الوقت - بعد وصول "دونالد ترامب" إلى سدة الرئاسة في البيت الأبيض ظنّ الكثيرون بأن علاقات واشنطن وموسكو ستتخذ منحىً آخر يختلف عمّا كان في عهد الرئيس السابق "باراك أوباما".
وما عزز هذا الاعتقاد هو تصريحات ترامب خلال حملته الانتخابية والتي أكد فيها أنه سيسعى لتعزيز العلاقات مع روسيا ورفع مستوى التعاون معها خصوصاً فيما يتعلق بمحاربة "الإرهاب" لاسيّما في سوريا.
ورغم مرور أكثر من شهرين على تسلمه مهام عمله لم يفِ ترامب بأي من وعوده إزاء روسيا، ليس هذا فحسب؛ بل أقدمت إدارته على فرض عقوبات جديدة على موسكو وذلك بإضافة 8 شركات ومؤسسات روسية عاملة في القطاع العسكري، دون ذكر طبيعة الاتهامات الموجهة لهذه الشركات، لكنها أشارت إلى ارتباطها بقانون حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل.
وطالت العقوبات شركة "روس أوبورون اكسبورت" المصدرة للأسلحة الروسية، وشركة "آفيا اكسبورت"، و"مكتب التصميم لصناعة المكنات"، وشركة "بازالت"، ومعهد أوليانوفسك للطيران المدني، ومركز أورال التدريبي للطيران المدني، وأكاديمية جوكوفسكي وغاغارين للطيران الحربي، ومصنع صيانة الطائرات رقم 150.
المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية "ماريا زاخاروفا" شددت على أن هذه العقوبات تتناقض تماماً مع تأكيدات واشنطن بأن محاربة "داعش" والجماعات الإرهابية الأخرى تمثل أولية بالنسبة إليها.
وقالت زاخاروفا إن العقوبات لن تسبب مشاكل كبيرة لروسيا، غير أنها تؤكد بأن الأمريكيين يسيرون من جديد وراء أولئك الأشخاص الذين يعملون على التدمير التدريجي للتعاون الروسي - الأمريكي.
ويعتقد المراقبون أن العقوبات الأمريكية ضد روسيا ترمي إلى تحقيق أربعة أهداف أساسية يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:
الأول: تعزير سلطة أمريكا في العالم
في أول خطاب له في العشرين من يناير /كانون الثاني الماضي سعى "دونالد ترامب" إلى أحياء روح الهيمنة الأمريكية على العالم من خلال التأكيد على ضرورة الحد من الاعتماد على التعاون مع المؤسسات الدولية بما في ذلك الأمم المتحدة، وذلك من أجل تكريس السياسة الأحادية الجانب التي تعتمدها واشنطن في التعاطي مع الدول الأخرى في شتى المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية.
والعقوبات الأمريكية الجديدة تأتي في هذا الإطار بحسب اعتقاد موسكو، وهو ما أكده رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي "قسطنطين كوساتشوف"عندما أشار إلى أن واشنطن تسعى إلى إظهار تفوق القانون الأمريكي على القانون الدولي وتضييق عمل الشركات الروسية التي تتنافس مع الأمريكية في الأسواق العالمية، واصفاً عقوبات واشنطن الأخيرة بأنها تتماشى مع سياسة إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما إزاء موسكو.
الثاني: تحذير المسؤولين الروس
يبدو أن ترامب ومستشاريه ومعاونيه لا يكفّون عن إرسال رسائل سياسية مفادها بأن الإدارة الأمريكية لا تنوي تنفيذ تصريحات ترامب التي وردت أثناء السباق الانتخابي بشأن ضرورة تحسين العلاقات مع روسيا، وهو ما أكده رئيس لجنة مجلس الدوما الروسي للشؤون الدولية "ليونيد سلوتسكي" بالقول بأن البيت الأبيض يوجه من خلال فرض العقوبات، إشارة واضحة لموسكو تعزز هذا المعنى.
في ذات السياق أشار السيناتور الأمريكي "بن كاردين" إلى أن الكونغرس سيعمل باتجاه استمرار الضغط على روسيا، معرباً عن أمله في أن يدرك ترامب بأنه لا يمكن التعامل مع روسيا في "النظام العادي"، حسب تعبيره.
الثالث: إضعاف قدرة موسكو على تصدير السلاح
يعتقد العديد من المراقبين بأن العقوبات الأمريكية الجديدة ضد روسيا والتي طالت شركة "روس أوبورون اكسبورت" المصدرة للأسلحة، وأكاديمية جوكوفسكي وغاغارين للطيران الحربي، ومصنع صيانة الطائرات رقم 150 تهدف في الدرجة الأولى إلى تقليص قدرة موسكو على تصدير السلاح إلى الخارج، وذلك من أجل زيادة حصة أمريكا في أسواق بيع السلاح إلى مختلف دول العالم.
كما يعتقد المراقبون بأن تعيين "ريكس تیلرسون" في منصب وزير الخارجية الأمريكي يوضح في الحقيقة النزعة الاقتصادية لإدارة ترامب، باعتبار أن تیلرسون كان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة "إكسون موبيل" النفطية التي تعتبر خامس أكبر شركة أمريكية من حيث القيمة السوقية.
محاولة إضعاف موقف روسيا في أوكرانيا
توترت العلاقات الأمريكية الروسية بشدة في السنوات القليلة الماضية، خاصة بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم إلى أراضيها في آذار/مارس 2014. وبدأت العقوبات الاقتصادية تنهال على روسيا من العديد من دول العالم كأوروبا وأمريكا وكندا واليابان.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2014 أقر الكونغرس الأمريكي قانون "دعم الحرية في أوكرانيا" الذي يفرض عقوبات جديدة على شركات الأسلحة الروسية والمستثمرين في مشروعات النفط التي تعتمد على تكنولوجيا متطورة.
وفي وقت سابق أكدت الخارجية الأمريكية على لسان المتحدث باسمها "مارك تونر" بأن العقوبات ضد موسكو ستبقى قائمة إلى أن تعيد الأخيرة شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا". كما ذكرت الخارجية الأمريكية بأنّها "لا تعترف" بالاستفتاء الذي أجري في القرم في مارس 2014 والذي استندت إليه موسكو لإعلان ضمّها شبه الجزيرة.
وبعد مضي نحو ثلاث سنوات على العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا، يعتقد الكثير من المراقبين بأن هذه العقوبات لم تحقق أهدافها السياسية. أما من الناحية الاقتصادية، فيرى العديد من المسؤولين الغربيين بأن الاتحاد الأوروبي هو الطرف الأكثر تضرراً جراء هذه العقوبات، وذلك لإن الاتحاد يعد الشريك التجاري الأول لروسيا، إذ تشير بعض الإحصائيات إلى أن إجمالي التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي وروسيا بلغ نحو 270 مليار يورو في عام 2012، وهو أعلى بكثير من مستوى التبادل التجاري بين أمريكا وروسيا.
وثمة من يرى أن العقوبات الغربية لا تضر بقدرات الاقتصاد الروسي بشكل مباشر في المدى المنظور، مما لا يشكل ضغطاً كبيراً على موسكو يرغمها على التنازل عن مواقفها سواء ما يتعلق بشبه جزيره القرم أو القضايا الأخرى لاسيّما موقفها تجاه سوريا.