيه ماله ولا على نفسه، وسيعمل القضاة لصالح القصر فقط وستفلس العدالة تماماً".
وفي السياق نفسه، رأى المعارضون لهذه التعديلات بأنها محاولة من الرئيس رجب طيب أردوغان لتوسيع صلاحيته وجمع كل ماتبقى من السلطات تحت يديه، بالإضافة إلى محاولة البقاء كرئيس لتركيا أطول فترة ممكنة.
من جهتها دافعت الحكومة عن هذه التعديلات، معتبرة أنها ستصب في مصلحة الدولة ككل، كما أنها ستمكن الشعب من اختيار السلطتين التنفيذية والتشريعية بشكل مختلف ومباشر.
المادة الثانية والثالثة
حاول حزب العدالة والتنمية مرارا وتكرارا تعديل الدستور، لكنه لم ينجح في ذلك، حيث أعاقت المادتان الثانية والثالثة هذا التعديل على السنوات السبع الماضية وجاء فيهما " تركيا دولة ديمقراطية علمانية اجتماعية تحكمها سيادة القانون، تحترم حقوق الإنسان، وتلتزم بمفهوم أتاتورك للقومية، وتستند إلى المبادئ المنصوص عليها في افتتاحية الدستور في إطار فهم السلم الاجتماعي، والتضامن الوطني والعدالة".
وهنا تجدر الإشارة إلى أن أكثر ما يغضب المعارضين الأتراك هو التحول الذي يسعى حزب العدالة والتنمية لتنفيذه بتحويل تركيا من " برلمانية إلى رئاسية" وهذا ما جعلهم يعتبرون بأن الرئيس يحاول جمع السلطات والصلاحيات في قبضته.
أردوغان والغرب
شهدنا في الآونة الأخيرة ارتفاع حدة التوتر بين تركيا ودول أوروبا على رأسها ألمانيا وهولاندا، حيث منعت الأخيرتين تجمعات للأتراك كان قد دعا إليها أردوغان للتصويت بـ"نعم" على الإستفتاء، مبررة ذلك بأنها لن تقدم أي تسهيلات لشرعنة مايطلقون عليها "الديكتاتورية"، وعلى اثر ذلك صعد أردوغان من خطابه السياسي نحو أوروبا وعلى وجه التحديد مع هولاندا التي وصفها بأنَّها "بقايا الفاشية والنازية"، وتوعد بفرض عقوبات عليها.
وعلى ضوء هذه المشاحنات الخطابية، خرجت أصوات معارضة في الداخل التركي اعتبرت أردوغان أنه يستغل خلافته مع أوروبا لتمرير التعديلات الدستورية، بينما يرى بعض المحللون السياسيون الأتراك بأن أردوغان يحاول حشد التيار الإسلامي عبر الخطابات الدينية والشيوخ الإسلامية سعيا منه لجمع أكبر عدد ممكن من الأتراك حوله وإقناعهم بالتصويت بـ"نعم" على التعديل الجديد.
يذكر أن إقرار التعديلات الدستورية في البلاد يحتاج إلى أكثر من 50% من الأصوات "50%+1" ليتم اقرارها.