الوقت- على وقع الاحتقان الدولي القائم، وصل وزير الخارجيّة الأمريكي ريكس تيلرسون إلى موسكو في أول زيارة له إلى روسيا منذ توليه منصبه في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بغية التشاور مع نظيره الروسي تطورات الأزمة السورية.
أهداف عدّة تقف خلف هذه الزيارة التي سيسعى فيها الوزير الأمريكي بإقناع الجانب الروسي بالتخلي عن الرئيس الأسد في أي مقاربة مستقبليّة للأزمة السوريّة.
لا تتوقّف أهداف تيلرسون، الذي سيقدّم طروحاته مدعومةً من مجموعة الدول السبع التي اجتمع مع وزراء خارجيّتها في ايطاليا، عند "مصير الأسد"، لإدراكه المسبق أن موسكو ستواجه هذا الطرح بالرفض وتُحيل الأمر إلى الشعب السوري الذي يمتلك حقّ تقرير المصير.
من الطروحات البديلة التي سيتقّدم بها تيلرسون إعادة التنسيق مع بلاده من قبل روسيا بشأن الطلعات الجوية في السماء السورية، وذلك بعد إيقاف الأمر من قبل موسكو إثر الضربة الأمريكية لمطار الشعيرات، فضلاً عن مطالبة موسكو بالعودة إلى الحوار والحل السياسي الثنائي الأمريكي-الروسي للأزمة السوريّة، بعيداً عن أي طرف ثالث في خطوة جديدة من واشنطن لتحييد حلفاء روسيا، وفي مقدّمتهم إيران وحزب الله، وهذا ما ظهر جليّاً على لسان الوزير الأمريكي في إيطالياً قبيل مغادرته إلى روسيا عندما خيّر روسيا بين الأسد وايران وحزب الله مقابل أمريكا والاتحاد الأوروبي والدول العربيّة. خلاصة الزيارة ستكون محاولة أمريكية للتقارب مع موسكو بعد ضربة "الشعيرات"، وتوجيه أي تحرّك مرتقب في سوريا، سواء من الجنوب في دعا، أو من الجزيرة السوريّة؟
وأما موسكو، لن يستقبل وزير خارجيّتها الروسي نظيره الأمريكي بيد فارغة، بل سيطالب واشنطن بالتخلي عن المطالبة برحيل الرئيس الأسد، وتنبّي الحل السياسي للأزمة السوريّة، فضلاً عن مطالبة واشنطن بضمانات لعدم تكرار الخطوات أحاديّة الجانب في سوريا دون التشاور مع موسكو.
ومن الأمور الذي سيطرحها لافروف هو احتمال تكرار هذه الهجمات خاصّة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكّد أن لدى روسيا معلومات من مصادر موثوقة بأن استفزازا يخص الأسلحة الكيميائية يحضر له على الأراضي السورية، بما في ذلك منطقة دمشق.
لا ريب في أنّ كلا طرفين يتجنّبان الدخول في مواجهة مباشرة، وهذا ما ظهر جليّاً منذ بدء الضربة عندما قام الجانب الأمريكي بإخبار الجانب الروسي، وكذلك عدم الردّ الروسي المباشر على الضربة الأمريكية رغم تحذير الرئيس بوتين بأن "الوضع في سوريا يذكرنا بأحداث العراق 2003 ونتوقع استفزازات جديدة".
لنسا حالياً في وارد الدخول في الجدل القائم حول الجهة التي تقف خلف مجزرة خان شيخون التي وصفها المساعد السابق لوزير الخارجيّة السابق لكولين باول، لورنس ويلكيرسون، أن الولايات المتحدة تنشر حاليا أكاذيب عبثية حول دور روسيا في ملف الكيميائي السوري، باعتبار أن مجلس الأمن الدولي يستعد للتصويت الأربعاء على مشروع قرار يطلب من الحكومة السورية التعاون مع تحقيق دولي في الهجوم الكيميائي على بلدة خان شيخون السورية.
الخطوة الأهم هي تلك التي تتعلّق بالحوار الروسي الأمريكي الذي تسعى فيه واشنطن للتقارب مع موسكو بغية احتواء سوريا، وفق الرؤية الأمريكية، تماما كما فعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الصيني عندما طالبت واشنطن بكين باحتواء بيونغ يانغ.
هذه الخطوّة تصب في استراتيجية الاحتواء، أو الحرب بالوكالة، لو صحّ تسميتها بذلك، ففي حين تمارس واشنطن سياسة الحرب بالوكالة في سوريا والعراق عبرالأكراد وبعض الجماعات المسلّحة، يسعى ترامب اليوم لترسيخ سياسة حرب سياسيّة بالوكالة عبر الصين وروسيا بعيداً عن كل تهديدات المواجهة السابقة التي صدرت عن أطراف أمريكيّة عدّة.
الردّ الروسي
ما يهمّ اليوم هو الموقف الروسي من الطروحات الأمريكية، باعتبار أن التجربة الروسيّة مع واشنطن لم تكن مجدية خلال السنوات الماضية حيث تسارع واشنطن للانقلاب على مواقفها عند أوّل مفترق طريق، ففي حين تطالب موسكو بالتهدئة، تسارع واشنطن إلى التنصّل من الهجمات المسلحّة للجماعات المحسوبة على أمريكا. وخير دليل على ذلك، هو انهيار الهدنة التي أُبرمت في سبتمبر/أيلول العام الماضي بين موسكو وواشنطن بعد أن شعرت الأخيرة بأن الهدنة تمنح روسيا الفرصة لأخذ زمام المبادرة في التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة السورية، في حين أوعزت موسكو السبب لاعتقاد واشنطن بأنها تصب في نهاية المطاف في صالح حكومة الرئيس السوري بشار الأسد المدعوم من موسكو والذي تطالب واشنطن بإزاحته.
التنصّل الأمريكي والذي تكرّر لأكثر من مرّة، أوجد حالة من عدم الثقة بين الجانبين في الأزمة السوريّة، وهي ثقة مفتقدة في الأساس، ودفع موسكو حينها بالتوجّه أكثر نحو حلفائها.
اليوم، قد ينظر البعض في موسكو بعين مختلفة إلى إدارة ترامب مقارنة مع إدارة سلفه أوباما، وهي الإدارة التي عوّلت عليها موسكو كثيراً قبيل الانتخابات الأمريكية، إلا أن خبرة الرئيس بوتين بهيكلية النظام الأمريكي الذي لا يقتصر على شخص الرئيس وكذلك تجربة حوالي شهرين ونصف أثبتت العكس تماماً، فهل ستقع موسكو في الفخ الأمريكي مجدّداً، أم سيعود تيلرسون بخفي حنين؟